Tuesday 18th May,200411555العددالثلاثاء 29 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

صفحة الماضي.. وكتاب الحاضر صفحة الماضي.. وكتاب الحاضر
سعود سعد الصعب - الرياض

وحيدا في غرفتي.. أبحث عن مخرج من بعض الأفكار المتواجهة والتي تكاد تعصف بي إلى بر الغموض المحير والتشاؤم الموحش.. أتجول في غرفتي بلا هوية.. أبحث عما يسد فراغي.. ثم أتصفح أحد الكتب الملقاة بجانبي - أضع أقدامي في السطر الأول أتجول في السطر الثاني.. أبحر في السطر الثالث.. لم أكمل نصف السطر الرابع حتى ألقي بالكتاب بعيدا.. فما بداخله يصعب صرفه لمجرد أنه كتاب.
أخذت مفاتيح سيارتي.. أدرت المحرك.. وانطلقت إلى غير وجهة.. انحرفت إلى احد الشوارع الرئيسية.. ولكن!! هناك إصلاحات انتهى بي المطاف إلى أحد الأحياء السكنية الهادئة.. الساعة تشير إلى الواحدة صباحا.. أسير بسيارتي ببطء شديد.. تفكير متواصل، هدوء كامل في ذلك الحي، باستثناء بعض القطط التي لا تزال في عراكها المتواصل.. تقدمت بسيارتي والتفكير لا يزال في نشاطه المعتاد.. وفجأة لمحت رجلا عجوزا يجلس بالقرب من باب منزله.. اتجهت إليه.. أوقفت السيارة.. ورأيته.. رجلاً عجوزاً.. تظهر على وجهه علامات التأثر والألم الداخلي.. مصفر الوجه.. السواد يجتاح أسفل عينيه من جراء السهر المتواصل والإرهاق.. يبدو عليه الرهبة والخوف مما يحيط به.. وتقدمت إليه متسائلاً عما يجعله مهموما إلى هذه الدرجة ؟.
قلت: السلام عليكم.
قال: وعليكم السلام ورحمة الله يا بني.. أهلاً بك.
قلت: ما بك ياعم؟.
قال: آه.. من الأفضل أن لا تعلم ما بداخلي.
قلت: ولماذا؟
قال وهو يخفض رأسه: أخشى أن يؤلمك ما أقول.. أخشى أن تصير حالتك كحالتي.. لاسيما وأنك تبدو لست من أهل هذا البلد.
قلت: إنني من أهل هذا البلد.. ولكني كنت بالخارج وعدت قبل فترة بسيطة.. وأنا بحاجة لأن أعلم.
قال وهو يرفع عينيه: إن ما يؤلمني هو ما يحيط بنا الآن.. ما يحدث لنا من أحداث متتالية ومتناقضة.. مشاهد مؤلمة.. مبان منهارة.. ثم أشلاءأجساد متناثرة.. ودماء نازفة.. ودموع جارية.
قلت: ولكن أخبرني ماالذي يحدث هنا؟..
قال وعيناه على وشك أن تذرف الدموع:
إن ما يحدث لنا الآن لا أحد منا يعلم هويته.. ضجيج يعكر هدوء الأمن.. قسوة تشوه حنان الوطن.. دموع تزيل ابتساماتنا.. ودماء تشوه أجسادنا.. ارواح تلقى خالقها.. وأخرى معلقة بين الحياة والموت.. أفقدونا فلذات أكبادنا.. وحرمونا من أمنياتنا.. آه.. وهل هناك أقسى من أن يفقد الأب والأم أبناءهما؟؟ لقد مات ولدي.. مات.. استشهد.. ذهب إلى لقاء ربه.. اختفى فجأة من أمام عيني.. لم يتركني في يوم حزين كما تركني الآن.. ودعته قبل أن يذهب الى عمله وهو بزي الأمن.. يرتدي ملابس حماية الوطن.. وانحنى يقبل رأسي قبل أن يتركني.. لم أكن أعلم أن تلك هي آخر قبلة أتلقاها من ابني.. لم أكن أتخيل أن موضع قبلته-فمه- سوف يختلط بالدماء بعد ساعات.. دماء متبقية.. تخالطها دموع منهمرة.. وأنا وأمه وإخوته نحيط به في ساعة احتضاره.. كنت أتمنى أن أرى ابني ومن حوله أولاده ولكني رأيته وهو يحتضر أمام عيني أبيه وأمه واخوته.. تخرج روحه لملاقاة ربه. لماذا؟؟ لماذا يقتل؟؟.
هل لأنه رجل أمن؟؟ هل لأنه يحمي وطنه من أعدائه؟؟ هل لأنه يسهر على حماية من حوله؟
قلت: ولكن من الذي قتله..؟ لقد عرفت ما بك.. ولكني لم أعرف ما الذي يحيط بهذا البلد.
قال وقد امتلأت عيناه بالدموع:
يا بني هل لك أن تتصور أن كل من فقد ابنه ظلما يحدث له كما يحدث لي.. ولك أن تتخيل كل أم ما هو شعورها وهي تفقد أبناءها بعد أن تعبت في تربيتهم وضحت في سبيلهم.
لقد جاءنا من يعكر حياتنا.. ويعطل سير سعادتنا في هذا الوطن.. جاء من يبحث عن زعزعة الوطن.. أصبح لدينا أعداء.. هل تصدق؟؟ لقد أصبح لدينا أعداء.. هذه البلاد أصبح لها اعداء؟؟ بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي.. أصبح بعض المجرمين يبحثون عن تدميرها وتشويهها.. بعد ما ملأها الإسلام والعقيدة بالجمال والأمان والحب.
هل تعلم أن هؤلاء يعلنون الحرب؟؟ الحرب ضد دولة الإسلام.. معركة بين الإجرام وبين مهبط الوحي تلك البلاد التي اختارها الله ليظهر منها الإسلام.. ولا عجب في ذلك ونحن نرى من يستغني عن ضوء الشمس.. ليشعل شمعة يحصر نفسه في ضوئها.. وهو لا يعلم أن نسمة هواء بإمكانها أن تطفئها.
إن ما نواجهه الآن مفقود الهوية.. لا مبادئ.. لا مقاصد.. لا أهداف.. عبث فقط.. زعزعة فقط.. فساد فقط.
إن بحثنا عن أهداف فسنجد أهدافا متناقضة.. وإن بحثنا عن مقاصد.. فسنجد مقاصد متناقضة.. والمعلوم أن التناقض وفقدان الهوية عينان في رأس واحد..
قلت: صحيح.. أكمل يا عم..
قال وقد بدأت علامات الحماس تجتاحه:
نعم.. إننا نواجه تناقضاً وأشخاصاً بلا هوية.. وبتكاتفنا وإصرارنا واتحادنا دولة ومواطنين جميعاً.. سنزيل هذه الشوائب.. وصدقني.. أن من اكثر ما نحتاجه هو إصرار المواطن ووطنيته الخالصة.. وليس ذلك غريباً على شعب ولد في مهبط الوحي وبلد الحرمين.
كانت هذه المحادثة هي مجرد صفحة في كتاب التاريخ.. كتاب (الماضي).. فتحت كتاب الحاضر وجدت وطني المملكة العربية السعودية.. وجدتها جميلة.. مناظر خلابة.. حضارة عريقة.. الأمن يحيطها بكل رفق وهدوء.. ناصعة.. تبرق.. لامعة.. وبالتأكيد فلا وجود للشوائب فيها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved