Sunday 23rd May,200411560العددالأحد 4 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

بين (الأحساء والقطيف).. غيوض من فيوض ..؟! بين (الأحساء والقطيف).. غيوض من فيوض ..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

في مقال الأحد الماضي، جعلت من (النخلة والنحلة)، نخلة الأحساء، ونحلة الطائف، مدخلاً للكلام على زيارة أدبية، شرفت بها إلى المنطقة الشرقية من التراب الوطني، وإلى الأحساء والقطيف على وجه خاص، واتخذت من قصيدة: (هذه الأحساء)، للشاعر المبدع، (محمد الجلواح)، متكأ لخطرات ونظرات عامة، وعدت بان أتوسع فيها فيما بعد. فها أنا ذا اليوم، أكتب مقالاً ثانياً عن الأحساء والقطيف كما وعدت.
- إن هذا الجزء العزيز من الوطن الأم، لا تتوقف شهرته عند حد النخيل، على ما لها به من تميز وريادة، ولكن الأحساء، تشتهر - بل تنفرد - بالمنتديات الأدبية، والأمسيات الثقافية منذ ما قبل الإسلام، وكان أهلها في أيام مضت، يفرون من حمارة القيظ، إلى التبرد في مزارع النخيل، من أجل اللقاءات الأدبية والثقافية، فيتطارحون ويتسامرون، أدباً وشعراً وثقافة، تحت ظلال النخل، ووسط حفيف سعفه، وسقط تمره وبلحه.
- أحد عشر يوماً قضيناها - الأديب والناشر عبدالرحمن بن فيصل المعمر وأنا - نقيل في منتدى، ونمسي في ندوة، حتى ظننت ان أحبتنا في الأحساء والقطيف، ليس لهم شغل إلا المطارحة بالقوافي، والمصارعة بالأفكار، والمقابسة بحلو الكلام وطيب التفكه.
- هناك في الأحساء، ندوة أحدية مشهورة، للشيخ السفير الأديب (أحمد بن علي آل الشيخ مبارك)، تقام منذ خمسة عشر عاماً، وتستضيف مفكرين وأدباء وشعراء وكبار، وتشجع الشباب، وتدعم مواهبهم. وصاحبها غني عن التعريف، فهو علم ساطع، وسفير سابق، وشاعر ومؤلف.
كتب رحلته العلمية إلى بغداد والقاهرة، في سفر كبير سماه: (رحلة الأمل والألم). وله ديوان شعر مطبوع، وخمسة كتب تحت الطبع.
- وهناك في الأحساء، ندوة أدبية ثقافية اثنينية، يقيمها في داره كل أسبوع منذ سبعة أعوام، الشيخ (محمد بن صالح النعيم). هي بلا شك، واحدة من منائر التنوير الثقافي الذي تشهده الأحساء اليوم، يواظب على حضورها كل اثنين، عشرات الأدباء والشعراء والمثقفين، وتستضيف مشاهير من كل مكان، وتكرم المفكرين والمبرزين، وصاحبها أديب معروف، له بحوث وكتب ومقالات بعضها تم نشره، ويكفيه فخراً، ما يسديه من خدمة جليلة لتشجيع الشباب ورعاية بواكير نتاجهم، وتنمية مواهبهم الثقافية والبحثية.
- ومن الشخصيات المرموقة في الأحساء، الشيخ (أحمد بن محمد الموسى)، أبو طارق، عرفته منذ سنوات مضت في الطائف، ثم لقيته في داره في الأحساء، إنه من المشاهير أدباً وتواضعاً وحلماً ووجاهة، داره ملتقى للزائرين والفضلاء من الناس، من كل حدب وصوب.
- وممن عرفت من مشاهير هذه المحافظة العريقة، الأستاذ الشاعر الأديب المربي (عبدالرحمن بن عثمان الملا)، عرفته واحداً من شعراء كتابي: (الشوق الطائف حول قطر الطائف)، رأيته في الطائف، ثم في كل ملتقى وندوة وأمسية في الأحساء، له مصنفات كثيرة في كل فن، نظرت في كتابه الرصين: (تاريخ هجر)، الذي صدر في مجلدين كبيرين، فإذا هو دراسة علمية شاملة، تاريخية وجغرافية واجتماعية غير مسبوقة، والملا من الشعراء الذين يحملون همّ الأمة، وله طرح واضح ومباشر، في نبذ الخُلف، والدعوة إلى الإصلاح. قرأت من شعره قصيدة نظمها عنوانها: (دعوة حب)، فوجدته يحذر من الفرقة والشتات، ويدعو إلى الحب والتسامح، فيقول منها:


ويلَ قوم.. حرقوا أمجادهم
وإباهم.. في أتون الجدل
ومضوا في التيه.. يبغون الهدى
شيعاً.. عن جهلها لا تسأل
تحسب الغي رشاداً.. وهدى
بئس ما جاءت به.. من خطل
- ثم يقول فيما بعد:
إن داء الخُلف في أمتنا
لم يدع للحب فيها من ولي
فاغرسوا للحب في أنفسكم
شجراً يأتي بخير الأكل
تنعموا في ظل درب واحد
بحياة العز.. في المستقبل

- وفي هذه الأحساء، ندوة شهرية للدكتور (نبيل بن عبدالرحمن المحيش)، فهو أديب وباحث وصاحب رأي ومقال في الأدب وشؤون الحياة عامة، له كتب ودراسات كثيرة، منها كتابه عن الشيخ المؤرخ (عبدالقدوس الأنصاري) رحمه الله، تناول فيه حياته وأدبه، وفي ظني أن بحث المحيش هذا، هو أول دراسة بحثية جامعة، أبحرت في الحياة العلمية والأدبية للمرحوم الأنصاري.
- ومن ندوات ومنتديات الأحساء، ندوة الشيخ (عدنان العفالق) مشهورة ذائع صيتها. وكذلك ندوة العميد: (عبدالعزيز بن عبدالوهاب الموسى)، وهي سبتية، تستضيف أدباء وشعراء، وتنتظم فيها حلقات ثقافية، وتدور فيها مقابسات وفكاهات طريفة.
- ومن بيت آل الموسى المشهورين في الأحساء، وجيهان فاضلان، ذوا أدب وخلق رفيع، كل منهما على اسم عبدالعزيز: (عبدالعزيز بن محمد الموسى، وعبدالعزيز بن عبدالله الموسى)، وفي داريهما العامرتين، وفي مناسبات غيرها عند أكثر من واحد، التقيت لأول مرة، الدكتور: (خالد بن سعود الحليبي)، أدار الندوة التي ألقيت فيها محاضرة في أحدية الشيخ (أحمد المبارك)، له نشاط أدبي وبحثي واسع، وألف كتاب: (الشعر الحديث في الأحساء 1301هـ1400هـ).
- ثم التقيت كذلك، بعدد كبير من أدباء وفضلاء الأحساء، أتذكر منهم الآن، الأستاذ الأديب: أحمد الشباط، ثم الأستاذ الشاعر: أحمد الديولي، والشيخ الراوية: عبداللطيف بن حمد النعيم، عميد أسرة آل النعيم، رأيتهم في اثنينية النعيم، وقد كانت لهم مداخلات مفيدة على محاضرتي في الندوة. وكذلك الأستاذ الشاعر: صالح الحربي، له ديوان شعر بعنوان: (أرى نسوة يسقين الجثث)، والأستاذ فرحان العقيل، أعد كتاباً مصوراً عن الأحساء اليوم، والشاعر الشاب: (عبدالله بن ناصر العويّد) عطاء متدفق، وموهبة شعرية لافتة، له رصيد وقصيد، في كل أمسية أو ندوة.
- وقد سعدت كذلك، بمعرفة رجال أكارم هناك، من الذين يعنون بالثقافة والأدب، ويحملون هموم مجتمعهم، من بينهم الأستاذ (أحمد الهاشم)، مسؤول الدعوة والإرشاد، والشيخ (سلمان العليو)، والأستاذ (يوسف بن جاسر التركي)، والأستاذ (محمد بن عبداللطيف الملا)، والأستاذ (علي سلمان العبدالله)، والأستاذ الزميل، (عبدالله الملحم)، مدير مكتب الجزيرة في الأحساء، والأستاذ (سعد الدريبي) ينظم الشعر، والصحافي النشط (عبدالله القنبر)، كانت له مداخلة ظريفة معي في المحاضرة.
- وعرفت في الأحساء، عمدة (حي الخالدية)، الأستاذ (أحمد بن صالح المظفر)، رجل تعليم سابق، له خبرة ثرة مفرحة في خدمة المجتمع، من خلال وظيفته كعمدة حي، فقد ألف كتاباً عن: (العمدة ودوره في خدمة المجتمع).
أطلعني على جهوده المكتبية، فوجدت أنها رائعة، وظهر ان له أسبقية في تنظيم مجلس الحي، قبل بروز فكرة مراكز الأحياء، وقد ذكرني بحلمي في عمدة حي فاعل، الذي ظللت أكتب عنه طوال سنوات، فبارك الله في جهوده.
- وعلى هامش زيارة الأحساء، شهدت أمسية ثقافية في جمعية الثقافة والفنون، كان ضيفها، الأديب المرموق الأستاذ، (محمد العلي)، وشهدها جمع من الشباب المثقفين من المنطقة الشرقية. رأيتهم يديرون بكل اقتدار، حراكاً ثقافياً نشطاً، في محافظة هي من كبريات المحافظات، ليس بها نادٍ أدبي حتى يوم الناس هذا..!
- أما في القطيف، حيث كانت هي المنعطف الأخير في سير الرحلة، فقد سعدت بلقاء الشيخ المفكر (حسن الصفار)، ووقفت على مكتبته العلمية، العامرة بالآلاف من أمهات الكتب والمراجع والمصادر، والشيخ الصفار، صاحب قلم سيال، ورؤية ثاقبة، كتب عشرات الكتب، اطلعت على بعضها ومنها: (النفس.. منطقة الخطر - نحو علاقة أفضل بين السلفيين والشيعة - التنوع والتعايش - الوطن والمواطنة - التعددية والحرية في الإسلام - أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع). له منتدى ثقافي مساء كل يوم جمعة. وقد حضرت مجلسه، والتقيت عنده بالشاعر الكبير (عدنان العوامي)، مدير تحرير مجلة الواحة، والأستاذ الكاتب المؤلف (محمد المحفوظ)، والزميل الصحافي النشط (ميرزا الخويلدي)، وكذلك الأستاذ (جعفر الشايب)، الذي له ديوانية ثقافية معروفة بالقطيف، يرتادها المثقفون والأدباء، إلى جانب منتدى ثقافي آخر هناك، للأديب المعروف: نجيب الخنيزي.
- هذه إذن هي الأحساء والقطيف، حركية علمية ثقافية أدبية اجتماعية، تظللها سيوف النخل، وهي سيوف عزّ خضر، مثمرة مقمرة، تأخذ امتدادها اليوم، من بعد حضاري عريق، يعود إلى العصر الجاهلي وصدر الإسلام، يوم كانت أسواق مثل (هجر والأحساء والمشقر)، تردد صدى المطارحات والمنافحات والمنافرات، من فوق تلك المنابر الشعرية الأصيلة، ثم ظلت سارية العطاء في القرون التي تلت، ففي القرنين الثاني عشر والثالث عشر، تعددت الملتقيات في الأحساء، وراح الناس يخصصون يوم الثلاثاء من كل أسبوع، عطلة أدبية، يلتقي فيها الأدباء بطلابهم، لمزيد من الثراء والعطاء الفكري.
- ربما عزا بعضهم، ظاهرة تعدد الندوات والمنتديات في الأحساء، إلى عدم وجود ناد أدبي فيها، فحرص أهلها على سد هذه الثغرة من عندهم، لاستقطاب الشباب والهواة ومن وفد عليهم، وهي في الحقيقة، حسنة تحسب لأهل الأحساء، وتجربة لافتة، جعلت أحد أدبائنا وناشرينا المشهورين، يغبطهم عليها، بل ويهنئهم أن لم يكن بينهم نادٍ أدبي..! حتى لا يختصم الشعراء والأدباء والمثقفون في الأحساء، على كرسي رئيس النادي (الأبدي)..! وكرسي سكرتير النادي (الأبدي)..! وكرسي أمين الصندوق (الأبدي)..!
- ما تقدم من كلام على الأحساء والقطيف، إنما هو غيض من فيض. ولكن.. ربما نلتقي في مقالات أخر. وقبل الختام، هذه تحية أخرى لأهل الأحساء والقطيف، ثم كلمة شكر، لكل أولئك الذين استضافونا، ثم سعوا في تعريفنا والتعريف لنا. وكانوا جميعهم على قولة الشاعر:


يا ضيفنا.. لو زرتنا لوجدتنا
نحن الضيوف.. وأنت رب المنزل

Fax: 02 73 61 552


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved