Sunday 6th June,200411574العددالأحد 18 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

الانتماء العربي في شعر القرشي الانتماء العربي في شعر القرشي
د.إنصاف بخاري

الشاعر إنسان قبل ان يخطو أولى عتبات الشاعرية وإنسان بعد ان يعتلي هامتها.. والإنسان فرد في مجتمعه ومواطن في دولته، والمجتمع لبنة الوطن، والوطن فرع أوطان تكون مجتمعة أمة من الأمم، وهذا التركيب الكياني يجعل الشاعر فردا في أمة لا ينفك عنها، يسعد لما يسعدها ويحزن لما يحزنها تؤثر فيه ويؤثر فيها وللبيئة تأثيرها في الفرد مناخياً، سياسياً، اقتصاديا، اجتماعياً.. إلخ.
والشاعر إنسان يمتاز بالقدرة على التعبير عما يشعر به بأرقى الأساليب الأمر الذي يجعله متحدث الأمة ولسان حالها.
انطلاقاً من هذا الدور المتميز العظيم لعموم الشعراء فى أممهم وجدنا الشاعر الحجازي المشرئب الطموح حسن بن عبدالله بن صالح بن سليمان القرشي يحمل على عاتقه تبعة عظمى ومسؤولية كبرى فهو لا يعيش لذاته فقط ولا يعبر عن آلامه وآماله وحده بل تمتزج أمته بكيانه وتختلط أحداثها بدمه، فكثر هي الحوادث والأحداث التي أصابت الأمة العربية في أجزاء من أراضيها أو أعضاء من كيانها ووجدناها في شعر القرشي دماء تسيل أو ابتسامات آمال تعلو.
والقرشي بحكم بيئته التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الكيان العربي، بل هي قبلته كان خير ممثل للعروبة وقضاياها، إضافة إلى عوامل عدة أكسبته التميز في هذا المجال هي:
تخصصه في دراسة التاريخ.
ولعه بالرحلات وزيارته لكل الدول العربية وغيرها.
تمثيله لبلاده من خلال عمله سفيرا للمملكة في عدة دول.
روحه المتوثبة وصلاته الوثيقة بكثير من الشخصيات العربية خارج بلاده.
نزعة الانتماء التي تميزه وطنياً وعربياً وإنسانياً.. يقول:


أريد عالمنا الأرضي منسكباً
به الأمان مدلي فوقه الثمر
يفيض بالمرح الموار اجنحة
خُضراً وأفئدة بالحب تأتزر

والقرشي إضافة إلى كونه أحد أولئك الذين تلقفوا الراية الشعرية في وقت عصيب، تقف فيه المملكة على مفترق طرق الحضارة التي اعتزمت ان تتخلل كل المجالات في عهد انطلاقتنا الحضارية الشاملة أيضاً هو الشاعر السعودي الذي عاصر أحداث الأمة العربية ما يناهز خمسة عقود من الزمان أي في أحقاب متتالية وهو كذلك الشخصية الأدبية التي تخطت الحواجز وتجاوزت حدود الوطن شهرة وسيرورة في وقت لم يكن فيه هذا البروز بالأمر الهين ولا الميسور. ومن هنا بدت مسؤوليته أكبر ودوره أكثر فاعلية لاسيما وهو المؤمن بأن للحجازيين أصالة خالصة النكهة، خاصة السمة(4)، إضافة إلى إيمانه بأن العروبة في حاجة إلى من يحسن تذكيرها بأمجادها الغابرة والحاضرة، وإلى من يصلها بماضيها الأقدس الزاخر، وإلى من يسجل لها الملامح الغراء لذلك الماضي في صدق وجهارة وفخر عملا لحاضر اكثر اشراقا وبهاء(5).
وشاعر كالقرشي يقول عن نفسه واصفاً حاله مع أمته 'إنني احيا ما استطعت هموم قومي في هذا العالم المتناقض المضطرب المغلف بالضباب.. وما من ديوان من دواويني إلا وفيه نبض لهذه الهموم المتفاقمة ومحاولة لتحريك الطاقات الإنسانية نحو عالم أفضل ونحو مثل عليا(2) لابد ان يشغله مصير العروبة بشجونه وشؤونه فيفرد للحديث عنها المساحات لاسيما وهو الشاعر الذي يؤكد على ان الشعراء هم مركز الحس في عصب هذه الأمة الأبية يصوغون لها النشيد ويلحنون لها القصيد وقد تجاوزت دواوين القرشي سبعة عشر وحوت ما يزيد على أربعمائة قصيدة أوقف ما يربو على مائة وخمسين منها على العروبة وقضاياها، ومن ضمن ذلك ثلاثة دواوين كاملة هي (لن يضيع الغد، نداء الدماء، فلسطين وكبرياء الجرح) وعقب عليها بقوله (لست مسؤولاً عن الوصول إلى قمة النجاح أو الهبوط إلى وهدة الاخفاق في هذا المضمار ولكنني مسؤول عن نكأ الجرح ومحاولة سكب البلسم الذي قد يكون فيه برؤه وشفاؤه)(3).
وان من يعايش نتاج القرشي الشعري يجد الوطنيات والغزل في مقدمة أغراضه كثرة وتفننا، ذاك لأن كليهما وجداني لا ينفك من أساره شاعر، بل كثيراً ما تمتزج المشاعر فتنطلق الوطنية لدى الشاعر من منطلق وجداني غزلي بحت، تكون فيه أمته هي المعشوقة ووطنه هو الحبيبة التي يحدوه الشوق إليها.ومن هنا فقد تجلى الانتماء العربي في شعر القرشي في مظاهر واتجاهات هي:
الحدث السياسي، تصويرا وتسجيلا للأحداث والحوادث التي عاشها في عالمه العربي.
البلاد العربية.. وقد وقف عندها مواقف متعددة، فإما غناء وتغزلاً وهو الأكثر تميزاً واما بكاء وتحسرا أو حنينا وتشوقاً. الشخصية العربية.. وقد وقف الشاعر مع عدد من الشخصيات التي كان لها دورها البارز في احداث بلادها.
ومن الأحداث السياسية التي وقف عندها القرشي فيما يقارب أربعين قصيدة مأساة فلسطين وهي أشد المآسي العربية ايلاماً واكثرها نزفاً للدماء وتفتيتاً للأكباد، وقد شغلت هذه المأساة وقضاياها مساحات عريضة في شعر القرشي فمن قصائده فيها «نشيد فلسطين، موعد كفاح مقدس، اللاجئون، ربى القدس، حطين، قلب جريح، فجر، عندما يترجل الفرسان، دم الشهيد، الجرح المدمى، الأطياف الممزقة، سقوط أوراق التوت..) والمتصفح لهذه القصائد يجد مضامينها ما بين ثورة ويأس وشكوى وأنين أما اساليب القرشي في معالجتها فمختلفة متعددة، اعتمد في كثير منها لحاجة نفسية ملحة على استيحاء الماضي وإبراز المفارقات العجيبة بين ما كان في هذه القضية وما هو كائن وما ينبغي ان يكون عليه الحال.. ومما قاله بعد مرور ثلاثين عاماً على احتلال القدس، واليأس يكاد ان يطبق على أنفاسه فيثور تاركاً رغبته في الثأر تصرخ:


سنشهر للثأر أمضى سلاح
ونصلي العدى مرهفات الصفاح
فمنا (المثنى) ومنا (صلاح)
ونحن ليوث الوغى في الكفاح

ومما قاله مخاطباً «فلسطين ، ديار العز» محاولاً شحذ الهمم وايقاد جذوة الأمل:


إن يكن يومك أبكانا دماً
فالغد الوضاح إيراق وأمن

ويقف الشاعر عند أطفال الحجارة بوصفهم كتائب فوارس تعزف ترانيم النصر.. فيقول:


كسروا عن الدر المحارة
واستنطقوا الصم الحجارة

وحين يصطدم الشاعر بالواقع يوقن ان الخطب عظيم وان «ليس لها من دون الله كاشفة» فيهرع إليه سبحانه قائلاً:


يا إلهي ما حل بالقدس يفري
كل قلب ويصدع الأكبادا..
افترضى ان يستباح حماه
وهو مهد الإسراء جل مهادا
إيه حاشا فأنت من يمنح النصر
ويجلو الأسى إذا الخطب زادا

ومن مأساة فلسطين إلى مأساة الجزائر التي نالت حظاً وافراً في دواوين القرشي بوصف الجزائر ذلك القطر العربي الصلد الذي لم يركن إلى البكاء واليأس وتأبين الشهداء، أو الهجرة عن الوطن او انتظار المعونات، بل ثار مضحيا بالنفس والنفيس لاسترداد حقه.. ومما قاله القرشي ما ورد في قصيدة (ثورة الاحرار) تحية لأبطال الجزائر في مطلع نضالهم، وما ورد في قصيدة (مع الجزائر) وفيها يقول على لسان جزائري مكافح:
أمستعمرون ومستعبدون؟
بدار بها يعربي الكفاح
محال.. محال..
فنحن رجال
وأشبال أسد نماها النضال..
وتتنازع يراع القرشي وتتوزع نفسه أحداث عربية أخرى فنراه في الشام وفي ربوع العراق وتونس وزنجبار والسودان ومصر وغيرها يسكب على كل أرض منها شهقة من فؤاده في دلالات خصيبة وصور كثيفة وايحاءات ثرة..
فالقرشي في مصر عام 1952م وعند تأميم قناة السويس عام 1956م والعدوان الثلاثي عليها في العام نفسه وعند استعادة (طابا) وحتى حين يصيبها زلزال يفتك بعدد من الأنفاس فيها، يقول القرشي مشاركاً في هذا المصاب الجلل بقصيدة جميلة عنوانها (مصر في خضم الزلزال):


كيف ارتضى الزلزال ان
يغزوك بالحقد المهين
فكأنه وحش ترص
د غفلة الصيد السمين
لو كان للزلزال قلب
ما سطا سطو الجنون

ويفيض نيل السودان وهو بلد عربي شقيق فيقف القرشي عند هذا الحدث في قصيدة«النيل حيث يثور».


حنانيك يا (سودان) لا غالك الأسى
ولازال مرفوعاً لك القدر والذكر
أيفجؤك النيل السخي بسطوة
مزمجرة والنيل من خيله التبر

والقصيدة من نتاج الشاعر الذي يميل فيه إلى الفلسفة والتأمل، ولعلها من عيون شعر القرشي في هذا الجانب.
وينتهي الحكم العربي في زنجبار قاعدة العروبة والإسلام في افريقيا الشرقية فيتزلزل الصرح الذي ظل شامخاً قروناً عديدة فيقول القرشي متأثراً ومؤثراً:
زنجبار
اذكروها يا رفاقي فهي مأساة جديدة
اذكروها
فهي آلام وليدة
نكبة حلت عتيدة
اذكروها يا رفاقي
فلقد ولت إلى
غير تلاق
أُطفئت فيها مصابيح العروبة..
والقصيدة تنم من انتماء عربي أصيل، وهي من جيد شعر القرشي وأكثره تأثيراً في الوجدان العربي.
وعرف الشعراء تونس طبيعة يهيمون بجمالها أما القرشي فرأى فيها ماضيا اندثر وتمنى لها حاضرا يحلم به، وأكثر من ذاك رأى فيها أمته الإسلامية كلها كما رأى فيها عالمه العربي الكبير، لأنها مجمع لسمات كل قطر منه.. يقول:


اني أرى في (تونس) طيفاً ل(مكة) و(الجزائر)
وأرى هنا (السودان) و(الارز) المكلل بالأزاهر
و(دمشق) و(اليمن) الحبيب و(مصر) تهتف للبشائر
و(المغرب) الأقصى أرى (الأردن) مأسدة القساور
وأرى (الكويت) أرى هنا (بغداد) ثائرة وثائر

وفي الشام نقف مع الشاعر عند مأساة لبنان عام 1958م التي استمرت قرابة خمسة عشر عاما.. ومما قاله القرشي في قصيدة طويلة عنوانها (بيروت في قبضة الظلام).


انكرتك أمس.. أنا انكرتك يا بيروت
أنكرت عروس الفجر عروساً في التابوت

ومن بيروت إلى الأردن التي حاولت إسرائيل تحويل مجرى نهرها فثار العرب وعُقد لذلك مؤتمر القمة العربي في القاهرة عام 1373ه في الثامن والعشرين من شعبان، لمحاولة صد اجرام اليهود واعتداءاتهم فانطلقت شاعرية القرشي بقصيدة منها:
اشعلوها.. اشعلوها
في ثرى أرض الأبية
اشعلوا النار الذكية
نار حرب عربية..
وفي دمشق كانت الأحداث بينها وبين إيران فالتقطتها عدسات الشعراء، كل حسبما يرى.. يقول القرشي مخاطباً دمشق:


دمشق انا على العهد الذي كانا
ورزؤك اليوم بعض من رزايانا

وتطول ملحمة العراك بين العراق وإيران فيسجل القرشي كثيراً من أحداثها، وفي قصيدته (ملحمة الفاو) شاهد ذلك.. ولكن موقف القرشي من العراق يختلف في حرب الخليج فنراه لائماً لها حائفاً منها حيث يقول:


تطيش الرؤى في خاطري وتغيمُ
وتملأ روحي بالرماد همومُ
أصفين بين العرب تستأثر المنى
ويحدو خطى هذا الجحيم جحيم
أضيعت عهود واستبيحت محارم
واب بضيم الثاكلين مضيم؟!

والمتتبع لشعر القرشي في هذا الشأن يجده سجلاً تاريخياً وخارطة أدبية تنظم العالم العربي كله، والأمر في الأحداث والقضايا لا يتوقف عند حد الحوادث بل الأحداث أيضاً فكثيراً ما هزج القرشي لأفراح العروبة وبوارق سعدها.. من ذاك تغنيه باجتماعات مجامع اللغة العربية في العراق وعمان والقاهرة ودعوته من خلال ذلك إلى التضامن العربي ووحدة الصف لمواجهة جراح العروبة النازفة.. انظر على سبيل التمثيل قصائده (في موكب المجد) .. و(أمة العرب) و(في عذاب الصمت) و(ثقوب في جدار العروبة) و(نهر السراب) و(سقوط أوراق التوت) و(نشيد العروبة) و(تحية لمجمع اللغة العربية) و(شعب مارد)
وفي ظل هذا الوضع البئيس للعام العربي يحاول القرشي ان يضئ مصابيح الأمل فيقول:
يا وطني العربي المُطرِق فوق الجرح
انهض لاتمكث مهموما
يا وطني سوف يجيء الصبح
والبلدان العربية إحدى الاتجاهات التي طرقها الانتماء في شعر القرشي، والعالم العربي في جغرافيته مجموعة أقاليم يسكنها أناس متحدو الدين واللغة متقاربو اللهجة والعادات والتقاليد، مما أورثهم ذكريات مشتركة وتاريخا متحدا ودماء متوافقة ونبضات متجاوبة متآلفة.. ويبرز عند القرشي هذا الاتجاه في صورة التعلق بالمدن والتشّوق إليها والتغني بها ولها أكثر من بكائها.. والتحسر عليها.. وها هو ذا مع السودان الحبيب حيث يقول:


لقد ذقت حرّ الاغتراب بغيره
فهل موطني (السودان) من حيث لا أدري

وهو القائل فيه:


وكم شفّني عنك التنائي أنا الذي
إذا ذكر (السودان) هاج بي الشعرُ
ورفّ رفيف الذكريات حبيبة
معطرة يهفو لها الروح والصدر

وحين يأتي إلى السودان سفيراً لبلاده يقول في تحيتها:


جئتكم شاعراً ولست سفيرا
حاملاً مهجتي وقلبا طهورا
ولساناً بسحركم.. يتغنى
أيها الساحرون هاتوا البخورا
إن سودانكم سرى في ضميري
سريان الربيع يُهدي العطورا
إنّ فيكم فروع أهلي (عدنا
ن) (قريشا) (فرذدقا) و(جريرا)
وحّدتنا وشائج زاكيات
فنمتنا عقيدة ومصيرا
فدعوني أطر هنا بجناحين
ومدّوا في نيلكم لي سريرا

وكذلك حال القرشي مع مصر الذي شهد له (طه حسين) بوصفه المتميز لنيلها، ومع تونس الخضراء التي خاطبها بقوله:


من حمى (مكة) من خير حمى
قد أتيناك ومن (نجد) الخزامى
نتهادى الفكر علوىّ السنا
ونغني الشعر قنديل اليتامى

وبغداد التي يقول فيها:


هل لي ب(دجلة) موئلٌ
هل لي بها ريٌّ وشهد
(بغداد) هل لسنا العروبة مطلع بالسعد يبدو
إنا لنأمل في عز سأمنا وعزم الحرُّ جُندُ

هذا إلى جانب هيامه بوطنه الخاص المملكة العربية السعودية فتارة
هو في مكتها:


أيا قمة فوق هام الخلود
سمت بسناها الشذي العَطِرْ
وأخرى هو مع الطائف:
طبُّ العليل وبهجة المصطاف
ومنى الربيع ونهزة الوصّافِ
وثالثة هو مع نجد:
يا لناس الظباء منذ قديم
يتأبى الأسود فيكِ اهتضاما..
فيكِ سّر القرون من أمة العرب
تحدّى العقول والأفهاما..
قد أثرت الهيام في كل قلب
شاعريا وما شفيت أواما

ومن البلاد إلى الشخصيات العربية التي وظفها القرشي في شعره توظيفا فاعلاً.. وهي تتعدد ما بين الشعراء والفدائيين والساسة ورجال الدين والاجتماع.. فمع الفئة الأولى وهم الشعراء بدت أكثر وقفات القرشي، ولا ريب فهو العالم بمعاناتهم، الموقن بأن لهم في غزل إرادة شعوبهم أدواراً متميزة.. يقول القرشي في مقدمة ديوانه (أطياف من رماد الغربة).(الشعر عذاب ولكنه قدر الشعراء ولذلك فلا ينبغي أن يغبط الشعراء على ما امتحنوا به مهما أصابوا من مجد ومن شهرة ومن نباهة شأن، فإن ما يُستنزف منهم لقاء ذلك هو أغلى من الدم، إنه إكسير الحياة)
ويقول: (ولست أدري لماذا يسربل الشقاء حيوات الشعراء؟!ولماذا تظلل الكآبة نفوسهم.. قد يكون لأن شحنات الإحساس المختزنة في كيانهم أضعاف ما هو مختزن في نفوس سائر الناس... أو لأنهم يحسون من آلام الآخرين ما لا يحسه هؤلاء أنفسهم...) وليس أروع من وصف القرشي للشاعر في قصيدته (الشاعر).. فالشاعر هو الشخصية التي يوليها القرشي اهتمامه ويحس معها وإليها بانتماء يجمع أوصال الكيان ويلمّ شتات العروبة.. ومن أولئك الشعراء الذين وقف معهم القرشي وقفات فنية شاعرية متعددة الدلالات، خصيبة المعاني.. ابن زيدون، أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي أحمد باكثير وأبوالقاسم الشابي والأخطل الصغير وأمين نخلة، أحمد قنديل، محمد المهدي المجذوب.ومن الشخصيات الثقافية الفكرية موسى كرم صاحب مجلة الشرق وعدد من الشخصيات السياسية والفدائية وغيرها. وفي كلها يوظف القرشي الشخصية توظيفاً يبرز عمق انتسابه إلى العروبة ومدى ارتباطه بها وامتزاجه فيها وانتمائه إليها واهتمامه بأحداثها وقضاياها.
.. وبعد.. فإن من يرافق القرشي الذي انتسب قائلا:


وتسألني من أنا
ما كنت مجهول السنا
إني فتى من يعرب
ومن قريش مَعْدِنا(40)
قصيدة من ولهٍ
وملحمات منحنى..

إن من يرافق هذا الشاعر مسيرة سبعة عشر ديوانا ومجموعات مترجمة في زهاء خمسة عقود من الزمان يقف على أن الانتماء عند القرشي مطلب من مطالب الروح وحاجة ضرورية ملحّة، مبعثها شعور عميق بالانتساب والانتماء إلى أمته وأرضه نتيجة عوامل توحّد وثيقة جنسية ونوعية ودينية وبيئية ولغوية تجمع بينهما... وقد صدق القرشي مع نفسه وعروبته فتجسد الانتماء لديه في أرفع مستوياته وبد انتاجه الشعري خارطة عروبة ضمّت كل الاقطار ولاسيما تلك التي أبتليت بشيء من النُّوَب ومعالجة الشاعر للأحداث ومعايشته لها داخلية عميقة لا خارجية مسطّحة يكاد المتلقي أن يتجرع من خلالها مرارة الحدث كما تجرعه الشاعر وأن يشم من خلالها رائحة كبده المحترقة في أتون الحادثة.. يقول القرشي في مقدمة ديوانه (لن يضيع الغد) (هذا ديوان لم ينشر ليطربك أو يشجيك ويحملك مع الأطياف السحرية.. ولكنك ستشم منه رائحة الكبد المحترقة وتتجرع مرارة الذكرى القريبة.. وإذا لم يسهم الشعر في تصوير هذه المأساة ولم يرسم جانبا من أبعادها فإنه ينأى عن القيام بدور في معركة الحياة ويتخلى عن أداء رسالته..
ويقول في مقدمة ديوانه (مواكب الذكريات) (وما الشعر إلا دمعات وابتسامات وأفكار تتألق وجراح تسيل على الورق وقلوب وأكباد تحترق) .
إن صدق القرشي في انتمائه جعله يتفوق أسلوبا ومعالجة، وأن تفاعله الأصيل مع أمته وقضاياها قد هيأنا لمعايشة التجارب التي عاشها بنفس الصدق والحرارة كما أضفى على تجارب الانتماء العربي في شعره القبول، وأكسبها صدى طيبا في المحيط العربي من حوله، وظهر ذلك في الدراسات العديدة والمتقدمة التي اعتنت بشعره.وحسب القرشي في هذا المجال تميزه في استجلاء جوانب تجربته وفي إيصالها إلينا فاعلة مؤثرة.
والفاعلية والتأثير هما مؤشرا الصدق وجناحا الفن وعنوانا القبول ودليلا أصالة الشاعر وتأصّل تجربته.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved