Tuesday 18th May,200411555العددالثلاثاء 29 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

د. خيرية السقاف.. سراج معرفة في زمن العتمة! د. خيرية السقاف.. سراج معرفة في زمن العتمة!
ناهد بنت أنور التادفي/عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

(خير الناس أنفعهم للناس) هذا القبس المضيء بنور الحكمة استحضرته كثيراً حين عزمت على أن أكتب عن امرأة تترك الأثر الطيب أينما حلت، وتبعث الدفء أينما نبض قلمها.. تحمل في ضميرها مفهوماً صارماً وصادقاً بأن الكلمة مسؤولية، وبأن التوجيه ضرورة، وتعمل على هدي الدين والضمير فتحلق سامية في عالم من البياض والشفافية فتلج القلوب وتطرب الأفئدة وتغذي العقول، مبدعة ومربية وموجهة وأديبة نبيلة لا تخرج عن إطارات التعاليم الإلهية الهادية، ولا عن حدود المباح في مسالك التربية، وتحمل في الوقت نفسه رقة الروح وشفيف الكلام.
هي مطر يمس شغاف القلب، يغسل عقلك وروحك، نعم فأنت حين تقرأ ما تكتبه الدكتورة المبدعة خيرية السقاف التي أغنت بعملها التربوي وكتابتها، وأسهمت في تنوير المرأة والأسرة بل المجتمع بعطاءاتها، الكثيرة في المؤتمرات التربوية التي شاركت فيها أو بأحاديثها التربوية، فحينئذ لابد أن تسترجع الذاكرة الكاتبة العربية المصرية بنت الشاطئ، وما أضافته إلى الأدب من صفحات نيرات حول إسلامنا العظيم وقيمه ورجالاته ونسائه، وكذلك الأديبة السورية وداد السكاكيني التي قدمت الكثير في هذا المجال.
ولن نستطرد بذكر أسماء الشاعرات والأديبات العربيات اللواتي أعطين أو ما زلن يعطين للأدب والفكر والإبداع والحياة، لكننا ننحو إلى التذكير لنبين، ولنوضح أن الدور الإعلامي، الذي أنجزته الدكتورة خيرية السقاف جدير بالكتابة عنه، وبخاصة ذلك الدور المهم في مجال التربية.
ولتوضيح ذلك آخذ هذا المثال: كتبت د. خيرية في زاويتها الشجية لما هو آت.. (لحظة أمل) بتاريخ 5 صفر 1425هـ:
(كنت قد تغيبت عن مشهد نمو طفلة جميلة حلت ضيفة على أسرة صديقة..
وفي الأسبوع الذي مرّ، زرت أمها حين وجودي في مدينة جدة، لحضور مؤتمر تربوي.. صافحتني الصغيرة، وهي تقبل ببشاشة وسعادة، فأنكرتها حيث لم أرها منذ مدة طويلة، من؟ وهي تحمل على كتفيها حقيبة، وترتدي العباءة، ابنة الثامنة، ولما عرفتها بادرتها بالحضن والتحايا، وفضفضت لها عن سعادتي بها شامخة في وقار، له بُعد خفي، إذ حسبتها ترتدي العباءة لتضفي جمالاً إلى جمالها، وهي تلعب مع أقرانها.. غير أنها وهي تعود في التوِّ لتوديعي، إذ ربما لن أراها لسنوات أخرى، إذ علمت أنها ذاهبة إلى المدرسة، أي مدرسة في وقت ليس وقت دراسة؟.. فإذا بها تثلج صدراً مليئاً بالجروح والكلوم، وتعباً بالأحلام والأماني، وعشش فيه اليأس وتوالدت الحيرة، وهي، ابنة الثامنة مظهراً ومخبراً، تذهب عنه الألم، وتمحو عنه الحيرة، وتسدد له الحلم، وتروي فيه شجر الأحلام. عرفت منها أنَّها تذهب لمدرسة تحفيظ القرآن، وفيها تتلقى علومها، وهي الآن تحفظ وتجيد قراءة وتجويداً وتفسيراً ثمانية عشر جزءاً من كتاب الله المبارك.. وتعي تماماً مفهوم الحجاب، والستر والوقار، والاحتشام.. عرفت منها، أن مدرستها تتعلم فيها ليس فقط كيف تتلو كتاب الله، بل إن معلماتها يكوِّنَّ لديها الخبرات المختلفة التي جميعها تنصب في تكوين الاعتقاد وغرس القناعة وتنمية الإحساس، وترسيخ الانتماء إلى أن جمال المرأة المسلمة في وقارها، وأن هناك حدوداً لها عليها ألا تتجاوزها، وحدوداً عليها أن تفعل.. وأشد ما أثلج صدري أن أمها أفهمتها أن لون الحجاب ليس إلا عادة، بينما الحجاب ذاته ضرورة مظهر للمرأة المسلمة.. ثمة ما قالته لي الصغيرة المباركة لم أسمعه ممن تخطينها عمراً وخبرة ومعرفة، إذ قالت: أنا مسلمة، ولا يعني إسلامي أن حجابي مسؤوليتي، إن مسؤوليتي أن أكون مسلمة في كل ما أقول وأفعل.. سألتها أن تشرح لي إضافات على ما تقول من القول: فأوجزت: عندما أفكر في أني مسلمة، عليَّ أن أعمل بكل ما أتعلم من القرآن، ولا أنطق باطلاً، ولا أعمل سوءاً.. وعندما طلبت إليها أن تمثل لي قالت: عليَّ أن أبدأ الناس بالسلام، وأن أذكرهم من خلفهم بالحسنى.. وعندما يبكي أخي جائعاً وبيدي ما أطعمه أو أسقيه أفضله على نفسي.
كل ذلك شرحته بغلة سليمة، وبنظام فكر واعٍ.. فاق وتجاوز عمرها..
شعرت لحظتها بما أزاح عني كدر الوهم، وزادني ثقة في أن أؤكد للأمهات والآباء أن ما يزرعونه سوف يحصدونه، وأن الأبناء هم العمل الصالح في الدنيا والآخرة، وأننا في حاجة ماسة إلى مثل هذه النوعية من الوالدين، والمعلمين والمعلمات.
فبارك الله لوالديها، وثبتها.. وجزاهم عني كل خير، إذ أفاضا عليّ الكثير من السعادة في الزمن الذي تسلبها جزئيات كثيرة منثورة في دروبنا، ولعلنا نتساءل: إن كانت بعض الأسر قادرة على تنشئة جيل مسلم متمكن واعٍ على هذا النحو، مع توافر المدارس التي تعينها على تحقيق أهدافها هذه، فلِمَ لا يستطيع الجميع ركوب هذه الجادة بجدية وعزم؟!.
لقد اخترت هذا النص كمثال للتدليل على النظرة الشمولية الأخلاقية والدينية والتوجيهية التي تنطلق مسيرة الدكتورة السقاف على أساسها.. رسالة نبيلة تؤمن بأن الكلمة مسؤولية، وأن توريث الأجيال كل قيمة نبيلة واجب، وكل مرتكز على تعاليم الدين ضرورة. ومن أجل ذلك أوردت هذا المثال كي أدخل منه إلى بعض نقاط هامة.. فهذه المقالة بما فيها من وجدانية اللغة وشفافية الروح، وطهر المرمى، تضعنا أمام مسألة تربوية في غاية الأهمية، وهي الحافز، فالصورة التي رسمتها للفتاة تحفز الأخريات، ممن يقرأن المقالة كي يقلدنها لأنها أصبحت في نظرهن القدوة الاجتماعية، والمثال الذي يحتذى، وهذا الحافز للأخريات، يبين قيماً وموقفاً من الحياة كالحجاب مثلاً، والإيثار الناجم عن إطعام أخيها{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وهي قيّم دينية حضَّ عليها الإسلام كما نعرف، وهي حافز للطفلة نفسها، سواء بالتشجيع الذي حظيت به، أو الصورة الجميلة جسداً وروحاً وعلماً المرسومة في المقالة والتي ستقرؤها الفتاة دون ريب، وهي أيضاً حوافز للمعلمات والآباء والأمهات، لما في المقالة من إشادة، بمعلمات ووالديّ هذه الطفلة ابنة الثمانية أعوام.
وبعد أليس في هذا كله تحفيز للمجتمع كي يبحث عن ذاته في هذه الصورة الأدبية الفكرية التي رسمها يراع المربية والكاتبة الدكتورة خيرية السقاف كقامة أدبية شامخة، تحمل مسؤولية الكلمة بجدارة ووعي، تضعها في مصاف الكبار والمبدعين والتربويين؟.. وربما للسبب نفسه لم أذكر إلا اسمين من بلاد العرب، وأنا أتحدث عنها، لأنني أمام إبداع هادف، يحمل رسالة، ويتبدى ذلك فيما كتبت عن الجهل والغرور، في مقالة صحفية أخرى، أو ما كتبته عن الموت.. تعقيباً على إحصائية عبدالكريم الرويشد.
بعد ذلك قرأت الكثير من الإشادات بالدكتورة خيرية السقاف، واستوقفتني كلمات، بقلم إحدى طالباتها ودون شك إنها أديبة، لغة تقارب الشعر، وهموم المبدعين همومها، ورقة اللفظ تتشابك مع الصدق معاناة ورأياً فيما كتبت، هذه الكاتبة ترى في أديبتنا كنز خير ومعرفة وصدق، وتصفها بأنها أستاذة بحجم جامعة، أجل هذا ما قالته الكاتبة عبير عبدالرحمن البكر.
هنيئاً للمملكة وهنيئاً لجريدتنا(الجزيرة) الغراء وهنيئاً لشواطئ، أن تكتب المربية د. خيرية السقاف، فهي وأيم الله نهر الحكمة، تسقي من ماء الإسلام ومعرفته الخالدة، وتومئ إلى الحياة، فيهطل مطر الخير، فطوبى لها مربية وكاتبة وإعلامية، لن تغادر ذاكرتنا طويلاً، ولئن أحبّها وقدّرها من سمعها أو رآها أو عمل معها وتتلمذ على أياديها البيضاء، فنحن قرأنا عن بعد وحملنا وردة بيضاء، عسى أن نقول مفتخرات.. طوبى للمملكة سيدة فكر وهدف وإبداع، وليصنها المولى عزَّ وجلَّ لنا، فهي جديرة بتقديرنا، والله الموفق والمعطي، إنه على كل شيء قدير.

الرياض - فاكس 014803452


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved