Sunday 11th April,200411518العددالأحد 21 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

منظمة التعاون الاقتصادي تحسن التوقعات الاقتصادية منظمة التعاون الاقتصادي تحسن التوقعات الاقتصادية

* بكين - عزة الحديدي - أ ش أ:
أشار التقرير السنوي لهيئة الطاقة العالمية إلى أن الصين ستتجاوز اليابان مع نهاية العام الحالي لتصبح ثاني أكبر مستهلك للبترول الخام على مستوى العالم - بعد الولايات المتحدة الأمريكية - بحجم استهلاك يقدر بنحو 270 مليون طن وهو ما يزيد عن عشرة بالمائة من إجمالي حجم الاستهلاك العالمي فيما يعني تحول الصين إلى ما أسماه التقرير المشترية الاستراتيجية الأولى للطاقة الدولية في قارة آسيا.
وحسب التقرير ذاته فقد أصبحت الصين بالفعل ثاني أكبر مستورد للبترول الخام - بعد اليابان - بحجم استيراد بلغ في نهاية العام الماضي 97.39 مليون طن بزيادة نسبتها 30 بالمائة قياسا بالعام الأسبق.
ومع تنامي الطلب في السوق الصيني على النفط الخام لمواجهة احتياجات المسيرة التنموية متسارعة الخطى.. تعود معضلة أمن الطاقة الصينية لتحتل بؤرة الاهتمام العالمي وتظهر معها الأهمية القصوى والملحة لضمان الممرات البحرية كأفضل وسيلة لتأمين حصول الصين على احتياجاتها من طاقة ما وراء البحار دون مشاكل أو معوقات.
في هذا السياق نشرت مؤخراً مجلة (وورلد أفيرز) الصينية المعنية بالشئون الدولية تقريرا بعنوان - مضيق ملقا وأمن البترول العالمي - أشارت فيه إلى أن 46.2 بالمائة من حجم واردات الصين النفطية يأتيها من الشرق الأوسط و19.8 بالمائة يأتيها من أفريقيا و17.8 بالمائة من جنوب شرق آسيا والباقي من أمريكا اللاتينية.
ورسمت المجلة خريطة للممرات البحرية الرئيسية التي يصل عبرها البترول إلى الصين هي:
- خط الشرق الأوسط - الخليج العربي - مضيق هرمز- مضيق ملقا- مضيق تايوان- الصين.
- خط أفريقيا-شمال أفريقيا- البحر الأبيض المتوسط -مضيق جبل طارق- رأس الرجاء الصالح -مضيق ملقا- مضيق تايوان- الصين.
- خط جنوب شرق آسيا - مضيق ملقا- مضيق تايوان- الصين- وباستثناء الممر الفرعي الذي يصل عبره البترول إلى الصين من فنزويلا ودول أمريكا اللاتينية.. فإن البترول الذي تستورده الصين من جميع الجهات الأخرى لابد وأن يعبر مضيق ملقا ولعل إفراط الصين في اعتمادها كليا على هذا المضيق جعل أمنها النفطي في مأزق على الدوام خشية تعرض ذلك المضيق للإغلاق نتيجة أية حالات طوارئ أو حوادث عارضة وهو أمر لا يمكن استبعاده على طول الخط.
يقع مضيق ملقا بين ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة ويمثل الجسر الرئيسي الذي يربط المحيطين الهادئ والهندي ويمتد طوله لأكثر من 1080 كم ويبلغ عرضه عند الشمال الغربي 370 كم وعند الجنوب الشرقي 37 كم فقط ويتراوح عمقه بين 25 مترا و113 مترا.
ويقع مضيق ملقا في حزام مناخي هادئ يجعله صالحا للملاحة والإبحار على مدار العام فالأجواء صافية خالية من الرياح والعواصف وهذه الميزة تجعله يتفوق على جميع الممرات البحرية العشرة الأخرى التي تربط بين المحيطين الهادئ والهندي بحيث لا يمكن لأي منها أن تحل محله نظرا لصعوبة تضاريسها وكثافة ضبابها وكثرة جبالها الجليدية وشدة العواصف وارتفاع الأمواج وهي عناصر تأخذها الدول بعين الاعتبار حتى لا تعرض شاحنات البضائع وناقلات البترول المملوكة لها إلى مخاطر جمة فضلا عن التكاليف المادية الباهظة.
ونظرا لهذه المميزات الفريدة لمضيق ملقا فضلا عن مكانته الاستراتيجية الهامة وقيمته الاقتصادية المهمة فقد ظل عرضة على الدوام للاحتلال الأجنبي منذ القرن السادس عشر، حيث استولت عليه البرتغال ثم هولندا فبريطانيا على التوالي حتى عاد بعد الحرب العالمية الثانية إلى سيادة الدول الثلاث التي تطل عليه (ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة) ويستقبل سنويا أكثر من خمسين ألف باخرة بمعدل 137 باخرة في اليوم الواحد.
وأكدت مجلة (وورلد أفيرز) بعد استعراضها لهذه المميزات الكثيرة لمضيق ملقا أن التنافس المستعر بين كبريات الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة واليابان والهند على هذا الممر الاستراتيجي لم يأت من فراغ الأمر الذي يتعين على الصين استيعابه وتجاوزه بحثا عن البديل.
وبالنسبة للولايات المتحدة تقول المجلة بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة بات من المتعذر على أمريكا تحقيق السيطرة الكاملة على البحار والمحيطات ولذلك كرست جل جهودها منذ ثمانينيات القرن الماضي في السيطرة على الممرات البحرية الستة عشر الرئيسية على مستوى العالم وفي مقدمتها مضيق ملقا الذي يصفه الخبراء بأنه حنجرة آسيا التي تستطيع الولايات المتحدة -حال تشديد قبضتها عليه- من خنقها متى شاءت.
وتأتي قوة السيطرة الأمريكية على هذا المضيق أساسا من جزيرة كوانغ دو التي تقع في قلب المحيط الهادئ عند ملتقى خط الولايات المتحدة -المحيط الهندي7 وخط اليابان-استراليا.. حيث يمكن رسو الأساطيل الضخمة في هذه الجزيرة واقلاع وهبوط القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى من طراز-بي-2 وبي-52 الأمر الذي دفع واشنطن إلى إقامة قاعدتها العسكرية الشهيرة (جوام) في الجزيرة عام 1992 ونقلت إليها مقر قيادة الخدمات الخلفية للأسطول السابع البحري مما أسهم إلى حد كبير في تعزيز السيطرة الأمريكية على الخطوط البحرية المهمة في جنوب شرق آسيا.
وأما اليابان التي تختلف متطلباتها الاستراتيجية نسبيا عن الولايات المتحدة حيث تتصدر دول العالم استيرادا للنفط لتلبية 80 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة فضلا عن أكثر من 50 بالمائة من حجم صادراتها إلى منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا تمر عبر مضيق ملقا.. الأمر الذي تزايد معه الاهتمام الياباني بهذا المضيق لحماية مصالح طوكيو الاستراتيجية العليا حتى اعتبره خبراء الاقتصاد اليابانيون مفتاح التخلص من الاعتماد على الولايات المتحدة.
تحركت اليابان نحو مضيق ملقا بخطوات واسعة ومستترة - في أن معا- بزعم مواجهة المتغيرات الإقليمية المحيطة. وفي مايو عام 2000 توصلت إلى اتفاقية مع سنغافورة لاستخدام إحدى قواعدها الجوية القريبة من المضيق ولم تكف عن مطالبة دول جنوب شرق آسيا بإجراء مناورات عسكرية مشتركة ضد القرصنة البحرية وتبادل المعلومات الاستخبارية وتحت مسمى- مكافحة القرصنة البحرية- طورت اليابان قدراتها على الاستكشاف والاستطلاع والمراقبة والهجوم بعيد المدى حتى أصبح التضخم العسكري الياباني جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها البحرية في منطقة جنوب شرق آسيا.
وفيما يتعلق بالهند فمضيق ملقا يمثل بوابتها الرئيسية إلى المحيط الهادئ ولذلك وضع خبراء الشئون الدفاعية الهنود استراتيجيتهم العسكرية في سبعينيات القرن الماضي تحت عنوان رئيسي (حماية البر والسيطرة على البحر) وهي الاستراتيجية التي اعتبرت مضيق ملقا أكثر الممرات الاستراتيجية العالمية سهولة في بسط السيطرة الهندية عليه وصولا للسيطرة على المحيط الهندي بأسره.
وفي إطار تلك الاستراتيجية مارست القوات الهندية سلسلة من الفعاليات العسكرية المثيرة للاستفزاز وشكلت ما أسمته بقيادة القوات البحرية الشرقية واشترت من روسيا حاملة طائرات تجوب ليل نهار المنطقة الممتدة من بحر العرب حتى بحر الصين الجنوبي وهو ما يعني مرور ناقلات البترول الصينية بالمياه التي تتمركز فيها القوات البحرية الهندية بناء على أوامرها وتحت سيطرتها ومراقبتها وتوجيهاتها.
وتساءلت مجلة (وورلد أفيرز) عن كيف تواجه الصين تلك المعطيات وصولا إلى تأمين امداداتها من طاقة ما وراء البحار بعيدا عن سيطرة أطراف خارجية سواء في أوقات الحرب أو السلام وفي معرض الإجابة حددت المجلة استراتيجية بعيدة المدى تتكون من أربعة محاور رئيسية والشروع فورا في بناء الممرات الأربعة الكبرى وهي الخط البحري الدولي لنهر الميكونج الأعظم الخط البري الواصل بين بانكوك عاصمة تايلاند وكونمينغ عاصمة مقاطعة يونان جنوب الصينط وسكة الحديد الآسيوية والطريق السريع الواصل بين نانينغ عاصمة منطقة قوانغشي جنوب الصين وهانوي عاصمة فيتنام.
وثانيا الشروع فورا في تنفيذ مشروع قناة كلاك البالغ طولها 102 كم وعرضها 400 متر وعمقها 25 مترا وهو المشروع الذي تبلغ تكاليفه الاجمالية عشرين مليار دولار أمريكي وحال الانتهاء منه سيكون بمقدور السفن الدخول من بحر أندمان في المحيط الهندي مباشرة إلى الخليج التايلاندي الواقع في المحيط الهادئ دون حاجة للمرور بمضيق ملقا.
وثالثا التعجيل ببناء الصين لأسطول بحري ضخم لنقل البترول والأسطول الضخم يعني ذلك الأسطول الذي يضم ناقلات بترول عملاقه تتراوح طاقتها الحمولية بين 270 إلى 300 ألف طن ذلك أن عدم امتلاك الصين لمثل هذا الأسطول حتى اليوم كبدها تكاليف باهظة لشحن البترول إليها، علاوة على اضطرارها في كثير من الأحيان إلى استئجار ناقلات ضخمة الأمر الذي أبقاها على الدوام عرضة لسيطرة الغير. ورابعا تشكيل قوة صينية بحرية كبرى قادرة على تأمين انسياب خطوط الملاحة الدولية وكذلك تأمين سلامة ناقلاتها وسفنها.
وفي ختام التقرير أكدت مجلة (وورلد أفيرز) أنه بغير الشروع فورا في تنفيذ تلك الاستراتيجية بمحاورها الأربعة ستظل الصين عاجزة عن حل معضلة الطاقة التي تزداد استفحالا مع الأيام بسبب احتياجاتها النفطية المتنامية من جهة وبسبب المتغيرات والتحديات الإقليمية والدولية, من جهة أخرى شددة على أن تلك الاستراتيجية هي وحدها الكفيلة بضمان دوران عجلة المؤسسات العسكرية والمدنية دون تعرضها لشبح التوقف.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved