Wednesday 12th May,200411549العددالاربعاء 23 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
القنوات الفضائية والسوق الافتراضية للأخلاق
د. محمد اليماني

أصبحت كثير من المؤسسات التجارية والصناعية ومالكي العلامات التجارية يتنافسون على رعاية أو دعم بعض البرامج التي تتنافى مع الذوق العام للمجتمعات الإسلامية وتتصادم مع مبادئها وقيمها، وذلك من أجل الحصول على حصة إعلامية تؤمل من ورائها زيادة مبيعاتها ومن ثم أرباحها معولة في ذلك على فرضية مؤداها أن هذه البرامج تحظى بقبول كبير وبعدد لا بأس به من متابعيها من شرائح المجتمع المختلفة.. ويتناسى هؤلاء في سعيهم لتحقيق أقصى قدر من الأرباح الآثار السلبية التي تحدثه هذه البرامج في المجتمع، وكأن أخلاق المجتمع وقيمه أصبحت سلعة عامة لكل الحق في أن يستهلكها بالطريق التي تناسبه وتحقق له ما يريد.
والاشكالية ليست في هؤلاء فسلوكهم ينبئ عن أن آخر ما يفكرون فيه هو المحافظة على المبادئ والقيم والسمت العام للمجتمع، وأنهم على استعداد لبيع كل ذلك مقابل زيادة متوقعة في أرباحهم، وإنما الاشكالية في استمرار من يعارضون هذه الممارسات في دعمها بدون قصد، عن طريق الاستمرار في التعامل مع الشركات والعلامات التجارية الراعية أو الداعمة لهذه البرامج.. إذ أن ذلك يفسر بأن ما يعملونه يلقى تأييداً لدى زبائنهم ويترجم ذلك الى زيادة في الايرادات التي يذهب جزء منها الى الانفاق على هذه البرامج وانتاج المزيد منها، وكان الأولى التوقف عن التعامل مع هذه الشركات والعلامات التجارية وإبداء السبب لهم عن طريق وسائل الاتصال المتاحة.. إذ أن من يستمر في شراء منتجاتها يشتري ضمنا المنتج الثانوي الذي تنتجه والمتمثل في البرامج التي ترعاها أو تدعمها لأنها تنفق على انتاجها وتسوقها على سبيل الدعاية لمنتجاتها والدعاية أيضا للقنوات التي تبثها.
وفي المقابل يفترض أن تدعم الشركات والمؤسسات الراعية للبرامج والمنتجات الاعلامية الجادة الهادفة لأن ذلك يؤدي الى زيادتها وانتشارها.. فكما أن أحد أهداف مقاطعة الشركات الراعية للبرامج سيئة السمعة التقليل من انتشارها، فالهدف في الحالة الأخيرة زيادة انتاج البرامج التي يحتاجها المجتمع.. ومما لاشك فيه أن مثل هذه السلوكيات لدى أفراد المجتمع تدعو إليها الحاجة في الآونة الأخيرة نظراً لتقلص أدوات الرقابة والتحكم لدى الحكومة وعدم قدرتها على التأثير على القنوات الفضائية.
ومن الغرائب أن تجد من يسعى الى فك تشفير قناة جادة لا تهدف الى تحقيق الربح من وراء التشفير وإنما الى تغطية التكاليف بالقدر الذي يتيح لها الاستمرار في عملها بدلاً من دعمها بالتبرعات والمساعدات.. ومنبع الغرابة هو أن من يتابع هذه القنوات شخص يتوقع أن يكون جاداً حريصاً على نشر قيم الفضيلة والمبادئ السامية وهذا يتنافى مع تصرفه.
وإذا كان الإسلام قد حث على دعم أوجه الخير ذات النفع المتعدي للآخرين، فإن دعم القنوات والبرامج الجادة ورعايتها يأتي في المقدمة، ذلك أن نفعها يتعدى ربما لمئات الآلاف من المشاهدين والمتابعين.. وهذه الممارسات التي وضع أسسها الإسلام نجدها مطبقة لدى الغرب بشكل واضح وجلي، فهناك العديد من القنوات الهادفة والقائمة على التبرعات والهبات من قبل الشركات والأفراد الذين يشاطرون القائمين عليها الرؤى والأفكار.
ولعل هذا يدعو الاقتصاديين الى التفكير فيما وراء الخصخصة التي توقف عندها الكثيرون ظناً منهم أنها مرحلة اليقين.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved