Thursday 25th March,200411501العددالخميس 4 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لا غلو مع الإنسان المتكامل والمنهج المتزن لا غلو مع الإنسان المتكامل والمنهج المتزن
مندل عبد الله القباع

من توصيات الحوار الوطني نبذ الغلو وتجفيف منابعه بالطرق السلمية, وسبق أن تعرضنا من قبل لمرتكزات هذا الحوار.
وفي هذا اللقاء الحواري اعتبر الغلو ظاهرة لها أسباب متنوعة وذكر منها أسباب أيديولوجية وأخرى مادية وذات عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية وتربوية وسياسية وإعلامية...
ولكن نحن لن نناقش في هذا المقال عمَّا إذا كان الغلو ظاهرة أو مشكلة أو حدثاً طارئاً, عموماً ليس هذا بالطبع بقصدنا, ولكننا سنتناوله باعتباره قضية ذات توجه تصلبي تحتاج لمزيد من الدراسات والبحوث من وجهة نظر سيسولوجية تهتم بفاعليات السلوك الإنساني وعلاقات التواصل البشري.
وفي المستهل نقول إن الثقافة الدينية لها تأثيرها في التوجه السلوكي للإنسان وخوض العديد من نشاطاته بدافعية ناجزة, فوازع الدين أقوى مسيطر على حركة الإنسان وعلى سلوكه مع الآخرين, وعلى قربه من هذا وبعده عن ذاك.
وهكذا يصير الدين وسيطاً تربوياً بحيث يصبح الفرد متديناً. ومن خلاله ينعكس سلوك الإنسان وتفاعله مع مكونات المجتمع. وليس غريباً إذا قلنا إن هذا التدين وبهذا المفهوم ليس قاصراً على الرجال وحدهم بل ثمة بعض من النساء لهن نصيب من التقى والتدين, ويعكس السلوك - كذلك - نمط الشخصية. لهن ولأعضاء أسرهن.
ونستطيع القول أيضاً إن التدين المتصلب والمتشدد هو الذي أثر في اتجاه جماعات لدرجة أنهم - عن جهل - يضعون رؤوسهم على أكفهم كدليل على قوة الإيمان والتضحية في سبيل العقيدة والذود عن الفكر الديني المنتمين به.
ومن خلال هذا الفكر الديني (المتصلب)، ومن خلال توجيه التعليم الرسمي على أسس منهجية منظمة دون الخوض كثيراً في مبادئ الدين وتعاليمه والجماعات المنتمية في مواجهة جماعات لا منتمية لأنها وقفت عند حدود الثقافة الإسلامية دون الغوص فيها حيث توجد ممارسات شعائرية دينية تتمحور حول ممارسات متشددة في المنهج والأسلوب وغلبة الطابع السياسي المتفرد في إعداد وتهذيب فئات بعينها والبث في روعها وإثارة حماسها والعمل على تكوينها الفكري المتسم بالغلو.
إذاً فنحن قبالة جماعات لا منتمية لها قضية تنتسب لأطر معرفية حددت سلوكياتها اللاسوية حيث تتفق مع شروحات للدين واتجاهاته الفلسفية واتباع مبادئ دينية تعتمد على اتجاهات أخلاقية في تفسير قضايا المجتمع مع مزج المقصد بين الثقافة الدينية والثقافة المعاصرة وتحويلها لخدمة المصالح الاجتماعية.
وبناء على ذلك يكون هدف هذه الجماعات اللامنتمية هو التوجه الجدلي حلاً للمشكلات وتجاوزاً للصعوبات التي يرونها في الواقع الاجتماعي, فضلاً عن التصلب أمام معطيات العصر الحديث والتعامل مع الحضارة الحديثة لمجتمعات الشمال وكذا التشكك في استيراد المنجزات العلمية والتكنولوجية ذات النفع العام, والجمود أمام وسائل ضمان تحقيق النهضة الحقيقية الثابتة.
وترى هذه الفئة أن المواجهة لتلك التيارات المعاصرة واجبة لأنها في معظمها مضادة للدين, ولم يقفوا بعد على خصائصه ومزاياه.
وليس المجال هنا متسعاً لمناقشة هذه القضية, ولتوضيح ما للإسلام من أثر في تقدم البشر, وفي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة, وراحة النفس في الدنيا والآخرة, ودوره في تطور الإنسانية وتقدمها بما خلفه من فكر وعلم وهذا العلم هو القديم الحديث والذي أنقسم عنه فروع العلم المختلفة.
ويفهم من هذا أن الغلو في الدين غير وارد لأن الدعوة إلى سبيل الله تعتمد على الحكمة والموعظة الحسنة حتى يتم من خلالها توثيق الروابط الاجتماعية والثقافية والعلمية.
إذاً لا, لا للجمود أمام محاولاتنا لمناهضة الغلو في الدين, ونعم اتساقاً مع الاتجاه الثقافي العام لإحراز تقدم في نطاق العلوم الحديثة. وهذا لا يغني عن التمسك بالقيم الأصيلة التي تدعم شخصية الإنسان العربي عموماً, والسعودي خاصة, مع الوضع في الاعتبار شروط الزمان والمكان.
وهذا لا يجعلنا نغفل عن الاستشهاد بأن الدين ليس مجرد مادة معرفية جامدة. تتوقف عند حدود العلم والبيان, ولكنه سلوك, وأسلوب حياة في غير تعصب أو تشدد يترك أثره في حياتنا وفي درجة إنضاج الذات.
وفي ختام هذا المقال نرى واجباً أن نحدد وجهة نظرنا فيما يحول دون الغلو منهجياً أو فيما وراء المنهج إن كان ثمة غلو. وإزاء ذلك نعرض التوصيات التالية:
- تحديد وصياغة أهداف المؤسسات التربوية والإعلامية ومنظمات التنشئة الاجتماعية.
- اختيار ما هو مناسب في مناهج سلوك الاتصال في هذه المنظمات.
- اختيار الوسائط التربوية والإرشادية والتوجيهية المناسبة, وتحديد أساليب عطائها المتميز التي يمكنها أن تسد مطالب المراحل السنية المختلفة.
- التنوع المجالي في الأنشطة الموجهة من اجل أن تتطابق مع الميول والاهتمامات والتي تسهم في تكوين الشخصية المتوافقة.
- التعامل المدرك للاستفادة من الإمكانات المتاحة والممكنة في إكساب مهارات السواء في السلوك وإكساب المهارات وصقل القدرات والتي تتناسب مع مستويات العمر وصولاً إلى تنمية الفرد والمجتمع.
- تنمية سلوك التوافق والتعرف على الحقوق والواجبات وتنمية صفات التعاون والاحترام المتبادل وخدمة منظمات المجتمع.
وأخيراً نقول: لا غلو لدى الإنسان المتكامل والمنهج المتزن وأساليب الحياة المتوافقة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved