وثيقة العهد بين الالتزام والتطبيق

إذا كان يتعين البحث عن نجاح عربي فلن يكفي استعراض القرارات التي اتخذها القادة بل الأجدى لتقييم مدى النجاح رؤية مدى التطبيق الفعلي لتلك القرارات.
وفي قمة تونس تعهد القادة العرب أمام المولى عز وجل وأمام شعوبهم بأنهم سوف يسعون إلى تطبيق كل ما من شأنه تقوية التضامن بين أجزاء الأمة العربية وتوفير اللازم لتطوير آليات التعاون بما يتيح انطلاقة عربية سليمة تحدث التطورات النوعية المطلوبة..
كان ذلك فيما يتصل بوثيقة العهد والتضامن، التي وقّع عليها جميع وزراء الخارجية العرب والتي اقترحتها المملكة والتي تنتظر المصادقة عليها من قِبل الدول العربية..
وتنطوي الوثيقة، التي تشكل تحدياً لمدى صدقية العرب في تنفيذ الالتزامات، على نقاط يمكن إذا تم الالتزام بها الانتقال بالعالم العربي نقلة نوعية متطورة من جهة الفاعلية في الاداء وتلبية تطلعات الجماهير العربية في النمو والتطور والحياة الحرة الكريمة..
كما أن الوثيقة تشكل مؤشراً يمكن أن يقيس مدى النجاح المتحقق، ومدى الاخفاق ومن ثم يمكن اعتبارها محكاً مهماً للحكم على مدى الأداء في غضون العام، والمهم أن يتسم القادة بما يكفي من الوضوح لتعيين مواقع النجاح ومواطن الإخفاق وأسباب كل ذلك، فمثل هذا المسلك يتفق ومضمون هذه الوثيقة المهمة في العمل العربي المشترك..
ففي الوثيقة يتعهد القادة العرب بتنفيذ العهد لضمان مستقبل أفضل للدول العربية وشعوبها، وتجنب ويلات الفتنة والفرقة والتناحر، والعمل متضامنين ومتحدين لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة، سلام يقوم على مبادئ الحق والعدل وقرارات الشرعية الدولية واسترجاع الحقوق العربية المشروعة والأراضي العربية المحتلة.
التعهدات تشمل أيضا إطلاق تعاون فعّال في المجالات الاقتصادية بما في ذلك تشجيع التجارة البينية وتطويرها بما يفيد حركة التبادلات بشكل عام..
ومن المؤكد أن التزاماً يطول كافة المجالات الحيوية في التعاون والتضامن سياسياً واقتصادياً قد ينقل العمل العربي إلى مرحلة جديدة، تتحقق فيها إيجابيات عدة، وإلا فإن الفشل في ذلك قد يزيد فقط من حالة الإحباط ويفرض على القادة بالتالي أن يكونوا أمناء وأن يراعوا ما تعهدوا به أمام الله عز وجل وأمام شعوبهم ومن ثم فإن عليهم مكاشفة الشعوب بأسباب هذا الإخفاق..
ولأن هذه الوثيقة تأتي في مرحلة حاسمة، فإنها تستحق كل الاهتمام والمتابعة من قِبل الحكام والإعلام العربي والشعوب باعتبار أنها تشكل فرصة لدفع الأداء العربي المشترك إلى الأمام، كما أنها تتيح فرصة للمحاسبة على الإخفاق، الأمر الذي يستوجب إفساح المجال لمفاهيم جديدة تشمل بين أشياء عديدة، المكاشفة والمصارحة والشفافية والنقد الباني، كوسائل لا غنى عنها لإصلاح المسيرة ورفدها بعناصر تضعها في الطريق الصحيح.