الانسحاب من العراق

تنطلق إشارات هنا وهناك من مسؤولين أمريكيين وغربيين حول الانسحاب من العراق.. ويقول أمريكيون إنهم لا يستبعدون الخروج من العراق بعد الفترة الانتقالية إذا طلب منهم العراقيون ذلك، بينما تقول دول أخرى في التحالف إن الانسحاب يبدو أمراً مناسباً، لكن دولة مثل إسبانيا أوشكت بالفعل على إنقاذ آخر جنودها من المستنقع العراقي.
التصريحات العديدة تعبر عن أوضاع باتت غير محتملة من جهة الخسائر التي تتمثل في ازدياد النعوش العائدة للأوطان الغربية، حتى إن بعض الحكومات تفضل ألا تتحدث عن أرقام تلك النعوش ولا تحتمل مجرد تصويرها.
ومن الواضح أن معالجة الشأن العراقي من دول الائتلاف المحتل لم تكن موفقة، وما يجري الآن هو انعكاس لأخطاء في تيسير الأمور اليومية حتى غلب على التصرفات النهج العسكري المتشدد، غير أن الأمر تجاوز ذلك إلى التعذيب المنظم والفظائع التي تفوق الخيال في سجن أبوغريب، على حد تعبير أحد نواب الكونجرس الأمريكي.

هناك اعترافات واضحة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن ما حدث في أبوغريب هو كارثة لا شك فيها، لكن خارج أبوغريب فإن الممارسات اليومية للاحتلال تعكس فظائع عديدة ومعاملة تنم عن سلوك أقل ما يقال عنه إنه استعماري ومتعجرف ومنبوذ من خلال تصرفات جنود لا يعرفون سوى القليل خارج مدنهم وحياتهم الأمريكية.
والآن فإنه يتعين إفساح المجال لمعالجة الأخطاء ما دام أن المسؤولين الأمريكيين يعترفون بوجودها، وأول خطوة في ذلك محاولة ترتيب انسحاب لا يخل بالأوضاع أكثر مما هي عليه الآن، وأن تبتعد الأهواء الشخصية عن إجراءات المرحلة المقبلة من خلال إبعاد العناصر التي تغلب أهواءها الشخصية على الممارسات النظامية المنهجية، أي إبعاد الذين يتصرفون من باب الانتقام أو تدمير كل شيء وهم يغادرون البلد.
هذا مع افتراض الانسحاب، وهو افتراض يبدو معقولاً، وهو أمر سيحدث في النهاية إن عاجلاً أم آجلاً، ويعبر الحديث الكثير عنه هذه الأيام، إنه أضحى خياراً مفضلاً في ظل الفضائح والفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية وفي ظل تصاعد المقاومة العراقية.