Sunday 2nd May,200411539العددالأحد 13 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الدين والأمن والتعليم ثوابت لا حوار فيها الدين والأمن والتعليم ثوابت لا حوار فيها
عبد الله بن مرعي بن محفوظ (*)

تناول قضية الاصلاح في المملكة العربية السعودية والحوار فيها ليس حديثاً (محرجاً) نلتمس فيه الاعذار لبعضنا البعض حتى نطلق صوته وصداه، أو حتى حديثاً (مكهرباً) نتجاذبه همساً في المجالس ونخاف أن نحاور أنفسنا فيه.
حيث لا جدال على أن الدولة السعودية ومنذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، - طيب الله ثراه -، وقد سار أبناؤه الملوك من بعده على هذا النهج، كانت ولا زالت تؤمن بأن الاصلاح مبدأ أساسي في الحكم بل وتفرضه أحيانا كثيرة، ليس بهدف المناورة أو امتصاص الصدمات بل لأيمانها بأن البقاء والاستمرار أساسه الإصلاح والتحديث والتطور.
ولعله يمكن القول هنا بأن الدولة السعودية كانت منذ عهد الملك عبد العزيز تقدمية وأكثر جرأة في فتح مساحات التعبير، وإتاحة الفرصة للتعددية والتنوع الفكري والمذهبي، وإطلاق الحريات العامة والخاصة وتوسيع المشاركة المدنية مرحلة بعد مرحلة طبقا للتطور الفكري والإنساني في المجتمع، وسوف نجدها في كل مرحلة اصلاحية في تاريخ الدولة, بل يمكن أن نذهب إلى القول بأنها تصنّف نوعاً من الحكومات (الأكثر تقدمية) إلى حد كبير، فلديها الكثير من المشاريع والقرارات (الانفتاحية) إن صحّت التسمية، لكنها في الوقت نفسه ترغب أن يكون انفتاحها بتدرج و بمشاركة مع مواطنيها لا أن يكون الامر مجرد انفراد في القرار من أيٍّ من الطرفين.
حسناً.. إن كل ذلك يعني أن أي فكر أو فعل (إصلاحي) في الوقت الحاضر تسعى إليه الدولة ليس إجراءً تكتيكاً أو محاولة لاحتواء التحرك الداخلي المتصاعد لجهة الضغط من أجل الإصلاح، بل إن هناك إيماناً به أولاً وقبل كل شيء وتصميماً أكيداً لتنفيذه.
والمتتبع لتاريخ توحيد الجزيرة العربية يجد أن الملك عبد العزيز قد تعامل مع جميع ظروف تكوين الدولة بحنكة وبراعة سياسية قرأت الواقع والمستقبل، لكنه في نفس الوقت استخدم لغة السيف حينما كان الأمر يتعلق بعدد من الثوابت وفي مقدمتها الدين والأمن والتعليم وقد تطلب ذلك الأمر كفاحاً مريراً ضدها.
ولعل ذكرى معركة (روضة السبلة) كانت أكبر دليل على الرؤية الثاقبة للملك عبدالعزيز للتحديات التي كانت تحيط بأساس الدولة وهو الدين والأمن، فقد أدرك أن الخطر القادم في تلك الفترة سيقضي على آمال المستقبل والتطور الحضاري لجزيرة عاشت في ظلام الجهل والتخلف والانحراف عن العقيدة والشتات والعنف، فما كان منه إلا أن أتخذ لغة التحدي والحزم للحفاظ على الوحدة وحماية مكتسباتها. وحينما استقر الوضع للملك المؤسس، اتجه للإصلاح وتطوير كيان دولته ومؤسساتها فكان ما يمكن أن نطلق عليه: المرحلة الأولي في (الإصلاح) المؤسسي، فقد كان الوضع القائم شبه بدائي ومتردياً، فباستثناء منطقة الحجاز لم يكن هنالك سوى نمط واحد من الإدارة والمتمثل في أمير المنطقة أو حاكمها، ثم وجود أمير في كل مدينة أو ديوان صغير يختص باستلام المعاملات. أما في الحجاز فعندما دخلها الملك عبد العزيز العام 1924م كانت أنماط أدارية متداولة مثل: الصحة، والبلدية، والأوقاف، والقضاء. وقد أمر الملك عبد العزيز باستمرارها وأضاف إليها (المجلس الأعلى لإدارة شؤون مكة المكرمة) وفي العام 1925م أمر الملك عبد العزيز بإنشاء هيئة استشارية، كما أمر بانتخاب مجالس استشارية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف وينبع وقامت الهيئة المذكورة بوضع التعليمات الأساسية للحكم والإدارة. أما الأمور العسكرية والخارجية الخاصة بالدولة فقد احتفظ بها الملك عبد العزيز لنفسه فدواعي المرحلة كانت تتطلب ذلك.
المرحلة الثانية عندما سار أبناؤه الملوك الثلاثة (سعود، فيصل، خالد) رحمهم الله على نفس النهج الإصلاحي منتهجين نفس الأسس والثوابت، كل شيء قابل للنقاش والحوار بهدف الإصلاح والتطوير إلا الدين والأمن والتعليم، ونعلم في مرحلة الملك فيصل كيف حارب بقوة الدولة في تثبيت تعليم البنات والذي رفض من قبل جزء كبير من الامة في ذلك الوقت، واستمر التطور والتحديث في عدد من الأجهزة والهيئات التي كان من أبرز مهامها التطوير الإداري للدولة واستخدام الثروة في البناء والتشييد للمرافق العامة وجلب الخبرات الأجنبية في التطوير والتعليم.
فقد تشكل أول مجلس للوزراء في العام (1953م) برئاسة ولي العهد آنذاك الأمير سعود بن عبد العزيز، حيث تم الانتقال من نظام إداري متعدد إلى نظام إداري موحد تشرف عليه سلطة عليا متمثلة في مجلس الوزراء. وقد أوجد هذا التحول (وحدة تنظيمية) وهي التي تُعد شرطاً أساسياً في التعبير عن وحدة الدولة وأجهزتها ومسؤولياتها وسلطاتها، فالوحدة هنا كما يؤكد خبراء الإدارة، هي الشرط الأساسي والقاعدة الأولى للانطلاق نحو التكامل الوظيفي والبنائي لأي جهاز إداري في الدولة.
ومن الإدارات التي استحدثت في هذا الجانب لغرض التطوير الإداري على سبيل المثال لا الحصر: معهد الإدارة العامة في العام (1960م)، واللجنة العليا للإصلاح الإداري في العام (1963م)، والإدارة المركزية للتنظيم الإداري في العام (1964م). كما صدر في تلك الفترة عدد من الأنظمة منها على سبيل المثال لا الحصر: نظام الموظفين العام، ونظام المستخدمين، ونظام تأديب الموظفين، ونظام ديوان الموظفين العام.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لحق التطوير والتحديث بمجلس الوزراء (السلطة التنفيذية)، فكانت أن نشأت واستمرت حتى وقتنا الحاضر وتتمثل في:
1- ديوان مجلس الوزراء: وهو يمثل حلقة الوصل بين رئيس المجلس وأجهزة الدولة المختلفة.
2- الأمانة العامة لمجلس الوزراء: وهي جهاز سكرتارية لمجلس الوزراء.
3- شعبة الخبراء (هيئة الخبراء): وهي تختص بدراسة المعاملات المحالة إليها من رئيس مجلس الوزراء أو من نوابه أو من لجان المجلس، ومراجعة المشاريع.
وجاءت المرحلة الثالثة في الإصلاح والمتمثلة في صدور أنظمة الحكم الثلاثة في عهد خادم الحرمين الشرفين، ومن بينها نظام مجلس الوزراء، تبعها اصلاحات في الانظمة القضائية والإجرائية حيث صدر قانون المرافعات الشرعية ونظام الاجراءات الجزائية ونظام المحاماة وعدد من الانظمة في التعليم والإعلام والمجالات الخدمية، ليكون التغيير والتطور لجيل قابل للتفاعل مع التغييرات الدولية، وكل تلك الاصلاحات كانت تعكس الديناميكية والواقعية في التشريع والإدارة والتنظيم، وتجسد ملامح عهد جديد، كان التغيير والإصلاح سماتها الأساسية، بحيث هيأت البلاد أخيراً للتعامل مع المتغيرات برؤى جديدة تواكب متطلبات المرحلة.
حسناً لنقف قليلاً... ونقول إننا مع الإيمان فكراً وعملاً ب (الإصلاح)، بل هناك تصميم وإرادة لمبدأ المشاركة في أي تغيير، فلم يكن القرر انفرادياً أو بمعزل عن المواطن والأمة، بل كان الإصلاح ينبع من مجلس الشورى، وجاءت المشاركة الجديدة في أول تشكيل وزاري بعد إعلان أنظمة الحكم الثلاثة, فدخل جيل جديد من التكنوقراط إلى قمة صناعة القرار. ان الإصلاحات التي تريدها الامة هي السعي في التغير مع المعطيات الدولية والاحتفاظ بالثوابت، وإذا كانت الحركات الاصلاحية الدولية تنتقد واقعنا وتخلفنا وتطالب بتخليصنا من واقعنا، كي نلحق بركب العولمة والديمقراطية الغربية في ظل المشروع الأمريكي (الشرق الأوسطي الكبير) فلن تنجح هذه الحركة لتعارض الهدف عن تطلعات الامة.
والسؤال ألا نستحق الشعور بأن يكون لنا كيان يستطيع ان يفكر ويخطط ويطرح وجهة نظره بعيداً عن هذا المشروع؟ ان مأساة العراق وفصولها التي انتهت باحتلاله احد شواهد التدخل الإصلاحي الخارجي.. اننا نسأل: هل الاطار المطلوب في الاصلاحات اسلامي ام حضارات؟ هناك اختلاف كبير ينذر بأن هناك صراعاً ونحن نعيش صراع حضارات.
إننا نوكد ان الإصلاح لم يكن يوماً بعيداً عن الانسان السعودي، بل كان هو المستفيد النهائي، فأي فكر أو فعل إصلاحي لا بد وأن يصب أخيراً في (الانسان). ومن هنا رأينا كيف حدثت النهضة التعليمية وكيف تم التعامل معها، كقضية مصيرية وليس كقضية إصلاحية يتم التعامل معها بعجالة. حتى حينما تم التعامل مع قضية السعودة وتوطين الوظائف، كان التعامل معها وفق منطق إستراتيجي كامل وتعمل مع جميع المتغيرات الداخلية والخارجية.
ولعله يمكن الاستشهاد هنا بما أثير حول حقوق الانسان، فقد تم التعامل مع هذه القضية بأنها أمر محسوم فالدين الاسلامي كفل جميع الحقوق، وتم توطيد هذا الحق في جميع الانظمة من نظام الحكم الي الانظمة القضائية، ونعي جيدا أن هناك خلطاً بين (الحق) كمنهج واضح وثابت في الدين والدولة وبين ضعف (التطبيق) في البيروقراطية الحكومية. نحن مطالبون هنا بمراجعة أنفسنا.
إن تجربة (الإصلاح) في السعودية تستحق النظر والوقوف معها قليلاً، ليس بهدف المقارنة بينها وبين أي تجربة إصلاحية أخرى، بل باعتبارها نموذجاً خاصاً، الايمان بها (فكراً) والتعامل معه (نموذجاً) هو الأساس، وبقي لصانع القرار أسلوبه في التعامل مع باقي الظروف مع عدم الإخلال بالثوابت.
لقد بات واضحاً للجميع أن النهج والنموذج السعودي في الإصلاح ينطلق أساساً من بنيان قيام الدولة وثوابتها وتطور مؤسساتها المدنية، فكل شيء قابل للحوار بهدف التغيير, وليس حرجاً أن نستفيد من تجارب الآخرين لا أن يتم فرضها علينا بدواعي الجهل والخوف من التغيير.
ولعلنا نقف ونسأل أنفسنا قليلا هنا.. إلى متى تطاردنا نظرية التخلف واتهام أنفسنا بأننا معزولون عن العالم الخارجي وخياراته في الإصلاح؟ او حتى أولئك الذين يرون أننا نرفض الإصلاح، هل يرغبون أن نبدأ من نقطة الصفر أم من وسط الطريق؟ أم نترك المسألة للقادمين من خلف المحيطات؟
يجب إن نؤمن ان مواجهتنا لأي مشروع خارجي للإصلاح لن يتم باستدرار العواطف والمقالات النارية والخطابات الحماسية في المنابر وفي الصحف والإعلام، وإنما بالعمل الدءوب والصادق لبناء قدراتنا لمواجهة تحديات العصر من خلال المؤسسات الحكومية والاهلية.
نعم علينا الوقوف والاعتراف بأنه علينا معالجة بعض الاختلالات والقرارات الخاطئة ومحاسبة المسؤول وتوفير قنوات الحوار للجميع طالما أن الهدف واحد، فكل شيء قابل للتغير والتطور، ولا مجال هنا للمزايدين على حب الوطن. إن الوضع دقيق والتحديات التي تحيط بنا لا تتحمل الكثير من الاجتهادات، ولا تتحمل أيضاً الكثير من الجدل والآراء والأصوات، والتي قد تقودنا إلى انتكاس.

(*) مستشار قانوني


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved