Friday 21st May,200411558العددالجمعة 2 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أمريكا تسعى إلى إحكام قبضتها على خاصرة الوطن العربي والإسلامي أمريكا تسعى إلى إحكام قبضتها على خاصرة الوطن العربي والإسلامي
د. عبد الله سالم الزهراني

لقد أصبحت السياسة الأمريكية واضحة ومكشوفة، حيث لم تعد تخشى من أحد ولذلك بدأت تلعب على المكشوف، ولعل هذا يسهل للدول العربية والإسلامية التعامل معها بالطرق الأنسب.
لقد عنونت غزوها لأفغانستان بعنوان الحرب على الإرهاب، وعملت ما عملت في أفغانستان، ولا تزال تعمل مستغلة هذه الحجة والذريعة للبقاء في أفغانستان، بذلت أمريكا كل ما في وسعها لحشد جهود العالم في الحرب على الإرهاب بالترغيب والترهيب عسكريا وماليا وسياسيا، ومن خلال استصدار بعض القرارات الدولية.
سعت إلى تجفيف المصادر التمويلية لمن تسميهم بالجماعات الإرهابية، وشمل هذا التجفيف مؤسسات وجمعيات خيرية في العالم الإسلامي لا ناقة لها ولا جمل في الإرهاب، ولا في مساندة الإرهاب. ورغم ذلك تجاوبت كثير من الدول الإسلامية من باب محاربة الإرهاب، ومن باب سد الذرائع والتحرشات الأمريكية والضغوط، ولكن أمريكا لا تشكر، وإنما كلما لبي لها طلب وحقق لها رغبة طلبت المزيد حقا أم باطلا، بحيث أصبحت كثير من الدول الإسلامية في مرحلة اللاعودة أو تراجع حتى لا تتهم بعدم التعاون في مكافحة الإرهاب. أصبح كثير من الدول الإسلامية والعربية تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما فعلت ما فعلت.
لم تكتف أمريكا بغزو أفغانستان، وإنما خططت لغزو العراق بذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق وحماية العالم الحر من خطر هذه الأسلحة، ثم أضافت هدفا آخر هو تحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية والظلم، وكذلك إرساء قواعد الديموقراطية في العراق، وجعل الشعب العراقي يعيش في جنة ورغد من العيش.
بعد غزو العراق وحدوث الفوضى والنهب والسلب وسرق تاريخ العراق من مؤسساته العلمية والأثرية على مشهد من قوات الاحتلال وظهور المقاومة العنيفة والرافضة للاحتلال خرجت علينا أمريكا بتبرير جديد قديم، وهو الاستمرار في محاربة الارهاب، وزعمت أمريكا أن أرض العراق أصبحت مسرحا للإرهاب والإرهابيين، وصورت لنا أن معظم العمليات التي تحدث في العراق هي من عمل القاعدة والإرهابيين القادمين من خارج العراق، أما بعض العمليات فهي من فلول أتباع النظام السابق.
لم تعترف أمريكا بشعب العراق وكرامة شعب العراق، بل قللت من شأنهم وحاولت أن تقول: إن الشعب العراقي هو شعب يقبل الاحتلال وراضٍ به وتناست أن الشعب العراقي في مسيرته التاريخية شعب أبي كسائر شعوب العالم لا يقبل الظلم، ولا الضيم، ويرفض الاحتلال بكل أشكاله. سياسة أمريكا في العراق تقوم على التضليل منذ بدايتها، وحتى الآن الأمم المتحدة أصدرت قرارها 1511 في أكتوبر 2003 يسمي الأشياء بأسمائها حيث قال: إن هناك احتلالا، وهناك بلد محتل، بينما أمريكا تسمي الاحتلال دول التحالف أو الائتلاف وتسمي المقاومة إرهاب، هذه هي سياسة أمريكا المكشوفة التي يجب التعامل معها على هذا الأساس. من المؤسف أن بعضا من أعضاء مجلس الحكم يجارون التسميات الأمريكية وهذا في منتهى الغرابة.
أمريكا طرحت مشروع الشرق الأوسط الكبير ليضم معظم دول العالم الإسلامي وبدأت ترسم السياسات والتصورات، وما ينبغي عمله من دول هذا المسمى الجديد الذي كما تقول يتطلب إصلاحا وبالطريقة الأمريكية أيضا أصبح هذا المشروع ومطلب الإصلاح على طريقة أمريكا مثار جدل، وربما أسهم في تأجيل القمة العربية من جديد. الإصلاح مطلب ضروري في كل الجوانب في الدول العربية واستمرارية الإصلاح مطلوبة.
ولكي تتم مقاومة التخطيطات الأمريكية المغرضة، فإن الإصلاح ضرورة ملحة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبتخطيط سليم لا بد أن تبدأ الدول العربية بالإصلاح والتوجه لشعوبها وتلبية متطلباته الأساسية. البداية ضرورية والطريق طويل، والحاجة للتدرج في الإصلاح السياسي مطلوب، وإن كانت الحاجة للإصلاح الاقتصادي يحتاج لسرعة أكبر.
أمريكا كشفت سياستها بشكل فج، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية متجاهلة كل القرارات الدولية، وانحازت كليا إلى الكيان الصهيوني، إن إعلان بوش عند لقائه شارون والقول: إن شارون رجل سلام، وقوله: إن خطته للانسحاب من غزة تعتبر متميزة وممتازة ، وتأييده للإبقاء على المستوطنات في الضفة الغربية بحجة أنها أصبحت أمرا واقعا عمرانيا وديمغرافيا، ولابد من أخذ ذلك في الاعتبار في الحل النهائي، وهذا يعني الموافقة على الجدار العنصري العازل والتهام أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية، لأن الجدار أيضا أصبح أمرا واقعا، كما هو الحال بالنسبة للمستعمرات، إن هذا في نهاية الأمر وحسب خطة بوش وشارون يعني دويلة فلسطينية في غزة وقرى معزولة في الضفة الغربية يعيش فيها الفلسطينيون كمعازل الهنود الحمر في كندا وأمريكا، ليس هناك أوضح من هذه السياسة الأمريكية.
أمريكا بدأ يرتفع صوتها فيما يتعلق بالتمرد والانفصال في دارفور في السودان، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الحكومة السودانية تعيق تدفق الإغاثة إلى هذا الجزء، وأنها هي السبب فيما يجري من قتل وعنف، وهذا تدخل صريح وواضح، لقد نجحت أمريكا في المفاوضات بين حركة قرنق والحكومة السودانية، وهذا تمهيد بفصل جنوب السودان، وهي هنا ستذهب إلى أبعد من ذلك حيث تخطط لفصل غرب السودان أو ضمه للحكومة المستقبلية في جنوب السودان، إن هذا التدخل والضغط على السودان يمكن أن يقود إلى تدخل عسكري، وإن لم يحدث قريبا فسيكون هناك تواجد في جنوب السودان بعد الاستفتاء الذي سيقود حتما إلى انفصال جنوب السودان.
إن تدخل أمريكا، وبهذا الشكل السافر في السودان يعني خطورة كبيرة على مصر، وضغط عليها في المستقبل، لأن ذلك يعني الضغط على حوض نهر النيل وتهديد شعب مصر لكي ترضخ للضغوط الأمريكية، وربما تطلب منها إحياء مشروع قناة السلام الذي اقترحه الرئيس الراحل أنور السادات، ورفضه الشعب المصري ودول حوض النيل، يتمثل هذا المشروع في مد الكيان الصهيوني بالمياه من نهر النيل عبر أنبوب يبدأ من ترعة الإسماعلية ويصب في فلسطين المحتلة.
إن هذا التخطيط الواضح في السياسة الأمريكية يعني الإمساك بخاصرة الوطن العربي ابتداء من أفغانستان إلى العراق مرورا بفلسطين من خلال الدعم للكيان الصهيوني وصولا إلى السودان والهيمنة استراتيجيا واقتصاديا على العالم بشكل عام والدول العربية والإسلامية بشكل خاص.
هذه هي الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية، كما أتصورها، وهي تعمل لتحقيقها بشتى الطرق، وتسعى إلى تفتيت إرادة الدول العربية، ومقاومتها للسياسة الأمريكية من داخل الدول العربية، فهي تتصالح مع دول عربية وتبني قاعدة في دول أخرى، وترضى عن دول وتنعتها بالحليفة والصديقة، وتضغط على دول، وتطلب منها طلبات أحيانا تعجيزية.
كل ذلك في سبيل دق أسفين الفرقة ودفع بعض الدول للارتماء في أحضان السياسة الأمريكية في سبيل تمرير مخططاتها.
إن الدول العربية والإسلامية مطالبة بمواقف تاريخية تجاه هذه التحديات، وكلما استمر الصمت زاد الضغط. العالم بأسره يرفض الهيمنة الأمريكية ولكن لابد من التواصل مع بقية دول العالم وتفعيل الحوار، الدول العربية بحاجة إلى تنسيق مواقفها، وهي بحاجة ملحة لتحركات سياسية فعالة لدى دول العالم المختلفة في محاولة لإيقاف نهم سياسة اليمين المتطرف في أمريكا من دفع العالم إلى وضع غير مضمون العواقب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved