Tuesday 30th March,200411506العددالثلاثاء 9 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

« الجزيرة »في قلب الحدث من بيت الشيخ ياسين.. أقام ليلة استشهاده في المسجد وارتقى إلى العلا صائماً « الجزيرة »في قلب الحدث من بيت الشيخ ياسين.. أقام ليلة استشهاده في المسجد وارتقى إلى العلا صائماً
الزعيم الراحل لـ(حركة حماس) كان يعيش في غرفة مسقوفة بالاسبست..

  * غزة - بلال أبو دقة:
في بيت متواضع مسقوف بالاسبست، مكون من غرفتين وصالة ضيافة ومطبخ وحمام، كان يسكن الشيخ الجليل المقعد الشهيد أحمد إسماعيل ياسين (68 عاما)، زعيم ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي اغتالته الدولة العبرية هو ومرافقيه ومجموعة من المصلين، يوم الاثنين الماضي الموافق 22 - 3 - 2004، بثلاثة صواريخ موجهة من طائرات حربية، مزقت جسده الضعيف أشلاء تناثرت في محيط مسجد المجمع الإسلامي الكائن في حي الصبرة وسط مدينة غزة، هذا المسجد الذي عمل الشيخ على تأسيسه والإشراف عليه حتى آخر ساعة من حياته.
مراسل الجزيرة توجه بعد انقضاء أيام العزاء والحداد الثلاثة التي عمت ربوع فلسطين المحتلة إلى مستشفى دار الشفاء بمدينة غزة، حيث يرقد نجلا الشيخ الراحل، عبد الحميد أحمد ياسين (32 عاما)، وشقيقه عبد الغني (30 عاما) في غرفة العناية الفائقة التركيز، ومن ثم انتقل مراسل الجزيرة إلى بيت الشيخ الراحل، متجولا في غرفه المتواضعة، بعد أن التقى بنفر من عائلة الشيخ، بعدها وصلنا إلى مسجد المجمع الإسلامي، حيث مكان الجريمة الصهيونية.
ما وصل من جثمان الشيخ ياسين، هو جزء من الرأس والباقي عبارة عن كتل لحمية وضعت في كيسين أسودين ودفنت في القبر
الدكتور بكر أبو صفية رئيس قسم الاستقبال والطوارئ ب(مستشفى الشفاء) بمدينة غزة قال في رده على سؤال لمراسل الجزيرة، (كيف وصلكم جثمان الشيخ الراحل أحمد ياسين ؟)، مجيبا : تلقينا معلومات بأن منطقة حي الصبرة تعرضت فجر يوم الاثنين الماضي إلى قصف بصواريخ طائرات الأباتشي الاسرائيلية، فتوجهت الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف إلى المكان، لنفاجأ بأن المستهدف هو الشيخ الجليل أحمد ياسين.
لقد اكتشف ضباط الإسعاف بأن هناك جثة ممزقة وهي عبارة عن أشلاء متناثرة لا تحمل أي معالم، سوى ثلثي حجم الرأس، وجزء من اللحية، ليتبين لنا بعد الكشف أن هذه الجثة هي جثة الشيخ الجليل أحمد ياسين.
ومما قاله رئيس قسم الاستقبال والطوارئ ل(الجزيرة): يبدو أن صاروخا إسرائيليا استهدف بصورة مباشرة الشيخ المقعد بينما كان يدفع به أحد مرافقيه على كرسيه المتحرك في محيط مسجد المجمع الإسلامي، لتتناثر أشلاء الشيخ على مسافة مائة متر، وما وصلنا من جثمان الشيخ الجليل هو جزء من الرأس والوجه مكتمل وهذه كرامة له، مع جزء من لحيته، لكن اللحية البيضاء تحولت إلى سوداء نتيجة الحروق.
وباقي جثمان الشيخ الراحل هي عبارة عن كتل لحمية وضعت في كيسين أسودين لتصل إلى المستشفى وتوضع في ثلاجة حفظ الموتى.
وعندما سألت (الجزيرة) أبو صفية، (تقول كيسان من كتل لحمية للشيخ ورأسه فقط، إذن كيف ظهر جثمان الشيخ في موكب التشييع بهيكل مكتمل.؟)، ليجيب إجابة غريبة : نعم أؤكد لك ولقراء الجزيرة وللعالم أجمع أنه لم يصلنا من جثمان الشهيد الراحل الإمام أحمد ياسين سوى ثلثي الرأس، فقط عظمات الوجه مع جزء من الشق الأيمن للرأس، والجزء الأيسر من الرأس موجود، ولكن خلفية الرأس والدماغ خارجة، كانت مجمعة مع الكتل اللحمية، وباقي جثة الشيخ كانت موضوعة في كيسين أسودين، ما رأيتموه في موكب التشييع، وعلى شاشات التلفزة، كان هيكلا محشوا بالقماش ووضع الكيسان الأسودان في وسطه، بينما وضعنا رأس الشيخ في نهاية الجثة حتى يظهر للعيان أن للشيخ جثة، وتم حشو الرأس بالقطن وقطع القماش..
وكشف رئيس قسم الاستقبال والطوارئ ل (الجزيرة) أن ما أنزل في قبر الشيخ ياسين هو الرأس الذي كان على حدة، وكيسان أسودان بهما قطع لحمية أنزلت إلى قبر الشيخ الجليل..
أصيب نجلا ياسين، عبد الحميد وعبد الغني بإصابات خطيرة جدا، يرقد عبد الحميد في غرفة العناية المركزة فاقدا للوعي دون حراك..
وعن حالة نجلي الشيخ الراحل وأين تركزت إصابتهما، قال د.بكر أبو صفية ل (لجزيرة ): أصيب كل من نجليه عبد الحميد وعبد الغني بإصابات خطيرة جدا، يرقد على إثرها عبد الحميد في غرفة العناية المركزة..
حيث أصيب عبد الحميد بشظايا الصواريخ في ساقه وفخذه وفي جميع أنحاء جسده، وكان هناك خطر أن يفقد ساقه الأيمن، حيث كان هناك قرار بعملية بتر لساقه حفاظا على حياته، إلا أنه تشكلت لجنة من كبار الأطباء الفلسطينيين برئاسة مدير مستشفى دار الشفاء، وقرروا إعطاءه فرصة، والحمد لله حاليا يصل إلى ساقه تروية دموية، بعد أن أجريت له عمليات جراحية لإصلاح التهشم المضاعف في ساقه، وهو الآن فاقد للوعي لا يحرك ساكنا.
أما شقيقه عبد الغني فقد تعدت إصابته مرحلة الخطر، ونقل من غرفة العناية المركزة إلى قسم الجراحة بالمستشفى، حيث أصيب بقطع في شريان يده اليمنى، وبشظايا الصواريخ في ساقه وركبته اليسرى، وقد أجريت له عملية في صدره لاستخراج شظايا استقرت فيه، وتعرض لقطع حاد في اللسان نتيجة ضغط الصاروخ الثالث الذي قذف به إلى مسافة خمسين مترا، بينما كان في طريقه إلى معرفة ما حل بوالده المقعد.
ودخل مراسل (الجزيرة) إلى غرفة العناية الفائقة التركيز، حيث عبد الحميد الابن الأوسط للشيخ الراحل ياسين، الذي كان مرافقا لأبيه في حله وترحاله، عبد الحميد (32 عاما) الأب لأربعة أطفال كان فاقدا للوعي، يتنفس عبر جهاز التنفس الصناعي.
وفي الطابق الرابع من مستشفى الشفاء رقد عبد الغني النجل الأصغر للشيخ الراحل احمد ياسين، قال ل (الجزيرة) بصوت متقطع كونه يعاني جروحاً وقطعاً في اللسان : كنت ساعة القصف في البيت، وما إن سمعت بصوت الانفجار حتى خرجت مسرعا إلى الشارع، توجهت صوب مسجد المجمع الإسلامي الذي لا يبعد عن بيتنا سوى مائتي متر، فإذا بصاروخ ثانٍ يسقط في المكان، تأكدت أن المستهدف هو والدي المقعد، وتقدمت عدة أمتار إذا بالصاروخ الثالث يسقط على مقربة مني، لم أفق من الغيبوبة إلا بعد يومين، أخبروني عندها أن والدي الشيخ أحمد ياسين،وخميس مشتهى زوج شقيقتي خديجة، ومرافقي والدي (أيوب عطا الله، وخليل أبو جياب)، وجيراني مؤمن اليازوري، وأمير عبد العال، وربيع عبد العال، وراتب العالول، جميعهم قضوا شهداء بصواريخ الاحتلال الصهيوني.
زعيم حركة حماس الراحل، كان يعيش في بيت متواضع، ويرقد في غرفة مسقوفة بالاسبست
وانتقل مراسل(الجزيرة) إلى بيت الشيخ الراحل أحمد ياسين في حي الصبرة وسط مدينة غزة، كنا قد أجرينا حوارات عديدة مع الشيخ الجليل في غرفة الضيافة، المسقوفة بالخرسانة، ولكنا عندما تجولنا في قائد حركة حماس، تبين لنا أن باقي البيت المتواضع مسقوف بالاسبست.
وتجول برفقتنا د. نسيم شحدة ياسين (45 عاما) ابن أخ الشيخ الراحل احمد ياسين، في غرفة مسقوفة بالاسبست كان يرقد زعيم حركة حماس على سرير خصص للمعاقين، جلابيته الرمادية عُلقت في زاوية الغرفة، بينما وضعت بطانية بنية اللون على سريره كانت ممزقة من شظايا الصواريخ.
قال د.نسيم ياسين، الذي يشغل عميد كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية ل(الجزيرة): لقد منح الله عمي الشهيد الشيخ الراحل كرامات كثيرة، ففي الليلة التي استشهد فيها كان نوى نية الاعتكاف، وأعطى درسا في فضائل الجهاد، والرباط على أرض فلسطين، وخرج من المسجد صائما ليلقى ربه وهو راضٍ عنه..
طلب مراسل الجزيرة بأن يلتقي ب(أم محمد) زوجة الشيخ الراحل، كان لنا ذلك، خرجت أم محمد (60 عاما) من الغرفة المجاورة لغرفة الشيخ، لتقول ل(الجزيرة) على عجل: رحل شيخنا ومعلمنا القائد والزعيم، الأب والزوج والأخ، المربي الفاضل، رحل إلى العلا، كان يتمنى الشهادة، يدعو بألا يموت على فراشه، لقد حقق الله له أمنيته، كان يعيش لأمته ووطنه وللجميع، نحسبه شهيدا، وشفيعا لنا يوم القيامة.
كان رغم حالته الصحية معطاء كريما لا يصد أحد عن بيته، جوادا يعطف على المساكين والمحتاجين والأيتام وأبناء الشهداء.. كان يقضي جل وقته في الدعوة إلى الله، وحل مشاكل الناس.. وفي صالة الضيافة جلس محمد أحمد ياسين (34 عاما) النجل البكر للشيخ الراحل بجوار صورة كبيرة لوالده، قال ل(الجزيرة) : في ليلة استشهاد والدي خرج من البيت بعد صلاة المغرب، ونوى نية الاعتكاف في مسجد المجمع الإسلامي، وقيام ليلة الاثنين، وبقي في المسجد، وتسحر ونوى صيام يوم الاثنين كالعادة، فهو يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.. وبعد أن صلى الفجر في جماعة وهم بالعودة إلى بيتنا استهدفه الصهاينة ومرافقيه وجموع المصلين بثلاثة صواريخ مزقت جسد والدي الضعيف أشلاء، حسبي الله ونعم الوكيل.. وأشار النجل البكر للشيخ ياسين إلى أن خميس سامي مشتهى (25 عاما)، زوج شقيقته خديجة (22عاما) استشهد مع والده في الحادثة، مستذكرا كيف استشهد أيضا هاني أبو العمرين، زوج شقيقته الأخرى سعدة (20 عاما) حين استهدفت صواريخ الاحتلال سيارة الشهيد إسماعيل أبو شنب القائد السياسي في حركة حماس قبل زهاء العام.. لتعود شقيقتاه بعد فقدان زوجهما إلى بيت والدهما الراحل الشيخ الجليل أحمد ياسين.
وعلى باب بيت الشيخ ياسين وقف أحد مرافقيه، يدعى أبو محمد (27 عاما)، قال ل(الجزيرة): كان قائدا ربانيا، خدوما محبا للجميع، كان يخشاه الصهاينة رغم إعاقته، كانت عزيمته قوية، وإيمانه بربع كبير، وعطاؤه بلا حدود، مؤكدا: كان وضع الشيخ ياسين الصحي صعباً جدا، كان يعاني ضعفاً في التنفس، تمنينا بألا يموت على فراشه، كان يقول الشيخ اللهم ارضَ عني وبلغني رضاك، وارزقني الشهادة في سبيلك.
ومما قاله مرافق الشيخ أحمد ياسين : أريد أن أوصل عبر(الجزيرة) هذه الكلمات، (شيخ قعيد بشهادته أيقظ الأمة، فمتى يفيق صحيح البدن ويعيد الهمة..) متى.. متى يا إخوتي..
وكان الشيخ الراحل قال لقاءات عديدة ل(الجزيرة): لن نستسلم للضغوط الصهيونية، ندعو إلى مواصلة الجهاد والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي، نحن لا نشعر بالخوف على حياتنا، لقد حاولوا اغتيالي في السابق، أريد أن أقول لهم : إننا لا نخاف من التهديد بالموت، إننا نريد أن نموت شهداء.
إنه بدل كل قائد من حماس يرتقي شهيدا إلى العلا سيولد مكانه مائة، مثله في العطاء وأكثر.
إن حركتنا تسير بالشعب الفلسطيني إلى مواجهة صعبة وشاقة، لكن نتائجها بإذن الله ميمونة ومضمونة، وهي النصر والتمكين للشعب الفلسطيني المرابط على ثرى أطهر بقعة، إن حركتنا ستصمد أمام أي هجوم للجيش الصهيوني، نحن طلاب شهادة في مدرسة المقاومة والجهاد في فلسطين مهد الرسالات وملتقى الأنبياء والرسل، لن تخيفنا صواريخ الاحتلال وقذائفه، سنضرب في كل مكان.
نحن لا ننظر إلى أنفسنا، نحن ننظر إلى شعب مشرد في أصقاع العالم، هناك خمسة ملايين فلسطيني في الشتات، وأربعة ملايين فلسطيني يحرمون من التنفس محاصرون ومقهورون.. لدينا قضية شعب وحضارة، فلو كنا نجاهد من أجل أنفسنا لرفعنا الرايات البيضاء بعد أول حادثة اغتيال نفذت بحق قيادتنا، ففي كل يوم نودع الشهداء وهذا ما يزيدنا إصرارا على مواصلة التضحية والجهاد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved