Monday 29th March,200411505العددالأثنين 8 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
التقارب الغربي مع الأضداد.. كيف نفهمه؟
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

من الواضح جداً لدى عامة الناس، أن تقوم الثقافة السياسية الغربية بشكل عام وسياسة أمريكا وبريطانيا - تحديداً - على مرتكزات تحقيق المصلحة الذاتية لكل منهما. وقد يعرف خاصة الناس كثيراً من عناصر ومكونات تلك المرتكزات. وبالتالي، فليس مستغرباً أن تكون أمريكا معك بالأمس لأن معيتها تلك كانت تحقق كثيراً من مصالحها، في حين تصبح ضدك اليوم لأن مقياس المصالح قد تحوّل وتبدّل. بل يمكن القول إن كثيراً من دول العالم تسير وفق تلك المنظومة المصلحية، الواقعية جداً. غير أن الذي يستعصي على فهم كثير من خاصة الناس دون عامتهم - كما يبدو - هو موطن المصلحة الغربية و(الأمريكية والبريطانية تحديداً) في تقاربهما المفاجىء لدول كانت - حتى زمن يسير - تصنف ضمن الدول الأشد عداءً، ليس للغرب وحسب، ولكن للإنسانية كافة، لما تحويه من مخاطر بيولوجية وتدميرية. أن تتحول الإرادة الأمريكية تحولاً دراماتيكياً تجاه الشرق عامة والمسلمين خاصة والسعوديين بشكل أخص، أمر بات مفهوماً إلى حد كبير، لكنه كلّف الشيء الكثير - كما يبدو - بالنسبة للواقع الأمريكي، حتى يمكن إقناع كثيرين من البسطاء حول العالم بأن تلك الكيانات باتت تمثل شيئاً من الخطر على الآخرين!! وفق سلسلة درامية لم يشهد مثلها التاريخ القديم أو الحديث. فقد احتاجت أمريكا أن تدفع أثماناً باهظة لصالح تلك الحبكة الدرامية، بالقدر الذي لن تستطيع معه استرداد تلك الأثمان، اللهم إلا من (النفطيين) الغائرين في الظلام العالمي المعاصر في مناطق بحر قزوين والعراق، لكن التحول السريع والانقلاب (الدراماتيكي) - أيضاً - مع دول الضد العربية، أمر يثير كثيراً من التساؤلات من أجل فهم أكثر عمقاً لطبيعة تلك السياسة التي تستعصي اليوم - ربما - على كثيرين ممن خبروا العقلية الأمريكية والبريطانية وفهموها: لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما العلاقة القائمة بين انتهاء الحرب على العراق وزوال النظام البعثي البائد من ناحية ومن ناحية ثانية، سياسة إغلاق الملفات القديمة!! وفتح صفحات جديدة في مناطق محددة من العالم العربي؟ كيف تكتفي أمريكا وبريطانيا بإعلان دولة (عدو!!) تخليها عن برنامج أسلحة الدمار الشامل لتقلبا زاوية الرؤية 180 درجة، في حين لم يرمش لهما جفن لصراخ العراق لأكثر من عشر سنوات بالتخلي عن الشيء نفسه، ورغم إقامة فرق التفتيش هناك لعقود من الزمن؟ لماذا كانت معضلة (لوكربي) تزداد تعقيداً حيناً بعد حين، إلا بعيد السيطرة على الوضع في العراق، حيث انفرجت بشكل لم يكن منتظراً؟ ما العلاقة الحقيقية بين الوضع التاريخي في العراق وسياسة التقارب الغربية المعاصرة؟ الشعب العراقي شعب شقيق، وأيضاً غيره من الشعوب العربية ليست سوى مجموعة من الأشقاء، ولكن ما الذي يحدث هنا وهناك بوضوح؟ ما الذي فعلته السياسة الدولية بماضينا؟ وما الذي تفعله اليوم؟ وماذا تريد منا يوم غد؟ ربما أتينا من أن من بيننا من لا يزال يعتقد ويؤمن بالمنهج (الظاهري) في العقلية الدولية، أو - ربما - أتينا من أن من بيننا من يعتقد أن العالم إنما يسير واقعه كما يشاهد ويقرأ في وسائل الإعلام وحسب. أن نكون مستهدفين، فهذه سنة السياسة المصلحية، لكن أن يقوم استهداف بعضنا على بعض فهذا - وأيم الله - ما لن تحتمله العقلية العربية.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved