Sunday 2nd May,200411539العددالأحد 13 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

« الجزيرة » تنشر أحداث القصة كاملة.. « الجزيرة » تنشر أحداث القصة كاملة..
طفل السابعة يرفض قناع الأكسجين.. ويكافح من أجل البقاء
والد الطفل: تمكنت من معانقة نواف بفضل الله ورحمته ثم ببسالة رجال الدفاع المدني الأبطال

  * نجران - حسن آل شرية:
لا تخلو الحياة من المشاكل والحوادث.. هكذا تعلمنا ولكن الأهم من ذلك هو كيفية مواجهة ومعالجة مثل هذه الأحداث العرضية التي تأتي فجأة.. وما هو التصرف المناسب عند وقوعها.. لذلك ومن منطلق توعوي أردنا هنا في (الجزيرة) أن نضع بين يديك عزيزي القارئ إحدى تلك الوقائع الحقيقية بهدف تنمية الحس الإدراكي بمدى الدور الإيجابي الذي يلعبه التصرف السليم والخبرة وسرعة التدخل والاستجابة الصحيحة في مثل هذه الظروف فإلى هذه القصة من الواقع التي حدثت لطفل في سن السابعة في منطقة نجران..
البداية.. في طريق عودتهم من المدرسة كان للطفل نواف علي حمادي آل الثور موعد مخيف مع القدر فبينما كان يمازح رفاقه بالقفز داخل ماسورة أسطوانية قدر قطرها فيما بعد بحوالي (12) إنش كانت فوهتها مساوية لسطح الأرض وبغير إدراك منه بأنها بئر ارتوازية ذات عمق ساحق في باطن الأرض.. حصل ما لم يكن في الحسبان حيث اختفى ذلك الطفل البريء وبسرعة فائقة.. وغاب عن أبصار رفاقه ليهوي داخل تلك البئر.. سقط نواف مثيراً مخلفاً رعباً في قلوب أصحابه الذين أصابهم الذعر وهم يسمعون صدى صرخته الأخيرة تتردد في مسامعهم طالباً النجدة.. سارع الأطفال إلى إبلاغ أهل الطفل المسكين.. الذين قاموا بدورهم بالاتصال على الرقم (998) طلباً للنجدة والمساعدة.. وتلقت غرفة العمليات بمديرية الدفاع المدني بنجران بلاغ الحادث في تمام الساعة الواحدة وثلاث عشرة دقيقة بعد الظهر.. توجه بعدها الأهل إلى مكان وقوع الحادث وكل همهم إنقاذ نواف وما هي إلا لحظات قليلة حتى وصلت الفرق المنتقلة والمكونة من فرقة إنقاذ وفرقة الغطاسين بوحدة الفيصلية - فرقة إنقاذ مركز الحضن - قاذف من مركز الحضن - إسعاف الهلال الأحمر - مدير مكتب مدير المنطقة - فرد من إدارة العلاقات والإعلام - مصور- مدير شعبة التدريب ومدير شعبة العمليات بالإدارة ومدير الإدارة ومدير العلاقات مساعد مدير المنطقة لشؤون العمليات المكلف ومساعد مدير المنطقة لشؤون التخطيط والتدريب.. وعبر الجماهير الغفيرة التي اجتذبها حب الفضول لمعرفة ما يجري وحب المساعدة ومد يد العون شق رجال الدفاع المدني طريقهم إلى نقطة الحدث وهي فوهة تلك البئر ليتفاجأوا بذلك المنظر..!
لقد حالت إرادة الله سبحانه ومشيئته ولطفه دون سقوط الطفل إلى العمق حيث كان داخل الماسورة قطعة خرسانية أسقطها أحدهم من قبل ساهمت بعد رحمة الله وعطفه في احتجاز الطفل على عمق متر ونصف المتر تقريباً.. إلا أنه وأثناء سقوط الطفل ونتيجة لسرعة الجسم وقوة الجاذبية والضغط انحشرت إحدى رجليه في الفراغ ما بين قطعة الخرسانة وجدار الماسورة مما جعل إمكانية إخراجه دون تفتيت الخرسانة أو قص الماسورة أمراً مستحيلاً.. كما أن الماسورة واقعة في مرتفع وفوهتها مساوية للأرض ومحاطة بصبة خرسانية قطرها لا يقل عن المتر.
مسلسل الإنقاذ
* عند وصول الفرق قام أفراد الإنقاذ بإشراف الضباط الموجودين من الإدارة بالتأكد من سلامة الطفل والحديث معه وتوثيقه بحزام أمان من أحزمة الإنقاذ خوفاً من سقوطه داخل البئر الارتوازية عند محاولة إنقاذه.. وتم توثيق حبل الإنقاذ في عمود خرساني وتخصيص فرد لهذه المهمة.
* قام رئيس فرق الإنقاذ يعاونه أحد أفراد الإنقاذ المميزين.. بالتأكد من حالة ووضع الطفل وسلامته من الكسور والجروح القطعية خوفاً من النزيف.. ووجد سالماً وبالحديث معه أكد أنه لا يعاني من شيء إلا أنه لا يستطيع الوقوف وذلك بحضور والده وعمه ومعظم أقاربه وزملائه بالمدرسة.
* وتم إجراء عدة محاولات لإخراجه إلا أنها لم تنجح علماً بأنه قد تم استخدام مواد مساعدة على الحركة ومنع احتكاك الجسم بجدار الماسورة مثل الزيوت الطبيعية إلا أن الطفل لم يتجاوب وقد اتضح لرئيس فريق العمل المقدم أحمد جارالله القحطاني أن إحدى رجليه محشورة بين قطعة الخرسانة وجدار الأنبوب ولا يمكن إخراجها إلا بتعريض الطفل لإصابة بالغة أو كسر في القدم.
* تم السماح لوالده وعمه بالبقاء بجانبه حفاظاً على روحه المعنوية وتشجيعه ولكي يطمئن حتى لا يصاب بحالة ذعر وخوف وهلع قد تتسبب في حدوث حالة غيبوبة للطفل أو صدمة عصبية وقد كان هذا الاجراء ناجحاً وبقي الطفل على اتصال دائم وحديث مستمر مع فريق الإنقاذ ووالديه مما حافظ على هدوئه واتاحة الفرصة لفريق الإنقاذ ببدء العمل.
* تم تزويد الطفل بقناع التنفس إلا أنه لم يتقبله وأخذ يصرخ ويطالب بإزالته وحفاظاً على صحته وسلامته وخوفاً من إصابته بصدمة تمت إزالته وزود بالهواء من خلال أسطوانتين بشكل دوري.. ومتواصل بهدف تهيئة الجو المحيط به وزيادة كمية الهواء والأكسجين.
* اتضحت الرؤية وأجمع الضباط الحاضرون في موقع الحادث على أن الوسيلة الوحيدة لإخراج الطفل هي تكسير الصبة الخرسانية المحيطة بفوهة الأنبوب ومن ثم إزالتها وبالتالي الحفر لإزالة الدخان من حول الأنبوب بعمق يزيد عن العمق الذي وصل إليه الطفل بشكل دائري وتم استخدام جهاز اللحام لقص الأنبوب بشكل دائري ومن ثم إخراج الأنبوب بعد القص من الحفرة والطفل لا يزال بداخله لتكسير قطعة الخرسانة التي حالت دون خروج الطفل وبالتالي مد رجل الطفل على استقامتها وإخراجه.
* وحفاظاً على سلامة الطفل وخوفاً من أن يكون جدار الأنبوب ضعيفاً نتيجة الصدأ تم تكسير الخرسانة بواسطة الأدوات والمعدات اليدوية وتم فصلها إلى جزءين دون حدوث أي مضاعفات.
* بعد إزالة الخرسانة قام أفراد الإنقاذ بالحفر حول الأنبوب بشكل دائري بواقع نصف متر لفحص سماكة الأنبوب ومعرفة وجود مناطق ضعف نتيجة للصدأ لاستغلالها في الكشف عن جسم الطفل وبهدف أخذ الحيطة والحذر عند قيام فريق الإنقاذ بالعمل حتى لا يتعرض الطفل للإصابة وبعد التأكد من سلامة الأنبوب تمت تجربة أجهزة القص لمعرفة مدى إمكانية إحداث شرخ طولي في الأنبوب لعمل فتحة مشابهة للباب بطول العمق الذي وصل إليه الطفل وبالعرض الذي من شأنه المساهمة في إخراج الطفل إلا أن المحاولة لم تنجح بسبب سماكة الأنبوب وضعف قوة ضغط الجهاز فاستقر الرأي على الحفر ومن ثم استخدام جهاز اللحام لقص الأنبوب بشكل دائري.
* ونظراً لكون المواد المحيطة بالأنبوب عبارة عن خرسانة ورمل وطين فإن الأمر يتطلب آلة حفر لعدم استطاعة الأفراد أو أي عمالة على إنهاء أعمال الحفر كما أن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً. ولعدم توفر معدات (البوكلين) وهي الأنسب لهذا العمل، فقد تم الاستعانة بالغراف وذلك لإزالة هذه المواد وقد وضعت مسافة أمان بين الأنبوب وصحن الغراف حتى لا يحدث احتكاك أو يتسبب في أي أضرار للأنبوب وبالتالي إصابة الطفل وتم إحداث حفرة بعمق (مترين) في طول (4أمتار) ثم قام أفراد الإنقاذ باتمام أعمال الحفر حيث قاموا بسحب الكميات المتبقية بجوار الأنبوب كمنطقة أمان إلى الحفرة التي أحدثها الشيول (الغراف) وبالتالي انكشف الأنبوب بطول (مترين).
* أثناء استخدام الشيول وخلال أعمال الحفر كان التراب والغبار يتطاير وخوفاً من حدوث حالة اختناق للطفل وأفراد الإنقاذ فقد تم استخدام المياه لرش المنطقة لمنع تطاير الغبار والأتربة كما أنه تم وضع قطعة من الشاش (غترة) على فوهة الأنبوب لحماية الطفل من الغبار والأتربة ولتقوم بفلترة الهواء مع العلم بأن عملية إمداده بالهواء النقي من كمامات التنفس لا تزال قائمة.
* تم إحضار مكينة اللحام وعامل متخصص في هذا العمل وحددت له المنطقة الآمنة لإجراء قص دائري للأنبوب وخوفاً من تصاعد الدخان والحرارة من أسفل الأنبوب الى الأعلى وتعرض الطفل للاختناق أو الحرارة والشرر تم وضع خرطوم مياه داخل الأنبوب من الأعلى على وضع الرش بواسطة الدش بشكل رذاذ بسيط جداً لحجب الدخان وخفض درجة الحرارة طوال عملية القص مع استمرارية تزويده بالهواء النقي المفلتر.
* تمت عملية القص بنجاح دون عوائق أو إصابات وتم فصل الأنبوب ومن ثم رفعه من قبل أفراد الإنقاذ خارج الحفرة وبالتالي تكسير قطعة الخرسانة بالعدد اليدوية خوفاً على سلامة الطفل وتخليص رجله وسحبها للخارج وثم إخراج بقية الخرسانة وإزاحتها عن طريق الطفل ومن ثم إخراجه سالماً معافى وسط صيحات وهتاف الجماهير الغفيرة التي يقدر عددها بالمئات وتم التأكد من سلامته وعدم تعرضه لأي إصابة ومقدرته على المشي وانطلاقاً من حرص العاملين في هذا القطاع الإنساني المهم ورفعاً لروحه المعنوية وطمأنة والده والجماهير التي حضرت وبعد استشارة طبيب الإسعاف الحاضر بموقع الحادث تم السماح له بالمشي أمامهم وكانت ردة الفعل عند والده والجماهير لا توصف لقد كانت مزيجاً من الفرحة والتهليل والتكبير والثناء على جهود هؤلاء الأبطال من رجال الدفاع المدني.
* نقل بعدها الطفل إلى المستشفى لإجراء فحص شامل والتأكد من سلامته وعدم وجود أية مضاعفات.
* استلم الطفل بعد أن تم التأكد من سلامته من قبل والده الذي أثنى على العمل البطولي الذي قام به رجال الدفاع المدني لإنقاذ ابنه.
هذا وقد وجّه مدير الدفاع المدني بمنطقة نجران العميد حسين بن غرم الزهراني نداءً لكافة المواطنين وبالأخص ممن تُوجد لديهم بقايا آبار ارتوازية قديمة بدفنها أو تغطيتها بإحكام ضماناً للسلامة ولعدم تكرار مثل هذه الحوادث التي قد تؤدي لا سمح الله الى مآسٍ وكوارث لا تحمد عقباها وكذلك نبه إلى ضرورة نشر الوعي الوقائي بين أفراد الأسرة والمجتمع صغاراً وكباراً وذلك لتجنب الوقوع في مثل هذه الأخطار مستقبلاً بإذن الله.. وختاماً يجب أن ندرك أن (الوقاية هي الغاية)...


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved