Sunday 9th May,200411546العددالأحد 20 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
مسرحية محاكمة الوزير!!
د. خيرية السقاف

قال أحدهم- وقد فاتني التَّركيز على اسمه في حديث تلفازي- ما معناه: إنَّ الهدف من (حرب العراق) ليس تخليص العراق من نظام، وإنّما إغراق (أمَّة) في وحل الهوان والمذلَّة!... صدق والله صدق!!،
ومنذ ذلك، وكلّ الأمور، شاهِدة على ذلك....
ما حدث في العراق وتحديداً في سجن (أبو غريب)، ليس أمراً غريباً إذ لم يقع فيه جنود أمريكا وحدها، بل الدُّول المتحالفة وعلى رأسها بعد أمريكا بريطانيا، دولتان كبيرتان، يقع منهما الانتهاك السَّافر لكلِّ القيم والأخلاق، وحدود التّعامل الدِّيني والسُّلوكي، في ضوء تسنُّمهما سدّة العدل، و(الدِّيمقراطية)!!
فيه ما يؤكد أنَّ ما حدث في السّجن، يحدث في الشّارع، وفي البيوت المقتحمة، وعند المواجهة في الظَّلام بمثل ماهو في النُّور، وبإرادة موجّهة بين الكبار والصغار، من قادة وضعوا في تمثيليّة كبرى للمحاكمة، بدعوى عدالة المحاكمة بين المواطنين فيها، سواء كانوا وزراء على مستوى وزير الدِّفاع، أو أفرادا على مستوى جندي في الصّف، أو عامل في الرّصف للشارع، أو للحرف!!
إنَّ ما يحدث في العراق هو صورة قُدِّر لها الظُّهور، ربَّما من ذات الجنود الذين أنهكتهم الحرب التي أدركوا عدم مصداقيتها، وعدم جدواها، وأنَّهم كحمار الطاحونة يؤدُّون أدواراً، لما لا يعرفون له أهدافاً، فأخذوا على أنفسهم بكشف ما يدور، وإلاّ فكيف تسرَّبت الصُّور؟... أم أنَّ ما وراء الأكمة ما وراءها؟...
إنَّ ما يحدث في العراق هو صورة رمزية تشير إلى (كبائر) ما يحدث على مستوى الظُّهور والإعلان، أو على مستوى الإخفاء والسّريان.. وهي أمور متوقَّعة، فمن ينتهك حرمة القتل والتَّدمير والإحراق وإفزاع الطفل في الأحشاء، وفوق الأكف، وعلى الأرض، في مخدعه أو ملعبه، لا يتوانى عن هذا الفعل، إذ ما مفهوم (العيب) عند أولئك؟، وما مفهوم الكرامة عند هؤلاء؟!
كم بلغ بي من القرف، ونالني من الاشمئزاز، وأنا أطالع المحاكمة التّي تمّت ليلة أمس الأول بين أعضاء مجلس الشُّيوخ ووزير الدفاع الأمريكي ومن معه، ذلك لأنّني وجدت التَّناقض الشَّديد، لماذا لم يجتمعوا فيحاكَمُوا عمَّا يحدث من التدمير السَّاحق لكلِّ نبضة حياة كانت نتيجة لحرب غير عادلة والحرب لم يتَّضح حتى الآن من نواياها سوى رغبة التوسّع والاستحواذ وفسح الطريق لإسرائيل الكبرى!
لماذا لم يجتمعوا لمحاكمة شارون على ما يحدث الآن ومن قبل؟ وعلى مدى عقود في فلسطين؟!... أم إنَّ (نخوة) الأخلاق محدَّدةِ الهويّة والانفعال، وإنَّ (الأخلاق) مجزَّأة في قانون العدالة عند أمّة الحضارة؟!
أم في النهاية تكون هذه المحاكمة واحدة من (سيناريوهات) أساليب السياسة للدولة الكبرى؟! لذر الرَّماد في العيون، وللحفاظ على ما بقي من تقدير؟! ولإثارة الدَّهشة والإعجاب بمجتمع يحاكم المخطئ من أفراده على المستويات جميعها؟! والحقيقة مبَطَّنَة غائبة عن عامة الناس والسَّاذجين منهم؟!
إنَّ المسلمين الذين أصيبوا في مقتل، لعلَّ أن يكون لهم في الذّي يحدث ما يحرِّك هِمَمهم، ويجمع كلمتهم، ويضعهم في مواجهة قويّة لتذكُّرِ دورهم، بل مسؤوليتهم عن أمانة كبرى هم مسؤولون عنها، ولا يمكن أن يكونوا على جهل بمآل ثوابهم عنها أو عقابهم حين التَّفريط فيها، فمن هو الأقوى والأعظم، وصاحب الحول والأمر من قبل ومن بعد غيره سبحانه وتعالى، إلهٌ لا يغفل ولا يُهمل.
ألا فلا تخدعنَّكم هذه المسرحيات التي تُحْبَك، والتَّمثيليَّات التي يلعب الحاكمُ فيها دور المحكوم، والبطل فيها دور الضَّحية، فتفاصيل العار في جميع الحروب تشهد على ذلك، وتكشف عن جزئيات الأخلاق ونوايا الأدوار.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved