Sunday 30th May,200411567العددالأحد 11 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
لغة الجمال
عبدالرحمن بن صالح العشماوي

حينما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - لِمَنْ سأله عن سبب قول العرب في تصغير (واصل) أُويصل، وعدم قولهم (وُوُيصل): إنما قالوا ذلك حتى لا يتشبهوا بنباح الكلاب، فإنه رسم بهذا الجواب ملامح الجمال ورقي الذوق في لغة القرآن الكريم.
وحينما قال أبو بكر الصديق للرجل الذي قال له إجابة عن سؤال، لا رحمك الله قد علمتم لو تعلَّمتم، هلا قلت: لا، ورحمك الله، فإنه رضي الله عنه يرسم بجواب هذا: أوضح ملامح الجمال في لغة القرآن.
وحينما قال المأمون لأحد جلسائه حينما حضر الطعام: ألا تأكل معنا؟ وقال الرجل: لا، وبارك الله فيك: والله إن هذه الواو التي جئت بها بعد لا، أحسن من أطايب الطعام، فإنه كان يرسم أيضاً ملامح الجمال في لغة الجمال.
وحينما نرى أوامر الشرع الإسلامي الحكيم تأمرنا بالحسن من القول، والطيب من الكلام، وتنهانا عند البذيء الساقط منه، فإن ذلك يؤكد لنا أن لغتنا العربية الفصحى هي لغة الجمال، لغة الإبداع، لغة الإمتاع، لغة العبارة الفصيحة، والجملة البليغة، والمعنى السليم، اللغة التي تعبر عن مشاعرنا، وأفكارنا، ومعانينا أحسن تعبير وأبلغه واجمله، إنها لغة الجمال.
لم يكن أفضل الناطقين بها عليه الصلاة والسلام سَبَّاباً ولا صَخَّاباً بالأسواق، ولم تكن تجري على لسانه الطاهر عبارة تجرح المشاعر، أو تنبو عن الذوق، أو تسيء إلى مستمع، فهو بذلك يضع أمامنا أوضح صورة وأكملها للغة الجمال.
حينما علم - عليه الصلاة والسلام - أن عكرمة بن أبي جهل سيأتي إلى المدينة بعد فتح مكة تائباً مؤمناً، قال لأصحابه: إن عكرمة سيأتي تائباً فلا تسبوا أباه، فإن السب يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت.
لغة جمال وكمال لأنها مرتبطة بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومرتبطة بسنة أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام الذي لم يكن يرضى بالفاحش من القول، ولا بالبذيء المستكره من العبارات.
لغة الجمال لا تفتح أبوابها إلا للكلمة التي تبني، وتوجِّه، وترفع، وتدعو إلى الخير، الكلمة التي ترضي الله عز وجل، وترفع مكانة قائلها عنده في مقامات أهل الإحسان قولاً وعملاً.
لغة الجمال موصولة الحبال بفضائل الأخلاق، وجلائل الأعمال، وعظيم الصفات، موصولة بالحب الذي لا مكان فيه لحقد حاقد، ولا غيلة مغتال، ولا غيبة مغتاب، ولا موقع فيه لنميمة توغر الصدور، وتشحن القلوب بالبغضاء وحسبنا بلغة توصل حبالها بالخير شرفاً نفاخر به في كل زمان ومكان.
إنها اللغة التي لا تحتمل ألفاظ السب والشتم لأبي جهل أعدى أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأشدهم عليه عنفاً وجوراً بعد موته، لأنها لا ترضى أن تكون سبباً في إيذاء ابنه عكرمة الذي آمن بالله ورجع إلى الحق بعد رحلته الطويلة مع الباطل، إنها لغة المشاعر، لغة القلوب وأحاسيسها المرهفة، وما دامت كذلك فهي لغة الجمال.
إن بين لغتنا وبين الجمال المادي والمعنوي، الشكلي والمضموني عروةً لا تنفصم، وعلاقةً راسخةً لا تنقطع، فإذا شذت عنها بعض الألسنة وتناءت عنها بعض الأفواه الناطقة فإنما هو خلل عند من شد وتناءى، وانحرف عن أساليب جمالها الأَخَّاذ، وسحرها الحلال، أما هي فإنَّ بينها وبين الإساءة، والخلل ما بين المشرق والمغرب.
إشارة


إنْ قدَّم الناس أشواكاً إليك فلا
تنظر إليها وقدِّم أنتَ أفوافا


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved