Wednesday 14th April,200411521العددالاربعاء 24 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لكِ اللهُ يا(أماه) لكِ اللهُ يا(أماه)
د. زاهر الألمعي

مرثية الدكتور زاهر الألمعي/ في والدته التي توفيت يوم الأحد 14-2- 1425هـ
الرحيلُ نوعان: رحيل يُرجى عودة صاحبه في الدنيا كالمسافر والمحتجب عن الانظار لسبب أو لآخر.. ورحيل ينقطع معه الأمل والرجاء في عودة صاحبه الى أهله وذويه في الدنيا.. وتلك سنة الله في خلقه، ولولا ماوعد الله به عباده المؤمنين من دخول الجنة، واجتماع الأهل والأقارب والأصحاب في روضات النعيم لكان ذلك الرحيل أعظم كارثة تحل بالإنسان.. وان فراق الاحباب له وحشة وحرقة تسريا بين الأحشاء والضلوع، ولايطفىء نارهما إلا الإيمان والرضا بقضاء الله وقدره.
لقد ودعتُ والدتي البالغة من العمر زهاء تسعين عاماً حيث انتقلتْ الى جوار ربها في يوم الأحد 14- 2-1425ه بعد مرض أقعدها فترة طويلة مما يرجى لها معه تكفير الذنوب ورفع الدرجات إن شاء الله ، والموت حق، وكل منا في انتظار أجله المحتوم.
ومع لوعة الأسى ووحشة الفراق فإنني خسرتُ كنزاً ثميناً لا أعْدل به كنوز الدنيا مجتمعةً الا وهو (الدّعاء) الذي كنت أحظى به في كل زيارة أو مقابلة لوالدتي رحمها الله .. كنت أشعرُ بسعادة غامرة عندما ماتصعّد طرفها الى السماء وتدعو (لي) وأحسُّ بأنه قد نالني ببركة دعائها الشيء الكثير.. فلما (توفّيتْ) لم يعد (لي) من دعائها نصيب وأحسستُ بأنه قد أغْلق عني باب عظيم من ابواب برّها ودعائها، فالامر لله من قبلُ ومن بعْد..
كانت رحمها الله على فطْرةٍ سويّة، وحياة متواضعة فيها الصفا وحسن الجوار وهذه ابيات لاترقى الى الوفاء بحقوقها وانما هي على درب الوفاء.


ألا إنّ جفْن الموت ليس بنائم
ولا السّعْد يوما في البرايا بدائم
ولستُ على البلْوى بمقصٍ ركائبي
عن الله، بل أسْعى بها في العوالم
لأنّني - والإيمان ملْء جوانحي -
صبور على أقسى الخطوات القوادم
ولكن صبري في (الفقيدين) مثْقل
بأنات قلبٍ غارقٍ في المآتم
دفنت بصدري (والدي) ولم أزل
رهينا لحب مفعم متقادم
ويممتُ وجهي للعُلا في تجلدٍ
لما حلَّ من أدْهى الخوب القواصم
أرى في المعالي (والديَّ) كأنما
يطلان من برْجٍ على الأفق واجم
ولكنني أصبحتُ كالصّقْر جانح
على سفح تلك الشّامخات البواسم
زمان قضى الرحمنُ فيه وليس لي
بما قدّر الرحمنُ قلْبُ بنادم
وودعت فيه (والديَّ) فلم أكن
هنياً بعيش بعد ذلك ناعم
ومامات من لو عمّر الدهر لم يزل
وفيّاً حفيّاً بالندى كالغمائم
سقى الله قبراً ضم في جنباته
لأم (الندى) في الممحلات العظائم
ومن رحمات الله تهمي سحائباً
فتمرعُ بالرضوان فوق المعالم
لكِ اللهُ (يا أمَّاه) كم كنتِ موئلاً
يطوف اليتامى حوله كالبراعم
وكنتِ لهم عند المآسي طبيبة
تداوي جراحات الأسى كالمراهم
رحلت عن الدّنيا ودرْبُك ممْرعٌ
بما ازْدان من طيب الغنى والغنائم
تذكرتُ (أمي) في الرزايا تحوطنا
بقلب رضيّ في المكاره باسم
خفضت لها قَدَّي جناحيَّ ذلةً
أذلُّ لها برّا على رغم راغم
وأسْقيتُ دمعي قبْرها متذكّراً
مدى عُمُري في ظل تلك المكارم
تذكرتها والبشْرُ في نظراتها
وألطافها في مشربي ومطاعمي
تمدُّ يديْها الفارعات كأنّما
تمدُّ لنا ظلَّ العُلا والعزائم
عليها سلام الله ماذرّ شارق
وماهَدَلَ القمريُّ بين الحمائم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved