Monday 5th April,200411512العددالأثنين 15 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من بقايا الأمس من بقايا الأمس
عصى محمد والده فعرف قيمة الوصية
والدته أخبرت بسرقته ونسيبه ابتعد عنه!

الوصية
تقدم به العمر ومكن الزمان منه مخالبه ولا شيء أحب إليه في هذه الحياة من ابنه الوحيد من الذكور الذي يرقب تحركاته عن كثب ويرى ان الأيام لا تسير بسرعة لأن ابنه لم يكبر في عينيه وهو ينظر على أحر من الجمر ليراه شاباً يافعاً يستطيع أن يشق طريقه دون عون من أحد. ولكن نفس الطريق الذي اتخذه أبوه في عنفوان شبابه وكهولته لأنه أمسك بزمام نفسه من سفاسف الأمور ومزالق الهوى الذي غالباً ما يؤدي بالنفس إلى الهاوية. ولهذا أراد أن تكون خطوات ابنه على نفس تلك الخطوات التي ارتضاها لنفسه. وفي ذات يوم من أيام يأسه قال لابنه الوحيد محمد: يا بني أوصيك بأن لا تأمن السلطان ولا تناسب البخيل ولا تفشي سرك لامرأة مهما كانت منزلة هذه المرأة من نفسك. وتقبل محمد الوصية من والده بصدر رحب رغم عدم قناعته بها. ومرت الأيام وانتقل والد محمد لمثواه الأخير وبقي محمد يصارع هذه الحياة وحيداً وصارت هذه الوصية شغله الشاغل. هل يتبعها ويتمسك بها أم يخالفها ويرى ماذا يكون في مخالفته ويدنو من اعتاب بلاط السلطان في ذلك الحين حتى صار أقرب الأقربين إليه. واشتهر اسمه وذاع صيته بين الناس. وهنا يكون قد نفذ أول مخالفة لوصية والده وشرع في التفكير في تنفيذ مخالفة بقية الوصية ولكن لم يطل التفكير به إذ استدعى ابخل وأغنى رجل من أقاربه وزوجه شقيقته الثانية. وبهذا يكون نفذ مخالفة الوصية الثانية وبقيت الوصية الثالثة التي احتار فيمن تكون بطلتها. وأخيراً يهتدي إلى أن والدته الحنون هي من سيفشي عليها السر. ويتطاول محمد على قصر السلطان ويختطف نعامته ويخفيها في مكان آمن وينحر لوالدته خروفاً ويقدم لحمه على أنه لحم نعامة السلطان وان عليها أن لا تخبر أحداً بذلك لأن السلطان لو علم سيفعل فعلته وسيحدث لمحمد ما لا تحمد عقباه. هكذا أقنع والدته وأشعرها بجسامة المسؤولية. وأكدت والدته بأن لا يهتم من ناحيتها فحرصها عليه يفوق حرصه على نفسه كما تقول والدته في تلك اللحظة.
وما أن نضج اللحم حتى أخذت والدة محمد شيئاً من اللحمة وقدمته لشقيقتها وجارتها في نفس الوقت وقالت لها أن هذه اللحمة من لحم نعامة السلطان أحضره محمد خلسة ولكن إياك أن يطلع أحداً على ذلك وأبدت الخالة الجارة استعدادها لكتمان الأمر عن كائن من كان.
أما السلطان فإنه فقد النعامة بعد مرور وقت وجيز على إخفائها وبحث عنها وأتى من أخبره بأنها لدى محمد وبالطبع أخذ الخبر عن طريق الامرأتين اللتين هما أقرب الناس لمحمد. فاستدعى السلطان محمد وكلفه باحضارها فوراً وقال محمد انها غير موجودة ليرى ماذا يفعل السلطان به وهو أحب الناس إليه. فقال السلطان: إن النعامة بكذا وكذا من الإبل ولك مهلة كذا يوم إن لم تحضر الغرامة أودعتك السجن.
وقبل محمد الشرط واستعد للوفاء وذهب لزوجي شقيقتيه وأقاربه في نفس الوقت وأخبرهما حقيقة الأمر وطلب منهما العون في سداد تلك الغرامة فقال البخيل الغني: خذ هذا التيس إعانة لك. وقال الآخر وهو فقير الحال إذا أصبحنا أفلحنا ولا يكون في نفسك أي هم من الوفاء. وذهب لتوه وقال لأقاربه وأفراد عشيرته ان محمداً عليه كذا وكذا من الإبل وليس هناك من ينقذه من هذا الموقف إلا طيبتكم وشهامتكم ولا بعد هذه الحاجة حاجة. فقال الجميع ماذا يلزمنا فقال: كل رجل منكم عليه ناقة. فاستعد الجميع بالدفع وما أن أصبح الصباح حتى اجتمع لدى نسيب محمد مجموعة كبيرة من الإبل دفع بها بدوره إلى محمد واعتذر منه. واستاق محمد الإبل والتيس وذهب للسلطان وقال له بالحرف الواحد: ما جرى ليس خيانة مني لك وقد اتضح لي حقيقة ما أوصاني به والدي فافعل بي ما تشاء. فقال السلطان ما دام الأمر كذلك فإني قد عفوت عنك وقد وهبتك حمل كل ناقة من هذه الإبل لتدفع بها وما فوقها لصاحبها تقديراً لنخوته. فقال محمد: والتيس ياسيدي. قال: ضع فوقه ما يستطيع حمله وادفع به لصاحبه فإنه لا يستحق أكثر من ذلك. وصدق من قال
أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة.

حكايات من الماضي لمحمد بن زبن بن عمير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved