Tuesday 27th April,200411534العددالثلاثاء 8 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأزمنة الأزمنة
الشيخ المنافقي
عبد الله بن إدريس

على كثرة ما قالت هذه الفئة الضالة عن نفسها.. وما قيل عنها.. فإن الواقع يحتاج إلى استجلاء صورتها الحقيقية من (الداخل).. حتى يكون لمن يهتم بكتابة التاريخ والنوازل الحادثة على العرب والمسلمين في هذا الزمان.. ما يؤصّل كتابته ويعمّقها ويجليها تجلية لا لبس فيها أمام الأجيال القادمة.. لتأخذ منها العبرة والعظة. ولأن هذه الأحداث أصبحت جزءاً من تاريخ الوطن، وهو تاريخ يحفل (بنقط سوداء) من أيامه.. وإن كانت نادرة وعارضة.. كما هو يحفل بتاريخه (الأبيض) الذي هو سمة حياته العامة خلال تاريخه الطويل.
* هذه (النقط السوداء) في أيام قليلة من حياتنا بدأت تطل برأسها في مستهل العام الأخير من القرن الرابع عشر الهجري على يد (جهيمان) وعصابته.. في الحرم الشريف.. وما قام به (جهيمان) هو استرجاع لما كان عليه (الإخوان) في (تربة) و(الغطغط) و(الأرطاوية). وغيرها من نزعة تدينية متشددة. بل متشنجة.. وعلى جهل عريض بالدين وعلاقته بأمور الدنيا.. حتى أن كثيراً من المتنفذين فيهم وقفوا ضد وسائل التطور البدائية المعاصرة التي أراد الملك عبد العزيز - رحمه الله - إدخالها إلى بلاده كالبرقية، والراديو، والهاتف.. والسيارة.. ووقف بعض المشايخ محايدين تجاهها، لولا حكمة عدد آخر من العلماء المتفتحين.. وكان غلاة (الإخوان) يستهترون (بالعلماء) الذين يزورون الملك عبد العزيز للسلام عليه.. ويعتبرونهم (منافقين).. كحال الطائفة الوريثة الحاضرة الآن.. والتي لا تثق في علمائنا الأعلام بدعوى موالاتهم للحكام.. وكأن موالاة القادة والحكام جريمة لا تغتفر..
وأذكر؛ بهذه المناسبة، حادثة لها صلة بهذا المجال.. وقعت بين الوالد - رحمه الله - وشخصية معروفة من إحدى القبائل.. نزل ضيفاً على الوالد فقام بإكرامه كما يجب.. القهوة والقدوع، أولاً. ثم البخور، وبعد صلاة العصر وليمة الغداء.
وعندما كادت أيدي المدعوين على شرف الضيف تمتد إلى الطعام وقف الضيف قائلاً: (يا أبا زامل) والله ما أمد يدي على غداك إلا إن تعهدت تقضي حاجتي..؟ قال الوالد: تعوذ من الشيطان وتَغَدّ، ولا يكون إلا خير.
بعد الغداء سأله الوالد عن حاجته؟ قال: وُدّي أنك تروح لها الشيخ (المنافقي) - يقصد فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري، قاضي منطقة سدير حينذاك - رحمه الله - وتسأله عن كذا وكذا - وتعلمني الليلة أو الصبيحية.. ويش يقول.
قال له الوالد: وليش أنت ما تروح له في المجمعة وتسأله من لسانك إلى لسانه؟ قال: (لا، لا.. تباني أروح أحاكي شيخ منافقي. هو الِّي حلل لعبد العزيز جيبة الكيفران للبلاد.. ومعهم أسحارهم يقصد (صناعاتهم)..؟
وكان الشيخ العنقري هو الذي رفع صوته في مجلس الملك عبد العزيز بالموافقة على إدخال بعض المخترعات الحديثة إلى الديار السعودية بينما كان بعض العلماء وقفوا من هذه المسألة على الحياد.
ذهب الوالد إلى الشيخ العنقري في صبيحة الغد.. وسأله عما استفتاه فيه ضيفه ورجع إلى الضيف بإجابات الشيخ.. والله أعلم هل اقتنع بها في قرارة نفسه أم لا..؟ وللحكاية بقية لا مجال لذكرها هنا.
***
والشاهد من هذه الحكاية أن ما يقوله أو يعيبه غلاة أيامنا هذه على العلماء والحكام.. كان موجوداً عند غلاة القرن الماضي.. حتى مع اختلاف ظروف الحياة بين ماض وحاضر.
وليس معنى هذا أن التاريخ يعيد نفسه - كما يقول البعض - وإنما أحداث الزمان تتشابه في مظهرها مع الاختلاف في جوهرها.. كما أنها تتفاوت بين الحدة واللين بين فئة وأخرى، وجيل وجيل.
***
أما هؤلاء الإرهابيون الذين بشمتْ البلاد والعباد من جهلهم وجورهم وظلمهم حيث عاثوا في البلاد قتلاً وتدميراً؛ وإزهاقاً لأمن الوطن واستقراره.. وحملوا السلاح على دولتهم ومجتمعهم؛ معتقدين بكفر الدولة والمجتمع؛ فهؤلاء تجاوزوا كل حدّ من التسامح معهم ومع من يؤيدهم. فلابد من استمرار الحسم القائم معهم حتى يثوبوا إلى رشدهم.. أو يواجهوا مصيرهم.. مشيعين بالبغض العارم من المسلمين في الداخل والخارج.. والدعاء عليهم.. جزاء ما فعلوا وأجرموا في حق دينهم الذي أعطوا عنه صورة بعيدة كل البعد عن حقيقته الطاهرة، السامية، المتسامحة، وفي حق وطنهم الذي بذروا فيه هذه البذرة الخبيثة التي يجب أن تجتث سريعاً قبل أن تمكث في الأرض.
وويل لهم من عقاب الله العاجل، أو الآجل.. يوم يقفون بين يدي الله جل جلاله فيحاسبهم على هذه الدماء البريئة التي أسالوها بغير حق ولا برهان. وما سببوا لدينهم من شتائم وسباب أعدائه له والتنفير منه، وإيقاف مده ولو إلى حين..!! {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved