Thursday 25th March,200411501العددالخميس 4 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الجسد الأمريكي.. عندما ينهار من الداخل
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

من الأخبار المزعجة المفزعة دائماً ان ينقل إليك أحدهم خبراً مفاده ان أحد الأشخاص الذي تعرفه جيداً، وتغبطه - ربما - على ما آتاه الله من صحة وبسطة في المال والجسم، قد أصابته علة صحية تهدد بضعف حاله وزوال عافيته. وقد يكون الأمر مزعجاً - بدرجة أكبر - عندما تنظر إلى ذلك الشخص لتجده متجاهلاً لكل ما أصابه من علل، ولما حل به من مرض قد بات يهدد حياته، فتراه متماسكاً متقوياً على واقعه العليل دون ان يتخذ أياً من أسباب الشفاء والعافية. ورغم جمال التفاؤل وروعته، إلا أنه لن يروق لك أبداً تبجح المريض، بأنه ذو جسم متين، وعقل رزين، وان لا حاجة به إلى التداوي وطلب العافية، وأن بناءه الجسدي قادر - دون أدنى شك - على مواجهة كل أصناف العلل والأمراض، ومستعد للقضاء على كل أنواع (الفيروسات) و(المايكروبات). أما إذا علمت أنه - رغم ذلك كله - يسعى جاهداً من أجل أن تتضاعف أحجام وأعداد العلل الجسدية في جسمه، فقد تظن أنه قد أصابه خلل أو خبل.
أمريكا اليوم هي ذلك المتبجح بالعافية، حيث لا تفتأ تنتج أنواعاً من الكائنات البشرية الغاضبة والساخطة على سياساتها وفلسفتها المعاصرة للكون والحياة. ولأن البلعوم الأمريكي لا يزال واسعاً متعافياً، فإنها تبتلع كل تلك الكيانات داخل أمعائها وأحشائها المتوهجة بالصحة والعافية. لقد فعلت أمريكا مظاهر عديدة من ذلك على مر التاريخ المعاصر في مناطق متعددة من العالم. وهي المناطق التي لا يمكن ان يكون غالب مَن بها برداً وسلاماً على أمريكا المعاصرة. وحيث تتجاهل أمريكا هذه الحقائق استناداً إلى صحتها وعافيتها وقدرتها على الابتلاع، فإن كثيراً مما تبتلعه أمريكا اليوم من أجرام جغرافية وتاريخية وبشرية، سوف لا تتم عملية هضمه بسلام، وسيمكث - إلى ما شاء الله - في أمعاء الجسد الأمريكي، مهدداً - كما يبدو - بظهور (الخرّاجات) والآلام، لتؤدي تلك الحقيقة إلى انعكاسات على قدرات الجسد الأمريكي الظاهرة والباطنة. وحيث تترفع الإرادة الأمريكية عن التداوي اليوم، فقد تنهار من الداخل، وتعجز عن مقارعة كل ما في جسدها من مشكلات باتت - كما يبدو - تحول دون ان تصبح أمريكا صحيحة معافاة كما كانت. ولعله لا يزال أمام أمريكا الفرصة الأخيرة للنجاة من الغضب العالمي، حيث يمكن ان يكون التاريخ الفصل في معادلة التداوي أو الانهيار - تلك - رهينا بالانتخابات الأمريكية القادمة، حيث ستقول (أمريكا الحقيقة) وليس (أمريكا الإدارة)، قولتها في تقديرها للموقف الدولي الذي انزلقت فيه، وانزلق معها كثير من كيانات العالم. وهنا، بات الجسد الأمريكي رهينا بعقلاء أمريكا، أن ينتشلوه من وحل الأمراض المستعصية، وأن ينقذوه من أن ينهار من داخله. ربما أتينا من أنه قد خيّل لعدد من القوى الدولية المعاصرة، أنه من اليسير جداً ابتلاع خيراتنا ومقدراتنا.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved