Wednesday 28th April,200411535العددالاربعاء 9 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

على رسلك يا غازي على رسلك يا غازي
طراد بن سعيد العمري*

يبدو أن أستاذنا الدكتور غازي القصيبي عاد إلى المواجهة مع تسلمه منصبه الجديد كوزير للعمل ، بعد أن التزم شيئاً من الهدوء الحذر خلال عمله في وزارة المياه والكهرباء. ولا نعرف ما إذا كان السبب وراء ذلك؛ برودة المياه، حرارة العمل، أو طبيعة الرجل. فقد نشرت الصحف المحلية في عددها الصادر يوم الاثنين 29-صفر أجندة القصيبي المتضمنة 13 بندا تتلخص في ثلاثة محاور : العمالة الوافدة ؛ (السعودة) ؛ والتدريب .. وبذلك يتضح المفهوم الذي يرتكز عليه، والنهج الذي سيسلكه والبرنامج الذي سيتخذه معالي الوزير على الأقل في السنوات الأولى من عمله في العمل. يقول المثل الغربي (إذا كنت لا تعرف إلى أين أنت ذاهب فأي طريق سيوصلك إلى هناك)، ولا نشك مطلقا في أن غازي القصيبي يعرف ما يريد وإلى أين هو ذاهب. وبالرغم من اتفاقنا مع معاليه في كثير مما أشار إليه إلا أننا نختلف معه في بعض الأمور إما رغبة في التطوير، أو رغبة في مشاكسة الوزير.
أولا: البطالة تحد من التحديات التي تواجه جميع الدول بدون استثناء وهي سمة من سمات هذا العصر الذي نعيش فيه ونرى أن المستقبل ينبئ وينذر بما هو أشد وأفظع. والأسباب، في نظرنا، كثيرة ومتشعبة تختلف أولوياتها من شخص إلى آخر ومن بلد إلى بلد. ولكن من أبرز اسباب تزايد وتنامي البطالة واستمرارها أيضا خصائص منها: تزايد النمو السكاني من ناحية. وتناقص الوظائف نتيجة التقدم العلمي والتقني، من ناحية أخرى. ويمكن إضافة، ما تورثه العولمة وتحرير التجارة من سهولة في تنقل رأس المال النقدي والعيني من جانب، وصعوبة تنقل رأس المال البشري، من جانب آخر. التزايد والتناقص والسهولة والصعوبة متضادات خلقت خللا في كثير من الأمور ومن أهمها سوق العمل مما يؤكد استمرارية البطالة وتزايد العاطلين عن العمل.
وبالتالي فإن القضاء على البطالة أمر لا يمكن ان يتحقق بمثل طرح الدكتور القصيبي. ولا نظن أن الدكتور غازي القصيبي بما عُرف عنه من حكمة وحنكة فكر يفكر في القضاء على هذه الظاهرة ذات الألف وجه. والبطالة في دول الخليج هي ذات البطالة المنتشرة في جميع أصقاع الأرض ولا تختلف إلا بالمسببات. أما البطالة في المملكة، فهي تحد من جملة تحديات مثل: نقص المياه، زيادة عدد السكان، المرأة، تحديث التعليم، تحديث وتوسيع البنية التحتية، المشاكل البيئية، العمالة الأجنبية، التفاعل مع الآخر، وقبل هذا وذاك، التطرف. ولذا، فإن التهديد (بقرارات حازمة وأليمة) لم ولا ولن تحل المشكل بل على العكس من ذلك ستوسع الهوة بين أطراف المشكل وتعمق الشعور بالإحباط. (راجع مقال الكاتب، السعودة: التحدي التنموي، الجزيرة، 20- فبراير - 2003م).
ثانيا: ذكرت الصحف أن وزيرنا وحكيمنا القصيبي يرى أنه من المستحيل إنهاء البطالة في ظل استقدام مئات الآلاف من العمال الوافدين سنويا، وفي هذا الأمر لنا وقفة تأمل وتساؤل مع معاليه. هل هناك من دولة في العالم بنت نهضة حقيقية وحققت تنمية مشهودة بدون الاعتماد على العمالة الأجنبية الوافدة؟ أظن أن الجواب معروف لدى البسطاء من العامة، وأكبر مثالين على ذلك: ألمانيا والولايات المتحدة. هل لوزيرنا وسفيرنا السابق في بريطانيا أن يعطينا فكرة عن حجم العمالة الوافدة في بريطانيا والصعوبة البالغة في التخلص منهم والمبالغ الباهظة التي تصرفها الحكومة البريطانية رغما عنها على تلك العمالة؟ هل لوزيرنا ومفكرنا، أو أي شخص آخر، أن يتخيل ولو للحظة شكل المجتمع السعودي بدون الأجانب الذين وفدوا إلى هذه البلاد عبر العقود العشرة الماضية؟ نحن نريد من وزيرنا الجديد القديم، وهو من أعمدة الفكر في بلادنا، وغيره من أصحاب الفكر أن يقدحوا زناد فكرهم لكي يقدموا لنا حلولا نتدارسها سويا ونتحاور فيها جميعا من أجل الوصول إلى حلول تقل فيها السلبيات مع ما توجبه علينا المواطنة من ضرورة للبحث عن وسائل وأساليب لتوظيف الشباب السعودي بشكل إيجابي وليس العكس.
إضافة إلى ذلك، يريد معالي الوزير أن يكثر من التفتيش ويحكم المراقبة وكأنهما كانا معدومين في السابق. ولا نظن، أنه يخفى على فطنة معاليه بأن ذلك سيفتح آفاقا رحبة وجيدة لكثير من التصرفات غير الإيجابية التي تستمد قوتها وجبروتها وغير ذلك، من أنظمة وقوانين وتعليمات غير واضحة وتختلف تفسيراتها من موظف إلى آخر. ولا نظن أننا أمام وزير أمني سيقتحم شوارعنا ومكاتبنا ومنازلنا، أيضا، بحثا عن عمالة غير قانونية مع اتفاقي معه على أن العمالة الزائدة أو تلك التي لا تحمل مؤهلات ومقومات إفادتنا يجب عدم استقدامها والاستغناء عما هو موجود منها.
ثالثا: أما (السعودة) بالبرغم من اعتقادنا بأنها مفهوم يشمل أكثر وأكبر من التوظيف أو البطالة أو العمالة، إلا أننا سنقبله كمصطلح يعني إحلال السعوديين في وظائف يشغلها غير سعوديين. ونود أن نذكر ونذكر (بتشديد الكاف) بأن الإحلال ليس إلا واحدا من عدة حلول لتوظيف الشباب السعودي، ومن ناحية أخرى، يرفض معالي الوزير أن يصدق أن رأس المال السعودي سيهرب من الوطن هربا من تبعات (السعودة). ونقول لمعالي الوزير: بل صدق يا معالي الوزير أن رأس المال السعودي سيهرب ليس من السعودة فقط، بل من جملة أمور ستشكل في حال تراكمها قوة طاردة لرأس المال في ظل وجود بيئة عالمية وإقليمية تنتج قوة جاذبة لرؤوس الأموال. وإذا كان مصطلح البطالة المقنعة قد تردد على مسامعنا فترة من الزمن عند الحديث عن نسب البطالة المتفاوتة. نقول، إن لدينا سعودة (مبرقعة) وتعني تلك الأرقام الوهمية التي تفاخر بها كثير من معظم شركات القطاع الخاص وبعض إدارات القطاع العام.
وأخيرا: ذكر وزيرنا القصيبي في احد لقاءاته في (الزمانات) ملخص رأيه عن التدريب من خلال تجارب عاشها إبان عمله في سكة الحديد أن (الإدارة والتدريب هما الداء والدواء والعلة والمخرج... ) ونعتقد أن هنا مربط خيلنا وخيل وزيرنا خصوصا إذا علمنا أن القصيبي كان أول وأجرأ من قال: (إن النظام التعليمي لدينا لا ينتج إلا البطالة) وها هو الآن يقف وجهاً لوجه أمام مخرجات التعليم بشقيه العام والعالي حتى أصبحت تلك المخرجات وغيرها من معوقات العمل ومقومات البطالة. فهو يعي تماما أنه لكي تؤتي جهود تطوير التعليم الجارية ثمارها يحتاج المجتمع إلى وقت ليس قصيرا مما قد لا تسمح به الأيام. لذا، لم يعد أمام الوزير من حل سوى التركيز على التدريب ثم التدريب ثم التدريب.

* باحث سعودي
فاكس: 6603525 (02)


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved