Tuesday 4th May,200411541العددالثلاثاء 15 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نعم: مؤتمرات للبراءة.. ومحاربة للغلو بنوعيه أيضاً! نعم: مؤتمرات للبراءة.. ومحاربة للغلو بنوعيه أيضاً!
د.محمد بن سعود البشر(*)

قبل البدء في التعليق على مقال الأخ الدكتور خليل الخليل الذي كتبه في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 10-3-1425هـ الموافق 29 ابريل 2004م تحت عنوان: (مؤتمرات ومواقف للبراءة.. والإرهابيون مازالوا يقتلون ويفجّرون) أود التأكيد ان ما سأذكره ليس من باب الدفاع عن الجامعة التي انتمي إليها، وينتمي إليها الدكتور خليل أيضاً، فما ورد في مقالته إنما هو حديث عن مؤسسة كبرى تنتمي إليها الجامعة والمؤسسات الدينية الأخرى، وهي المملكة العربية السعودية، عقيدةً، ونظاماً سياسياً، وبناءً تعليمياً، وإن كان الدفاع عن الحق الذي تمثله الجامعة يعد فخراً لمنتسبيها.
من هذا المنطلق فإن لي وقفات أعرضها - لابحسب ترتيبها في الأهمية- وإنما بحسب تسلسل ذكرها في مقالة الدكتور خليل.
أولاً: يبدو العنوان متناقضاً تماماً، فهل يعني حدوث التفجير والقتل من فئة ضالة توقف بث الوعي بخطرها وآثارها السيئة على كيان المملكة؟ وهل حدوث التفجير متزامناً مع وقت انعقاد المؤتمر يستلزم بالضرورة توقف نداءات العلماء والباحثين المؤتمرين؟
لقد أكدت حادثة التفجير أهمية محاربة هذا التيار المغالي، وتعالت أصوات الباحثين بضرورة ربط ما يناقشونه بما حدث في الواقع، فظهرت التوصية الأولى للمؤتمر الذي عقدته الجامعة بإدانة ما حدث والبراءة منه، بل وسرعة التعامل مع ظاهرة الإرهاب المحلي. ولو لم يكن من المؤتمر الا هذا الموقف لكفاه.
ثانياً: كأن الكاتب يمنّ -على لسان المملكة- بما قدمته للعالمين العربي والاسلامي، ويأسف على ما قدمته من دعم للإسلام وقضايا المسلمين، وهذا ليس منهج المملكة، ولم يرد على لسان المسؤولين فيها قط. وإن خطابات خادم الحرمين الشريفين والأمراء السعوديين تردد دوماً ان ما تقدمه المملكة للعالمين العربي والإسلامي إنما هو واجب يمليه عليها دينها ومنهجها الاسلامي الذي قامت عليه، بل هو ما نص عليه نظام الحكم. فالمملكة عندما تقوم بهذا الواجب فإنها لا تريد من أحد جزاءً ولاشكوراً وأحسب ان المسؤولين لايرضون ان يتحدث أحد بالمنة على لسانهم. ثم إن الدكتور خليل -وفقه الله- قد عمل في الشؤون الاسلامية في سفارة خادم الحرمين الشريفين في واشنطن مدة من الزمن عندما كان في الولايات المتحدة وهو خير من يعلم ماذا تعنيه المساعدات السعودية للمسلمين وللجاليات الاسلامية في كل مكان من المعمورة!!
ومع ذلك كله فقد تزامن الدعم السعودي للمؤسسات والجماعات الاسلامية بنشاط آخر يتوجّه إلى محاربة الغلو، وتوقيع اتفاقيات مكافحة الإرهاب، ونبذ التطرف والعنف.
ثالثاً: إن مصادر التوجيه الديني -على الرغم من القصور الذي اعتورها مثلها مثل باقي المؤسسات الرسمية الأخرى- لم تكن غائبة عن مثل هذه الأحداث المؤسفة، بل تصدت لها هيئة كبار العلماء، وتحدث عنها العلماء المعتبرون الثقاة، وأساتذة الجامعات في دروسهم، ومحاضراتهم، ولقاءاتهم بالناشئة، ولقد كانت فترات البث الرئيسة في الإذاعة والتلفزيون تستضيف العلماء والدعاة والمشايخ، وكلهم أجمعوا على نبذ العنف والتطرف، والبراءة منه، وتجريمه، وبيان مخاطره، والتحذير منه، حتى أضحى الخطاب الديني في هذه الأحداث هو الصوت الأعلى ضد الغلو، وهو الصوت المهيمن والموجّه للمجتمع، فهل كان الدكتور خليل غائباً عن ذلك كله؟ أم متجاهلاً له؟
رابعاً: إن الجهود السياسية والأمنية والاعلامية التي قامت بها المؤسسات الرسمية كانت متزامنة مع جهود المؤسسات الدينية والدعوية، وبخاصة في المساجد عبر خطب الجمعة والقنوت والدعاء، وليس صحيحاً إنكار ذلك كما ذكر الدكتور خليل، ألم يسمع بخطبتي الجمعة في الحرمين الشريفين؟ ألم يصل إلى سمعه ما تحدث به إمام المسجد الذي أصلي أنا وهو فيه، وما يعقب صلاة الجمعة من حديث وحوار مع أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بعد كل صلاة؟ هل كان الدكتور خليل غائباً حينها؟ وهل يعني قوله ذلك إن المساجد في السعودية لم تندد بحوادث التفجير وتجرّمها عندما ساق هذه التهمة وعمّمها؟ أما نحن -وكثير مثلنا- فقد سمعنا ذلك، وقنتنا ودعونا على كل من يريد بالاسلام وبلاد الحرمين سوءاً.
خامساً: وأما القياس بعدم تنديد المؤسسات الدينية بالأعمال الإرهابية مقابل التنديد بقضايا فرعية أخرى ذكرها الدكتور في مقاله فإنه قياس باطل فكما أن الغيورين على صلاح المجتمع حريصون على بقائه آمناً مستقراً في دينه وعقيدته، سليماً في بنائه التعليمي ونسيجه الاجتماعي فإنهم -من باب أولى- حريصون على دفع الفتن الكبرى التي يمكن لها أن تجتث المجتمع من أصله، وتحدث الفرقة بين قيادته وشعبه.
سادساً: من قال عن المسؤولين في جامعة الإمام انهم فوق الشبهات -مع التحفظ على هذا التعبير-؟ وهل سمع أحداً من اساتذتها أو المسؤولين فيها يقول بأنه معصوم من الخطأ ومنزه من الزلل؟ أو أنها أساس الدولة؟ إن هذا تقوّل على كيان بأكمله، وعليه -إن رام الحق والموضوعية- ان يستدل بشواهد تصدق مقالته أو أن يبتعد عن إلقاء التهم جزافاً، فإن هذا ليس منهج المسلم في البحث عن الحق، كما أنه منافٍ للموضوعية في الرأي والحديث.
سابعاً: وأما ان أعضاء هيئة التدريس في الجامعة لم يأبهوا بالمؤتمر الذي عقد في رحابها، وأنهم تركوه للمنظمين (الهواة) ليتنعموا بالحضور والمشاركة فإن هذا مجانب للحقيقة للأسباب التالية:
1- ان معظم الذين شاركوا ببحوثهم إنما هم من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، وقد حضروا -هم وغيرهم- وناقشوا بل وجادلوا وحاججوا ودافعوا عن آرائهم وكون الدكتور خليل لم يحضر إلا حفل الافتتاح، ومرّ - كغيره- عبر نقاط التفتيش، فهذا شأنه، لكنه ليس مبرراً بأن يتحدث جزافاً بطريقة هي أبعد ما تكون عن العدل والانصاف.
2- أما ان الطلاب استبعدوا من الجامعة فإن ذلك حدث فقط قبل الافتتاح لظروف امنية توجب على الجامعة -مثلها مثل غيرها من مؤسسات الدولة- أخذها في الاعتبار، ومثل الدكتور خليل يدرك هذا جيداً، ثم إن ذكره ابعاد الجامعة للطلاب بشكل مطلق دون تقييد إنما يسوق تهمة ضمنية مفادها أن الجامعة لا تريد للطلاب ان يستفيدوا من المؤتمر، وهي نتيجة لا تحتمل وجهاً آخر غيرها، وهي كبيرة في حق اكاديمي ينتمي للجامعة نفسها!!
3- سجل المؤتمر حضوراً جيداً مقارنة بغيره من المناسبات العلمية التي تشهدها جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، وان قلة الحضور لأي مناسبة لا ترتبط بالمكان ولا بالموضوع في الغالب وإنما بوعينا نحن أفراد المجتمع بمثل هذه المناسبات العلمية وهي ظاهرة للأسف موجودة في عالمنا العربي على وجه التحديد.
ثامناً: ذكر الدكتور خليل ان المؤتمرين في جامعة الإمام كرّسوا العجز وأرادوا إخراج المفاهيم الدينية المتشددة بشكل آخر، ثم ذكر أهمية إشاعة مفهوم التسامح في آخر المقالة. وهذا القول يؤكد حقيقة ان الدكتور المكرم لم يكلف نفسه عناء قراءة البحوث المقدمة للمؤتمر، أو على الأقل الاطلاع على عناوينها ولو للإحاطة، إذ كان معظمها يدعو إلى العدل والانصاف والتسامح مع المسلمين، ومع غير المسلمين، حتى ظن من حضر المؤتمر ان الجامعة اهتمت بمبدأ التسامح فقط دون غيره عندما استعرض البحوث وحضر الجلسات والمناقشات!!
أليس فيما ذكره الدكتور تجنٍّ على الحقيقة والواقع أولاً ثم اتهام الجامعة بالغلو في خطابها الديني؟ إنها وقفة تستحق المراجعة لكن أرجو ان يكون في ذلك ما يستدعي التراجع وتصويب الخطأ من الكاتب هداه الله.
تاسعاً: نعم الأزمة أزمة ثقافة وأزمة مفكرين وكتّاب قد لا ينظرون إلى الأحداث والوقائع بمنظار الدين والعقل، ويصدرون التهم جزافاً، ويحكمون على نيات الآخرين ويعتقدون انهم على الحق وان غيرهم على الباطل، ثم إن الدعاء والقنوت عبادة وليسا ثقافة!!
عاشراً: كنا نتمنى على الدكتور ان يتحدث عن مسببات الأحداث وأهمها على الاطلاق تفشي الذنوب والمعاصي وأنها أساس البلاء وأصله، وان ما من بلاء يقع على الفرد والمجتمع الا بذنب ولا يرفع الا بتوبة، وما يستدعيه ذلك من توثيق العلاقة بالله جل وعلا، ثم الأخذ بأسباب الحصانة من الفكر الجافي والغالي على حد سواء، لا أن يقتصر التحليل على الأبعاد الظاهرة فقط فكما أن في المجتمع فئة قليلة حادت عن منهج الاعتدال والتوسط وغلت في الدين حتى جنت عليه فإن هناك من حمل لواء البعد عن هذا المنهج، وحاول تكثير سواد اتباعه، المناوئين له، والمتربصين بدين الدولة وعقيدتها الدوائر، وهؤلاء لا يقلّون خطراً عن الغلاة والخوارج!!
وأختم بالتأكيد على واجب تفرضه ظروف المرحلة التي تمر بها بلادنا، وهو ضرورة الحفاظ على وحدة الصف، وجمع الكلمة، وان نتجاوز فيها خلافاتنا حفاظاً على تماسك الكيان وتحصين جبهته الداخلية، وإن حدث خلاف في الرأي فإن علاجه يكون بالمناصحة، لا بالتشهير، وأن يتحرى الكتبة والمفكرون والمثقفون الصدق والموضوعية، ويستصحبوا حسن النية، واقتطف كلمات ثمينة لمعالي الشيخ صالح بن حميد -وفقه الله- عندما قال: (إن من الخطأ البيّن ان تظن ان الحق لا يغار عليه إلا أنت، ولا يحبه إلا أنت، ولا يدافع عنه إلا أنت، ولا يتبناه إلا أنت، ولا يخلص له إلا أنت، ومن الجميل، وغاية النبل، والصدق الصادق مع النفس، وقوة الإرادة، وعمق الإخلاص، أن تُوقف الحوار إذا وجدت نفسك قد تغير مسارها، ودخلت في مسارب اللجج والخصام ومدخولات النوايا).
وفّقنا الله لكل خير، وحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، والله المستعان.

(*)ستاذ الاعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام
فاكس 2498421


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved