Thursday 27th May,200411564العددالخميس 8 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

عالم.. لا يرحم السلاحف عالم.. لا يرحم السلاحف
فهد الغريري /محرر في (الجزيرة)

عندما كنا طلاباً في المراحل الأولية كان أهم ما في دروس القراءة ذاك الجزء المتعلق باستنباط ما يستفاد من الدرس، فوائد لم ترد صريحة في النص ولكنها موجودة في ثناياه على شكل أقوال وأفعالا نقوم بتحليلها لمعرفة دوافعها ونتائجها وحصر سلبياتها وإيجابياتها حتى نستفيد منها في حياتنا فنطبقها ان كانت إيجابية أو نتحاشاها ان كانت سلبية. وقد لاحظت خلال ندوة آفاق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي التي أقيمت في الرياض ان هناك عدداً من الرسائل التي نشرت في تغطية فعاليات الندوة، وقصدت من خلال هذه السطور ان أسلط الضوء عليها في قراءة مركزة قد تساعدنا في تطبيق ذلك الجزء المهم من دروس القراءة على هذه الندوة التي أعدها (درساً نموذجياً) نحن أحوج ما نكون إليه وإلى الاستفادة منه في ظل الظروف التي نمر بها وما نعانيه من تأخر وبطء في العملية التنموية، مع ملاحظة ان من أهم أسبابه الشح في الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في العالم العربي والذي يقدر بما يعادل 4% من معدل الإنفاق العالمي في هذا المجال كما أكد الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية في (منتدى المثقف العربي) المقام بالقاهرة في شهر مارس.
من سيربح المليون؟
شاركت المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا في تنظيم الندوة جنباً إلى جنب مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والمؤسسة لمن لا يعرفها هي من أقامت الندوتين الأولى والثانية في مقرها بالشارقة، ثم قررت التعاون مع المدينة لإقامة الثالث في الرياض، وهي ليست مؤسسة علمية بحتة يقوم عليها أكاديميون يرتدون نظارات مقعرة ويقبعون في معاملهم ومكتباتهم ثم يودعون نتائج بحثهم في الأرشيف! بل (علمية استثمارية هدفها تقريب وجهات النظر بين العلماء وبين رجال الأعمال الذين لا يتحركون إلا بحساب دقيق لموازين الربح والخسارة، ومهمة المؤسسة ذات شقين، الأول: إلزام العلماء بتقديم أبحاثهم على شكل دراسات جدوى اقتصادية، أما الشق الثاني فهو: إقناع رجال الأعمال بان استثمارهم في تنفيذ هذه المشروعات العلمية سيدر عليهم الربح مثلما تدره عليهم الأسواق وناطحات السحاب التجارية تماما بل ربما أفضل).
هذا الكلام المنصص أنقله لكم من حوار قصير أجرته (الجزيرة) مع الدكتور عبدالله النجار رئيس المؤسسة، وقد حمل التصريح درساً آخر في مدى إمكانيات العقول الكبيرة والإرادات الأكبر التي لن تتعب (في مرادها الأجسام) وخاصة ونحن في عصر التكنولوجيا، وذلك حين أشار إلى إنشاء شركة لبراءات الاختراع في كندا مع نقل أعمالها إلى دول الخليج قائلاً: (هذه الشركة عائدها الآن يفوق ثلاث ملايين ونصف دولار بينما كل الذي استثمرناه هو 200 ألف دولار فقد!).
ويقول النجار في آخر حديثه: (هذه إحدى نتائج التعاون والتقارب المرجوة لأنه لا يوجد في هذا الزمان أحد يعرف كل شيء أو يملك كل شيء).
فاتورة المواطنة
وشاركت أيضا في الندوة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وهي تمويلية بحتة، انها مثل (الحصّالة) تجمع فيها الأموال ويتم دراسة الأبحاث العلمية التي تقدم للمؤسسة ومن ثم الاختيار منها لتنفيذها، وتهتم المؤسسة بالأبحاث المشتركة بين العلماء في الخليج أو في المنطقة العربية والعالم، وفي تصريح نشر ضمن التغطية أكد المدير العام للمؤسسة ووزير التعليم الكويتي السابق الدكتور علي الشملان ان (الشركة مولت منذ بداية تأسيسها قبل 28 سنة وحتى الآن ما يفوق الخمسمائة بحث بما يقارب العشرين مليون دينار كويتي!).
مبلغ هائل يجعل السؤال عن مصادر تمويل مثل هذه المؤسسة يقفز إلى الأذهان، وقد أجاب الشملان على هذا السؤال قائلاً (الممول هو الشركات المساهمة الكويتية حيث تمنح الشركات خمسة بالمائة من أرباحها السنوية لوقفية المؤسسة بدون قيد أو شرط). أما رئيس هذه المؤسسة فهو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.
وماذا بعد؟
المعلومات أعلاه تم نشرها أثناء أيام الندوة، وقرأناها، فهل ستكون قراءتنا هذه نموذجية بحيث نكملها باستنباط ما يستفاد منها؟ وهذا كان من أهم ما جاء في البيان الختامي للندوة هو ضرورة الاستفادة من العقول العربية المهاجرة بحكم خبرتها ووجودها ضمن المنظومة العالية الجودة الموجودة في العالم المتقدم وتوظيفها لخدمة البحث العلمي العربي بما يدعم التنمية العربية، فهلا استفدنا على النطاق المحلي من تجارب الأشقاء حتى نطور بحثنا العلمي وندفع عجلة تنميتنا لتسير بشكل أسرع؟
لا شك ان مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تقوم بجهود دؤوبة لأداء الدور المنوط بمؤسسة علمية مثلها، وقد أتت الإشادات من قبل المشاركين في الندوة وعلى رأسهم الدكتور النجار الذي ذكر انهم لم يجدوا في المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا أفضل من المدينة كشريك تنظيمي في أول خروج لهم عن النطاق الإماراتي المحلي، كما ان الدكتور الشملان افتخر بتعاون مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مع المدينة منذ 25 عاماً، وهذه الإشادات تلقي على عاتق المدينة مسؤولية ضخمة فبقدر المكانة تكون التوقعات والتطلعات، وقد صرح الدكتور صالح العذل في بداية الندوة أنهم في المدينة يضعون نصب أعينهم الاستفادة من القطاع الخاص انطلاقاً من هذه الندوة. أشد على يد العذل والقائمين على المدينة وبما ان الآخرين قد سبقونا بمراحل في هذا المجال فهنا تتضاعف المسؤولية وهنا يجب ان تتسارع الخطوات للحاق بالركب، وعسى ان تكون انطلاقة سريعة لتدارك ما فات فان تبدأ متأخراً خير من ألا تبدأ أبداً.
وإذا خرجنا عن إطار الندوة وابتعدنا عن المدينة قليلا لنناقش مكانة البحث العلمي على جميع المستويات الرسمية فاننا سنصطدم بواقع يفسح للقلق مكاناً كبيراً في أنفسنا، فما هي الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في الوزارات الحساسة لدينا ولن نقول جميع الوزارات؟ ما هي الآلية التي تتحرك بموجبها وزارة في موقع حساس مثل وزارة الإعلام إذا كانت لا تملك ميزانية مخصصة للبحث العلمي في ظل الظروف الراهنة والضغوط التي تواجهنا ونحن جزء ضعيف من عالم تعيش الحقيقة فيه تحت رحمة الإعلام؟ ما هي الخطط التي تتحرك بموجبها وزارة التخطيط بلا بحث علمي تخصص له ميزانية ضخمة؟ وما قدر الميزانية المخصصة للبحث العلمي في وزارة التربية والتعليم مقابل المبالغ المخصصة لطباعة نسخ بأعداد هائلة من الكتب والمفكرات ثم إعادة سحبها من المدارس وإعادة طباعة نسخ جديدة بعد تعديل الأخطاء، هذا عدا الكتب التي تطبع كل سنة بدلا عن الكتب التي ترمى في حاويات القمامة نهاية كل موسم للامتحانات؟
هل من مؤسسات علمية وتمويلية تقف جنباً إلى جنب مع مدينة الملك عبدالعزيز لما فيه صالح هذا الوطن وتقدمه التنموي؟ وهل من شركات مساهمة وطنية تدفع لهذه المؤسسات وتمول البحوث العلمية وتتحركان معا وفق خطط مدروسة ورؤى واضحة ينتج عنها خطوات غير تقليدية فيها التجديد والابتكار والاقتحام لهذا العالم المتسارع الذي لا يرحم السلاحف؟
الأسئلة كثيرة لأن طموحنا كبير، التحديات ضخمة والصعوبات جمة، ولكن الكفاءات عالية والإمكانيات متوفرة، الدروس كثيرة أيضا وسيبقى للمهتمين ان يستنبطوا ما يستفاد منها ومن ثم يوظفوها ليعطوا الأجيال القادمة دروساً جديدة فضلا عن القديمة التي ذهب أغلبها أدراج الرياح وبقيت فوائدها سطورا على ورق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved