استأثرت العيون الجميلة بأروع ما أبدعه الشاعر العربي في وصف الجمال الأنثوي, ففتحت أمامه دنيا واسعة تتجاوز وصف الجمال الحسي إلى عوالم أخرى تتداخل في الألوان والظلال, يمتزج فيها الليل والبحر والسحر والاحلام لذلك فقد بقي شعر الحب الذي قيل في جمال العيون مشرقاً بعذرية الحب وعفاف الكلمة.
* قال الرافعي في فلسفته للجمال والحب..آه لو رأيت أيها الصديق عينيها تغزلان غزل السحر خيوطاً, خيوطاً تلتمح واحداً من شعاع الحرير في واحد من شعاع الشمس). آه لو تبين لك مكتومها في بعض نظراتها الساجية الطويلة التي تغفل فيها عن كل خدرٍ وترسل فيها كل خواطر الحب وتمدها إليك وكأنها تقول: خذ هذه النظرة وانظرني أنت بها لتطلع على ما في قلبي ثم ترخيها بفتور لين كأنما تصارحك.. والاشارة إلى إطباقها دليل على التهديد.أما قلب الحدقة إلى جهة ما, ثم حرفها بسرعة فهذا تنبيه على شيء مشار عليه.والإشارة الخفية بمؤخر العين كلتاهما سؤال؟وقلب الحدقة من وسط العين بسرعة شاهد المنع وترعيد الحدقتين من وسط العينين نهي عام.)
* ويقول الأديب مصطفى صادق الرافعي: (والآن انظري ياحبيبتي صور نظراتك في قلبي فإن لها بعثات من ورائها بعثات, وفيها المعاني من تحتها المعاني.. فهذه نظرات تمتد.. تأمر.. تشعرني بقوة سطوتها كأنها تقول:
أريد.. أريد.. ثم لا يرضيها الرضا فتقول: أريد منك أكثر مما اريد...ونظرات من عين ساجية ساكنة الطرف كأنها تقول لي: إن نظراتي جمال العينين...
أما العيون في اللغة والأدب:فقد قيل فيها:
* النجل: سعة العينين.
* الدعج: أن تكون شديدتي السواد مع سعة المقلة.
* الكحل: سواد الجفون من غير كحل.
* الحور: اتساع السواد فيهما.
* الشهلة: حمرة في سوادهما.
* البرج: شدة السواد والبياض فيهما.
* الوطف: طول الاهداب وتمامها.
* الزجج: امتداد الحاجبين ودقتهما.
* البلج: السعة بين الحاجبين.
* يقول الشاعر نزار قباني:
إني أحبك عندما تبكينا
وأحب وجهك غائماً وحزينا
الحزن يصهرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
تلك الدموع الهاميات أحبها
وأحب خلف سقوطها تشرينا
بعض النساء وجوههن جميلة
وتصبر أجمل عندما يبكينا
* أما الشاعر محمد علي السنوسي فوصف العيون الدامعة بقوله:
دموعك ياحسناء تغري بي الهوى
فعيناك مينائي وقلبي قد رسا
لمحتك من قلبٍ رقيقٍ فلم أزل
أراكٍ بقلبي في صبح وفي مسا
لقد كنتُ لو تدرين منديل راحةٍ
يجفف احساسي دموعك والاسى
كأني من حبي وعمق مشاعري
بحسنك والدمع الذي قد تبجسا
هزار تمنى أن يغني بروضةٍ
فلما رآى الامطار فيها.. توجسا |
* أما مجنون ليلى فأنشد يقول في وداع حبيبته:
ومما شجاني أنها يوم ودعت
تولت وماء العيون في الجفن حائر
فلما أعادت من بعيدٍ بنظرةٍ
إليَّ التفاتاً.. أسلمته المحاجر |
* فحديث العيون ذو شجون فالعين منبع الحنان والرقة ولغة القلوب ورسول المحبين وهي ينبوع الدموع فتغنى بها الشعراء ومازالوا يتغنون بها وتعددت اسماؤها فهي الطرف, المقلة, الناظر, البصر, البصاصة).
* قال جميل بثينة:
لها مقلةٌ كحلاء, نجلاء, خلقةً
كأن أباها الظبي, أو أُمَّها مَها |
* أما ابن الرومي فقال:
نظرت فأقصدتْ الفؤاد بطرفها
ثم انثنت عني فكدتُ أهيمُ
ويلاه إن نظرتْ وإن هي أعرضت
وقع السهام ونزعهن أليمُ |
* أما كامل الشناوي فقال:
لاتكزبي, إني رأيتكما معاً
ودعي البكاء, فقد كرهت الأدمعا
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى
من عين كاذبةٍ.. فأنكر وادعا |
* أما أميرنا وشاعرنا عبدالله الفيصل فيقول:
صبوت إلى عينيك أستلهم الهوى
حديثاً يريح القلب من مشوة الهجر
فأبصرت طوفاناً من الدمع فيهما
أسأل دموعي وهي من عندهم تجري
لقد كنت قبل البعد أشكو مرارتي
وأصبحت بعد البعد أشتاق للمر |
* فالكل يتوق إلى العيون, وسحرها, وغزلها. والغوص في أعماقها.. فقال العباس بن الحسين في وصف الحور:
صادتكَ مِنْ بَعض الحضور
بيضٌ نواعمٌ في الخدور
حورٌ تحور إلى صباك
بأعينٍ منهن حور |
* وفي الدعج الذي هو شدة سواد العين وشدة بياضها مع سعتها وعين دعجاء بينة الدعج. فقال بشار بن برد:
ودعجاء المحاجر من مَعْدٍ
كأن حديثها ثَمْرُ الجنانِ
قامت لمشيتها تثنت
كأن عظامها من خيزران |
* أما كثير عزة فأنشد يقول:
سوى دعج العينين والدعج الذي
به قتلتني حين أمكنها قتلي |
* بينما يقول المسلم بن الوليد:
سقتني بعينيها الهوى وسقيتها
فدَّب دبيب الرَّاح في كل مفصلِ |
* وقد أبدع الشاعر إيليا أبو ماضي حين قال:
رأيت في عينيك سحر الهوى
مندفعاً كالنور من نجمتين
فبت لا أقوى على دفعه
من رد عنه عارضاً باليدين
يا جنة الحب ودنيا المنى
ما خلتني ألقاك في مقلتين |
* وفي الوداع قال الشاعر البحتري:
ويوم تثنت للوداع وسلَّمتْ
بعينين موصول بلحظهما السحر
توهمتها ألوي بأجفانها الكرى
كرى النوم, أو مالت بأعطافها الخمر |
* أما الشاعر البهاء زهير فله في العيون قولٌ آخر:
قالوا تعشقها عميا فقلت لهم
ما عابها ذاك في عيني ولا قدحا
بل زاد وجدي فيها أنها أبداً
لا تبصر الشيب في رأسي إذا وضحا |
* والعيون الجميلة تأسر اللب, وتسر الخاطر, وتلهب المشاعر وتسجن النفس داخلها ففي ذلك أبدع الشاعر صفي الدين الحلي فقال:
كفي القتال.. وفكي قيد أسراكِ
يكفيك ما فعلتْ بالناس عيناكِ
كلت لحاظك مما قد فتكت بنا
فمن ترى في دمِ العشاق أفتاكِ
كملتْ أوصاف حسنٍ غير ناقصةٍ
لو أن حسنكِ مقرون بحسناكِ |
* أما هارون الرشيد فقال:
وتنال منك بحد مقلتها
ما لا ينال بحده النصل
وإذا نظرت إلى محاسنها
فبكل موضع نظرة قتل
ولوجهها من وجهها قمر
ولعينها من عينها كحل |
* أما الشاعر جرير فأبدع حين قال:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلتنا ثم لم يحين قتلانا
يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا |
* وعن وباء نظر العين للعين قال إبراهيم بن المهدي:
ونهيت نومي عن جفوني فانتهى
وأمرت ليلي أن يطول فطالا
نظر العيون إلى العيون هو الذي
جعل العيون على العيون وبالا |
* وعن إشارات العين قال الشاعر ابن كلدة:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها
إشارة محزونِ ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً
وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم |
* أما الشاعر إبراهيم ناجي فيقول:
لا تدمني نظراً إلي... فو الذي
جعل الهوى قدراً على كفيكِ
ما تلتقي عيني بعينك لحظةً
إلاَّ رأيت صباي في عينيك |
* أما بدر شاكر السياب فيقول:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورقان الكروم
وترقص الأضواء كالاقمار في نهر
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم |
* أما نزار قباني فقال:
ذات العينين السوداوين المقمرتين
ذات العينين الصاحيتين الممطرتين
لا أطلب أبداً من ربي
إلا شيئين
أن يحفظ هاتين العينين
ويزد بأيامي يومين
كي اكتب شعراً
في هاتين اللؤلؤلتين |
* أما شاعرنا الجليل (أبوسلمى) عبدالكريم الكرمي أتحفنا بقوله:
أطلِّ الفجر من عينيك
ما اروعها طلّة
ارى فيها جبال (اللد)
و(الكرمل) و(الرملة)
وبوج الشاطىء الغربي
في (عكا) أرى ظله
أرى في أفقها وطني
فأطبعه على قبله
لقد حملت لي العينان
ما لم أستطع حمله |
* ولبدوي الجبل قصائد في العيون يقول فيها:
عيناك بحرٌ حين أغفى.. اغنت
فلملمت أحلامه الضفتان
تغفو بعينيك طيوف المنى
عيناك للاشواق ارجوحتان
قد باح جفناك بسر الدجى
دفناك بسحر الدجى مترعان
تضمك عيناك وإن جدتا
لا سحر في عينين لا تضحكان
تنطق عيناك ولم تنطقي
وقد تطيلان وقد توجزان
ولم تضيقا بمعاني الهوى
ألا تلومان؟ ألا تتعبان |
* أما أدونيس فقال:
حينما أغرق في عينيك عيني
ألمح الفجر العميقا
وأرى الأمس العتيقا
وأرى ما لست أدري
وأحس الكون يجري
بين عينيك وبيني |
* وكم أتحفنا شاعرنا العظيم عبدالله الفيصل حين قال:
من أجل عينيك عشقت الهوى
بعد زمانٍ كنت فيه الخلي
وأصبحت عينايَّ بعد الكرى
تقول للتسهيد: لا ترحلي
وكنتُ لا ألوي على فتنةٍ
يحملها غض الصبا المقبل
حتى إذا طارحتني الهوى
حالمةً من طرفكِ الأكحل
أحسست وقد النار في أضلعي
كأنها قامت على مرجلِ |
* أما الشاعر الهادي عبدالملك فأنشد يقول:
بعد عينيك أنا ماذا ومَنْ؟
بعد عينيك أنا أحيا لمن
يا حبيبي بعد عينيك لأفنى
وليمزق بعد عينيك الزمن
فيهما خبأت أحلى ذكرياتي
منذ أحلام الهوى كانت رذاذا
فيهما سحر ودفء وظلال
وأنا أهواهما العمر لهذا |
* ويبدعنا الكاتب والشاعر عبدالله بن خميس حين يقول:
سوف أعطي نحل العيون قيادي
ما تجلى الجمال في شهرزاد
ألهمتني ياطيب ما الهمتني
الهمتني بحسنها انشادي
لم اعد أطلق القريض بليلي
أو بليني أو كوكبٍ أو سعاد
هذه.. هذه فإني بوادٍ
حمت فيه والعاذلون بوادي
لو أردت لكنت منها أثيراً
في ودادي وأيقظت اسعادي |
وبعد هذه هي العيون, فقد فعلت فعلها في المحبين والعشاق وقد باتوا على جمر من الجوى والفراق والدموع والآهات .هذه هي العيون... التي مازلنا نقول فيها الشعر والنثر.هذه هي العيون التي مازلنا نبحث عنها خلف قضبان الحياة.هذه هي العيون التي أصبحت كجدائل الأحلام تزحف خلف موج الليل بحاراً تصارعه الجبال, كم أبكت العشاق وحيرت الشعراء, هذه هي العيون.. بحر النور.. جدائل الأحلام, غمام باكٍ أزهار ندية, توبة عابد, وأرض لاتخون.... هذه هي العيون..
لحظة دفء: قال الواواء الدمشقي:
وأمطرت لؤلؤاً من نرجسٍ وسقت ورداً
وعضت على العناب بالبرد
حقاً: إن العيون التي في طرفها حور
قتلتنا ثم لَمْ يحُيْن قتلانا |
* عن كتاب عيناك لعبدالملك الوادعي
للتواصل 012317743 ص.ب 40799 الرياض 11511 |