Tuesday 25th May,200411562العددالثلاثاء 6 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

المصارف ومؤسسة النقد المصارف ومؤسسة النقد
تعاظم الأرباح وقلة التوظيف والرواتب
لماذا لا تدرِّب وتوظف السعوديين العاطلين عن العمل مقابل 1.5% من الأرباح (75) مليون ريال سنوياً

منذ أكثر من 6 عقود لم يكن يتجاوز عدد المصارف السعودية ثلاثة، تمرغت في نعمة الاستحواذ على سوق المال والأعمال، وشاركتها مصارف من (الاندوشين وملي إيران وسيتي بنك) وغيرها، حتى تحولت وفق قرار حكومي سيادي إلى مصارف مشتركة في الإدارة ورأس المال مع الوطن الذي غنمت فيه ولم تغرم. وكان الهدف المنظور من قرار الحكومة هو التحول استراتيجياً بفكر ومهنية وأداء وممارسة العمل المصرفي ليكون أكثر إسهاماً وفاعلية في التنمية الوطنية اقتصادياً واجتماعياً، والانطلاق والانعتاق من نمطية فكرية منع من تطورها قلة الكوادر الوطنية بسبب يسر التعليم مساحة وساحة. صحيح أن حالة النقد سيولة وتدفقاً كان محدود النطاق؛ إذ لم يكن المنظور المحلي يتجاوز تبديل النقود التي يحملها الحجاج، بل لم تكن العملة الريال سوى صك تعهد من المصرف المركزي للحجاج بدفع ما يعادل ما يجلبونه معهم من أموال لصرفها على أعمال النسك من أجور سكن ونقل وطعام. لكن حال النمو والتطور بفعل الاستقرار والقرار السياسي والاجتماعي نقل البلاد في بداية السبعينيات الميلادية بفعل ارتفاع أسعار النفط من دولارين إلى ما يزيد على أربعين دولاراً لبرميل النفط إلى حال تبدلت فيه حالة النقد سيولة وتدفقاً. ولأن القيادة السياسية آنذاك بقيادة الملك فيصل -رحمه الله- قد نقلت الإدارة إلى نقلة كمية ونوعية هائلة في الفكر والمفاهيم حين وضعت أول الخطط الخمسية التنموية، واستعانت بكبرى الشركات العالمية للتنظيم والإدارة؛ مؤسسة فورد. وطبعي أن يقابل حجم الأموال التي عادت على الوطن من دخل النفط الهائل أن يوجد القنوات اللازمة للإنفاق، فتم الصرف المتوالي على بناء البنية التحتية التي نقلت المجتمع السعودي من معيشة الكفاف والتواضع في التنمية العمرانية والبشرية والاقتصادية إلى مجتمع قابل للتحول من مجتمع يسير التحضر إلى المدنية، وفق منظور التدرج في أي مجتمع تقليدي يصعب إحداث التغيير فيه بسهولة. فقد كانت سبل القرار والاستقرار السياسي والاجتماعي أسساً لوضع قواعد البناء على أرضية صلبة، تحولت البلاد إلى ورشة إعمار نجحت القيادة السياسة في مغالبة التحديات من اختناق الموانئ وقلة منتجات وأدوات العمران. وتبعاً لهذا تنامت حركة المال وبركته، فتبدل حال الأرض إنساناً وتربة وتربية. وكان أهم التحولات في العنصر البشري الذي نهل من التعليم وأثمر النهل والاستثمار، وهذا ما أخجل ما كان من طروحات انفعالية بحكم السن بالطبع؛ حيث كان انتقاد الحكومة ونحن طلبة في الجامعة ثم في الدراسة العليا في أمريكا، حيث كان مخيالنا أن تستثمر العائدات بشكل آخر، لكن بُعد النظر للقادة والقيادة كان أوسع وأشمل.
نقود وعقود وعائد مفقود
شربت المصارف المال زلالاً، وشرب الوطن كدراً وطيناً، فقد احتفلت الشركات العالمية التي نفذت مشروعات الطرق والماء والإسكان والبلديات وغيرها بعمل كعكة الفرح وأكلتها في احتفالات تنكرية لمورد هذا الرزق، وتفاخرية في بلادها بالدسم والسمن لا السمنة؟ فلم يكن هنالك أي أثر حتى ولو من باب الدعاية بوجود أي إسهام في التنمية الوطنية حتى لو بناء قاعة محاضرات أو دار سينما أو رسماً جمالياً تذكارياً في مدخل أحد البلدان كذكرى جميلة ومنة على الأقل؟؟ بعد هذا الرخاء جاءت الحرب التي وصفها زهير بن أبي سلمى:


وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو
وما هو عنها بالحديث المرجم

تراجعت بنود الصرف والإعمار إلى نسب متدنية، فقد أكلت الحرب موارد مالية وبشرية، وتبع ذلك تبديل القيادة السياسية إلى نظرية الإدارة بالأهداف ووفق الممكن المنال. وحكمة الله ورحمته وسعت كل شيء، فرب ضارة نافعة، فلقد تبدل الحال إلى اتباع نظم إدارية متجددة، لم يصاحبها كثير تنفيذ، لوجود معوقات كثيرة لا أرى فائدة من التطرق إليها، فقد تنامت أعمال وأموال، وبرز أصحاب مال وتمويل، ونشطت العقول في البحث عن عوائد تنمي وتدير المال وفق تشريع الحق تبارك وتعالى: {َكيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء}، وفق نظرية تبادل المنافع مضاربة أو مصانعة أو استزراعاً وغيرها من نظم الاقتصاد والتمويل الإسلامي. قبل بروز تواقيع مشايخ الاستثمار التي وضعتها المصارف دعاية لها ليس لها أحياناً نصيب من الصحة في الاجتهاد. لكن هل كان مقدار الوعي لدى المصارف المحلية بل وحتى المصرف المركزي مسايراً لما حصل في المجتمع من تحولات وفي العالم من تقارب وترابط ؟؟ لا أقول: إن ذلك قد حدث بما يتفق والحال السائد المعاش اليوم. بل لعلي أقول: إن المصارف المحلية لم تُجارِ المستجدات في صناعة المصرفية العالمية بما يليق بالسمعة والمكانة السياسية والاقتصادية والثقل في المرجعية الدينية للوطن كقبلة لأمة الإسلام, بل الأخطر من هذا أن المصارف قد أصبحت صانعة للبطالة في المجتمع السعودي -فيما نصفه- كما قال رجل الأعمال المثقف حسين شبكشي في مقال له في صحيفة عكاظ 12-5-1422هـ.
أمعنت النظر في حالة المصارف المحلية، فوجدت مدارات للحوار من أجل تبديل (الركود) في الفكر المصرفي والممارسة والأداء المهني المتخلف عن متطلبات العصر ولغة المال والأعمال وعقلية المجتمع السعودي الشابة التي تصطلي من مآسي التوظيف المفتعلة وندرة المقاعد في الجامعات، رغم إنكار الواقع لوضع بلادنا وغناها؟؟
ولعل من أهم الأسباب التي جعلت المصارف ينطبق عليها السجع (لا شايف ولا شاكر ولا حمدان)، وتأكل دون حمد أو هضم، وتحجم عن القيام بدور فاعل في التطوير للإسهام في تنمية الوطن، لا منة ولا إحساناً، وذلك وفق التصورات التالية:
- لا زالت بعض المصارف توظف صرافين غير سعوديين، والتساؤل هنا: هل في هذا عضل للعقل السعودي أنه لم يُخرج تعليمه مَن يستطيع القيام بأعمال الصرافة من خلف الشباك؟ وهل بلغ العجز من المصارف ألاَّ تقدر على تدريب مكثف لكيفية وطريقة التعامل مع النقد؟ بالطبع هنالك مصرفية تحتاج إلى وجود خبرات عالمية لكن ليس لمثل هذه الأعمال.
- لماذا بعض مصارفنا ما زالت توظف غير سعوديين بـ(1500) ريال؛ لكي توفر مثله في توظيف سعودي أكثر نفعاً للبلد أمنياً واقتصادياً واجتماعياً؟ وبالطبع هذا لا وَفْرَ فيه مقارنة بما يدفع من رسوم الإقامة والاستقدام، وقبل وبعد خسارة الاقتصاد الوطني في الفاقد من التحويلات من العمالة المستقدمة لبلادها، بخلاف قلة أي قوة شرائية داخل الوطن؟ بل لعل العامل الأخطر هو إسهام هذه العمالة في تهريب استثمارات السعوديين إلى الخارج وتقاضي عمولات كبيرة.
- كم هي المبالغ التراكمية وأرباحها المركبة للحسابات الراكدة لا من الركادة؟؟ ولا أعلم هل تبدل الحال اليوم بعد تشديد متطلبات تجديد سجلات الحسابات التي أصدرتها مؤسسة النقد (المصرف المركزي)؟
- كم حجم الأموال التي تقول المصارف عنها كل عام أنها مشكوك في تحصيلها، ثم تحصل وتدخل الخزينة؟ ولعل المثال القريب المليار ريال التي عادت قبل أوانها لأحد المصارف.
- كم حجم الأموال عديمة الكلفة التي يضعها المودعون في حسابات جارية لا يأخذون عليها أي عائد رغم استفادة المصارف من هذه الأموال ليلاً ونهاراً بأرباح ضخمة باهظة العائد على المصارف قليلة النفع والعائد على المستهلك السعودي الذي لا يحترم حتى في أدنى العمليات المصرفية الروتينية كسداد فواتير الهاتف والماء والكهرباء أو دفع رسوم خدمات الحكومة؟
- ماذا قدمت المصارف للوطن إنساناً وتربة من أرباحها التي تجاوزت العام الماضي (5000000000) خمسة آلاف مليون ريال؟
- وهنا تساؤل مر لا أعلم أيوجه للمصارف أم للمصرف المركزي أم لوزير المال /الاقتصاد أو التجارة، وهو: ما العائد من تضخيم وتعاظم الأرباح؟ فحسب فهمي المتواضع في الاقتصاد أن الأرباح إذا كانت لا تؤثر في تحسين الرواتب والتوظيف للسعوديين الذين يتسكع العشرات منهم من خريجي الثانوية والجامعات في الشوارع يقاومون البطالة المصنعة بفعل سياسات المصارف؟؟
- لماذا لا توظف المصارف خريج الثانوية براتب 4000 ريال، والجامعي براتب 6000 ريال كحد أدنى، فهي أقل حسبة من المستقدم حتى لو كان مرتبه 1500ريال؟؟
- ما إسهامات المصارف منفردة أو مجتمعة في نقابة تحت إشراف المصرف المركزي أو وزارة المالية أو التجارة في فتح معاهد تدريب مهنية لإحلال السعوديين العاطلين عن العمل من خلال تدريب مكثف متواصل لا تزيد مدته عن 3-6 شهور لأعمال الصرافين والخزينة والأسهم التي يمكن أن يقوم بها خريجو التاريخ والجغرافيا والهندسة النووية والطب والهندسة بعد تأهيل مهني لمدة لا تزيد عن ستة أشهر؟
- ماذا سيكون حال البطالة في بلدنا لو جنبت المصارف فقط 1.5% (75) مليون سنوياً من جملة الأرباح السنوية ورحلتها لحساب التدريب والتوظيف باسم الوطن والأجيال، خاصة أن جل المصارف قد غطت بالكامل الاحيتاطيات النظامية؟
هذه الأسئلة لها عندي إجابات مختصرة، وهي كما يلي:
1- هيمنة عدد من السعوديين على مجالس إدارات المصارف، وممارستهم التحكم في أقنية المعلومات عن طريق توظيف موظفين غير سعوديين من أجل سهولة الإبعاد، حتى اهتزت الثقة من بعض رجال الأعمال في الإفصاح عن أموالها، وذلك باتباع لعبة دفن الرؤوس في الرمال؛ حيث اعتقد البعض أن توزيع أمواله المودعة على عدد من المصارف فيه شيء من الأمان، مع أن المثل يقول تبديل السرير لا يشفي من الحمى.
2- أبدية ودوام استمرارية موظفين قياديين وتنفيذيين في مراكز التوظيف، سواء من السعوديين والعرب أو غير العرب، وصبغهم سياسات ومفاهيم التوظيف بنظرتهم المتخلفة عن مجاراة وفهم لغة المال والأعمال في عصر لم يعد يعترف باللغة التي تعلمها هؤلاء الطاردون لأي سعودي، يأتي بفكر وعلم ولغة جديدة لا يفهمها مَن مضى على وجوده مهيمناً على سياسة التوظيف بعقلية خارج المنهج والسلوك، وهذا شأن السعوديين على وجه الخصوص حتى لو كان عضواً منتدباً، فإن انتدابه لا ينتهي. والخوف هنا كما يقول المثل الشعبي: (ولد بطني يعرف رطني).
3- عدم فاعلية الجمعيات العمومية في محاسبة المسؤولين في البنوك. ولهذا لا شك علاقة بالسبب الأول. فلم أسمع أن أي مساهم قد سأل عن سياسات التوظيف والتدريب (كهم وطني) ولو من أجل عيون أقارب أو معارف، فكلما قل عدد المعطلين عن العمل قلت مساحة الحزن لأجيال الوطن.
4- غياب دور رقابي فاعل من الوزارات المعنية على مثل ما سبق، وما ذلك إلا بفعل تشابك وتداخل الاختصاصات بين وزارة التجارة، أو المصرف المركزي - مؤسسة النقد، أم وزارة المالية، سواء أكان الأمر متعلقاً بالمال أم بالاقتصاد.
محمد بن ناصر الأسمري
باحث ومستشار إعلامي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved