Sunday 28th March,200411504العددالأحد 7 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الفكر المؤسسي.. عندما تنوء به المركزية
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

يبدو أن محاولة الجمع بين متناقضين أمر مثير للقلق دائما. وعندما يقوم المجتمع بمحاولة الجمع بينهما في شؤون كثيرة من شؤونه، فإن القلق يصبح قلقا اجتماعيا شاملا. ومن الواضح - في هذا الإطار - أن الأمر لا يقتصر على القلق وحسب ولكن على ظهور عوائق كثيرة ومركبة للفعل الاجتماعي. كنّا - في سالف الأيام - مجتمعا مركزيا في كثير من جوانبه الإدارية. وكان المديرون - على اختلاف مواقعهم في الهرمية الإدارية - أصحاب رأي سديد غالبا، وأصحاب قرار سليم في معظم الحالات، فاستطاع المجتمع أن يقدم نماذج رائعة من التقدم والتطور في شتى مجالات الحياة. وفي العقود الأخيرة، بدأ المجتمع في التحول إلى فكر إداري آخر يقوم على المنهجية المؤسسية: منهجية المجالس، واللجان، والهيئات المتطورة. وفي هذا التوجه - دون شك - منافع عظيمة جدا للناس والأشياء في مجتمعنا. فالناس كانوا دائما يتطلعون إلى تحول - ما - في الفكر الإداري يمكنهم من خلاله أن يكونوا أكثر فاعلية، وأن يساهموا في صناعة القرارات والحكم على الأمور، ليكون الرأي الذي تستند إليه أفعالنا وأقوالنا رأيا جماعيا نكون فيه مثل غيرنا من شعوب العالم المتقدم. وحيث كانت المركزية ضرورية جدا في مراحل النمو الأولى للمجتمع، فإنها اليوم لم تعد محققة لطموح الناس الذين باتوا يباركون كل خطوة في سبيل دعم وتشجيع العمل المؤسسي في المجتمع. وهنيئا لمجتمعنا هذا التفاعل والتجانس مع محاولات التغيير والتطوير والتنمية الإدارية. غير أن مراجعة هذه التجربة منذ بدايتها حتى وقتنا الراهن، تشير بقدر واضح إلى أنه لا يزال هناك تقاطع غير محمود بين الفكرين الإداريين (المركزي) و(المؤسسي) بالقدر الذي يمكن معه القول: إن المؤسسية في مجتمعنا لم تؤد الدور المأمول منها بعد. فحيث تقوم اللجان والمجالس والهيئات بدراسة الموضوعات واتخاذ القرارات بشأنها، فإن قنوات القرار الإداري تعيد هذه القرارات إلى الهرمية الإدارية المركزية من جديد. وفي هذا الأسلوب ازدواجية متقاطعة في سلسلة الإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات المجتمعية بمختلف مستوياتها، ولعل هذا التقاطع بين أسلوبين، الأصل فيهما التوازي، قد انعكس سلبا على ضرورة الإسراع في اتخاذ القرارات المناسبة.
ومن هنا، فلعل الأمر بحاجة إلى إعادة النظر في الفصل بين الحالات، فما كان بحاجة للفكر الإداري المركزي، ولو مرحليا، فليبق فرديا مركزيا بوضوح. وما أمكن تحويله إلى عمل مؤسسي، فليبدأ وينته وفق المنظومة المؤسسية.
وبذلك، يمكن لمجتمعنا أن يسارع الخطي نحو مزيد من التناغم والتجانس مع معطيات العصر وضرورات المرحلة. ربما أتينا من أننا بقدر ما نتطلع إلى إجراء تغييرات صحية جذرية في فكرنا المجتمعي، لا نزال نخشى ونخاف ولا نمنح الثقة بعد.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved