Friday 21st May,200411558العددالجمعة 2 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

«الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «22» «الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «22»
المخدرات .. تعطيل للعقل وإهدار للمال وإهانة للنفس (1-2)

* الجزيرة - خاص:
جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المخدرات سموم، لا يُقبِل على تعاطيها عاقل، ولا يدفع لها ثمناً أو يسعى إليها إلا ضال، لما فيها من إضرار بالصحة وتغييب للعقل، وإهدار للثروة.. فهي آفة حاصدة لمن يُبتلى بها سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، لذا حرَّمها الإسلام تحريماً قاطعاً، حمايةً لصحة وثروة وكرامة المسلمين.. إلا أن البعض قد يغيب عنهم أسباب وحكمة الإسلام في تحريم المخدرات بكل أنواعها.. وحكمه في من يتعاطاها أو يتاجر بها، أو يروِّج لها.. وذلك إما لجهل بشمولية الشريعة واستيعابها لكل ما قد يصيب الإنسان من أمراض، أو يحدق به من مخاطر.. أو لهوى في النفس الأمَّارة بالسوء.
ولتبديد جهل الجاهلين ومواجهة هوى النفوس، نعرض لمخاطر تعاطي المخدرات، وحكمة الإسلام في تحريمها وأدلة التحريم..
في البداية يؤكِّد فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح الحميد رئيس محاكم منطقة تبوك أن جميع الدعوات سواء كانت دينية أو إصلاحية، وكذا علماء التربية والاجتماع والطب، اتفقت على أن للمخدرات أضراراً فتَّاكة سواء على الأفراد أو المجتمع أو الأمة، ذلك لما توجده المخدرات من تدمير للقيم والمثل، ولما تلحقه من هلاك للمستعمل وللمجمتع، فما دخلت المخدرات مجتمعاً إلا ورافق ذلك سيل هائل من الجرائم، وإن أعظم ثروات الأمة شبابها من ذكور وإناث، وإذا فقدت الأمة شبابها وانغمسوا في المخدرات فعلى هذه الأمة السلام، ومن هنا جاء الإسلام بقيمه ومثله وبتربيته وتهذيبه، ليواجه هذه الآفة ويعاقب من يروِّج لها أو يتعاطاها أو يتاجر بها أشد العقاب.
ويضيف الشيخ الحميد أن العقوبة القاسية جاءت لتحارب هذه الآفة بكل وسائل المحاربة، ونلمس آثار هذه العقوبة القاسية في ردع من تسوِّل له نفسه العبث بأمن المجتمع ونشر وترويج هذه الآفة الخطيرة، من خلال تجربة المملكة الرائدة في هذا المجال، فمنذ زمن طويل، بل سبقت دول كثيرة في محاربة المخدرات، عبر وسائل عدة تنطلق في ذلك من رسالتها الإسلامية، فالمملكة تحرص في مناهجها على غرس الإيمان في نفوس الناشئة، وعلى غرس القيم الإسلامية وفي نفس الوقت تقوم على نشر الوعي بين عموم أفراد المجتمع، وبيان مضار المخدرات وآثارها المدمرة، وتقوم أيضاً بالتشديد في عقوبة المستعمل والمروِّج والمهرِّب للمخدرات، ومن ذلك قرار هيئة العلماء رقم (138) الذي حدَّد عقوبات المهرِّب لهذه السموم، وأن العقوبة قد تصل إلى القتل.. كل ذلك أسهم في التخفيف من آثار هذه الآفة، وحماية المجتمع منها، إلا أن المجتمع كله مطالب ببذل الجهد الكبير في التحذير منها، والتوعية بأضرارها، فللبيت دوره، وللمدرسة دورها، وللمسجد دوره، وللإعلام دوره، وإذا تضافرت هذه الجهود وصدقت النيَّات، سوف تحمى بإذن الله بلادنا وشبابنا وأمتنا من هذه الآفة الضارة.
تقويض بنيان المجتمع:
من ناحية أخرى يوضح الشيخ عبد الله بن عبد المحسن آل الشيخ مدير مركز الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة أن أعداء الله من الكفار والمنافقين كانوا وما زالوا يدبرون المكائد لصد المسلمين عن دينهم، وإبعادهم عنه لعلمهم أنه هو سبب عزهم وشرفهم، تارة بالشبهات، وتارة بالشهوات وأسباب الفساد والإفساد.
ومن أهم الوسائل التي تساعدهم في تحقيق ذلك الهدف الخبيث آفة المخدرات، التي تقضي على الفرد، وتساهم في تقويض بنيان المجتمع الذي تنتشر فيه، ولذلك سعوا في إيقاع الأغرار والأحداث في حبائلها، والإدمان عليها بكل السبل.. فآفة المخدرات ضرر محقق على دين العبد ودنياه، فأما ضررها على الدين فإن من يتعاطاها في معظم أحيانه لا عقل له ولا رشد، فلا يكاد يؤدي عبادة ولا يسعى في طاعة، فإذا أفاق كان أكبر همه البحث عن المال لشرائها، فباع جميع ما يملك، ثم ربما اضطر إلى الإجرام والسرقة، فأضر بدينه ودنياه، وقدَّم المال لعدوه مقابل ما يحصل له من ضرر.
ويرى الشيخ عبد الله آل الشيخ أن في استعمال المخدرات تدميراً للأسرة وتشتيتاً لها، ومن أشد أضرار هذه الآفة أنها تقضي على المروءة وتحطِّم الغيرة على العرض والشرف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والحشيشة حرام أيضاً، يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة والله سبحانه قد كرَّم الإنسان ورزقه من الطيِّبات فينبغي له، ويجب عليه أن يأخذ الطيِّبات ويدع الخبائث، ومن الخبائث التي تذهب بالعقل: الخمر، والعرب في جاهليتهم كانوا قد تعلقوا بشربها فجاء الإسلام بذمها وتحريمها على مراحل، حتى نزل فيها قول الله عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}، فلما نزلت وتليت على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان قولهم إلا أن قالوا: انتهينا ربنا، فلم يشربوها بعد ذلك، وأراقوا ما كان عندهم منها، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبي بن كعب، وسهيل بن بيضاء، ونفراً من الصحابة عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم حتى كاد الشراب يأخذ منهم، فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرِّمت؟ فما قالوا: حتى ننظر ونسأل، فقالوا: يا أنس اكف ما بقي في إنائك، فوالله ما عادوا فيها .. فلنتعلم من تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لأمر الله واستجابتهم له من غير تردد ولا تمهل، وذلك لإيمانهم بالله ورسوله، ومما يدل على عظيم الإثم في شأن الخمر والمخدرات ما أخرجه أبو داود وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه) فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم كل من ساهم في صنع الخمر أو نقلها وتقديمها وبيعها، وهذا يدل على عظيم خطرها على دين المسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا على أمر كبير، فهي أم الخبائث فلا يشربها أحد إلا وقع في غيرها من العظائم.
الاعتداء على الضرورات
أما الأستاذة حصة بنت محمد الماضي المشرفة المركزية بالإدارة العامة لتوجيه وإرشاد الطالبات فتقول: إن الشريعة الإسلامية حرصت على حماية البشرية وصونها من أي ضرر يلحق بها، وما من شريعة من الشرائع السماوية إلا وأمرت بالمحافظة على تلك الضرورات الخمس، وهي: العقل، والنفس، والعرض، والدين والمال.
ولا شك أن تعاطي المخدرات اعتداء على تلك الضرورات، فهي تؤثِّر على خلايا المخ فتغيب وتغير وظائفه وتسبب خللاً في وظائف الجسم، وتؤدي إلى تغيُّرات سلوكية واضحة، وتؤدي إلى الميل للانتحار وبتعاطي جرعات زائدة يسبب الوفاة، وتكون سبباً لانتقال الأمراض بين المدمنين مثل الالتهاب الكبدي الوبائي، والإيدز. ومن آثار تعاطي المخدرات أيضاً أنه ينشأ عنها التساهل وعدم المبالاة، وتصيب متعاطيها بالتبلُّد وعدم الغيرة وربما قد تدفعه إلى التضحية بعرضه لأجل الحصول عليها، أو على ثمنها، وتحت تأثيرها قد تدفعه إلى الاعتداء على محارمه وهتك أعراضهن، بالإضافة إلى أنها ضياع للمال وهدره فيما يضر الإنسان، وضياع للوقت، ويصبح الشخص غير قادر على العمل، ويفضِّل شراء المخدرات على الإنفاق على أهله وبالتالي اللجوء إلى السرقة أو التسوّل في حالة عدم توفر المال لشراء المخدرات، فيؤثِّر ذلك على المجتمع أيضاً بسبب قلة إنتاجية الفرد.
وتضيف الماضي: وعندما حرَّم الإسلام الخمر تحريماً مغلظاً بالكتاب والسنة والإجماع فإنه حرَّم كل ما يلحق بها من الخبائث قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}، فأحل الله الطيِّبات لما احتوت عليه من المنافع والمصالح، وحرَّم الخبائث بأنواعها لما احتوت عليه من المضار والمفاسد والآثام، فهي سموم قاتلة، وقد نهى الله المؤمنين عن قتل أنفسهم قال تعالى:
{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ومن نعم الله تعالى على الإنسان أن فتح باب التوبة لكل مذنب، وهي السبيل للخلاص من آثار الذنوب والمعاصي، لذا يجب تقديم العناية والاهتمام الكافيين لعلاج المدمنين على المخدرات، وتوجيه الاهتمام بتدريب وتأهيل الكوادر البشرية المشاركة في إجراءات وقاية ومكافحة المخدرات، مثل رجال الشرطة، والأطباء، والأخصائيين الاجتماعيين، والنفسيين، وكل من يعمل بهذا المجال.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved