Sunday 6th June,200411574العددالأحد 18 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

استرعى انتباهي استرعى انتباهي
(مأسسة) الفكر الوطني..قد تكون السبيل
د.عبدالله بن ناصر الحمود

عندما نعلم أن (كل ابن آدم خطاء) يلزمنا استقراء راشد لما نعلمه؛ فربما اعتدنا أن نقول بعلمنا بأشياء كثيرة، ولكن عندما يكون الأمر ذا علاقة بالممارسة في أرض الواقع، تسود العادة، ويسود العرف على كثير من تفاعلاتنا مع الكون والحياة من حولنا. وأعتقد أن الأوان قد آن لنعترف بأننا قد منحنا الفرد في مجتمعنا مكانة ربما كان أولى بها العمل المؤسسي، حتى شاعت الثقافة الفردية وما ترتب على بعضها من مخرجات فردية مُشكَّلة في الفكر والمنهج والسلوك. وطننا اليوم لم يعد يحتمل الاجتهادات الفردية، مهما بلغ الأمر من قلة أو عظمة، اللهم إلا أن ينتج من الاجتهاد الفردي -في أي أمر- رأي شخصي خاص تُعلم -بالضرورة- فرديته وخصوصيته، ففي هذه الحال يكون -فقط- اجتهاد المرء في فهم الأمر ممكنا؛ لأنه قد لا يصح أن يُمنع الأفراد من أن يكون لهم آراء خاصة، وربما خاصة جدا، ولكن عندما يرتبط الأمر بالمجتمع وبالوطن فهنا منزلة أخرى يجب أن يقف دونها الفرد لتحل محله مؤسسة وطنية تنتظم مجموعة من المتخصصين في موضوع الاجتهاد والنظر في القضايا والموضوعات. منتج الأفراد -في هذا الزمن بخاصة- يجب أن يكون حصريا للفرد الذي أنتجه، أما المنتج الذي جاء من منظومة مؤسسية معتمدة ومناسبة، فهو ما يمكن أن يشاع للناس وأن يصبح شيئا للمجتمع وللوطن. وفي هذا الباب مشكلة متجذرة مجتمعيا، أعتقد بلزوم التصدي لها والعمل على تغييرها وتحويلها من أجل الصالح العام، وهي أن ثقافة الأفراد لا تزال تهيمن على بعض التجمعات المجتمعية وربما على عدد من المؤسسات باعتبارها مرجعية صائبة ومنهجا يُتَّبع. وأعتقد أن شيئًا من الخلل المجتمعي الذي نواجهه اليوم قد جاءنا من هذا الباب. وللتعامل مع هذه المشكلة فقد يسوغ أن يُنظر في تفاعلاتنا اليومية مع كل معطياتنا الفكرية والعملية لتحويلها إلى عمل مؤسسي متكامل، وإلغاء الفردية فيها وتجريم من يدعي الأهلية ليكون رأيه الفردي منهجا ومسلكا للجماعة، مهما اعتقد من سلامته وملاءمته للتطبيق.
قد يلزمنا اليوم أن نعمل على إنشاء ودعم مؤسسات مجتمعية ضخمة تنتظم كل التفاعلات الفكرية والسلوكية، وإذا صح الاستناد إلى ما هو قائم فعلا من منظومات مؤسسية فقد نحتاج إلى مراجعتها وتطويرها. وهنا، قد تكون الأولوية لمؤسسات التربية والتعليم فتجرى مراجعة علنية شاملة لجميع الخطط والمناهج التعليمية، في جميع المراحل التعليمية مع تجريم كل من يحول دون المراجعة والتقويم؛ لأن تلك العملية ستقوم وفق منظومة مؤسسية معتمدة، وهي من مقتضيات الصالح العام التي يجب الانصياع إليها دون الآراء الفردية المتناثرة التي لا تقوم إلا -ربما- بإعاقة العمل الجاد ومنع السعي نحو الأفضل. كما تبدو الحاجة اليوم للتنظيم المؤسسي للمساجد باعتبارها من أهم مواطن التربية والتنشئة في المجتمع، وفي مقدمة ما تبدو الحاجة لنقله للتنظيم المؤسسي: خطب الجمعة، ودعاء القنوت، وغير ذلك مما يقال أو يفعل في المساجد مما لا يدخل ضمن الفروض والسنن الرواتب.. ولعل وزارة الشؤون الإسلامية تبادر إلى تفعيل ذلك وإعلانه للناس تماشيا مع الضرورة الراهنة، وخروجا بالناس من دوائر المشكل الفردي المعاصر، فتوضع خطط مفصلة ومناهج وطنية متكاملة لرسالة المسجد بالطريقة التي يكون إمام المسجد فيها بمثابة المعلم في المدرسة أو الأستاذ في الجامعة (حلقة مهمة ضمن منظومة وطنية معتمدة لرسالة المسجد)، وعدم الاكتفاء بلغة التعميمات المتناثرة التي -مع أهميتها- لا يمكن أن تكون عملا مؤسسيا تمتد آثاره لمدة زمنية طويلة، مع ضرورة المراجعة والتقويم الدوريين. ومن مواطن إشاعة الثقافة المؤسسية -أيضا- مراجعة مجمل الأنظمة الإدارية في جميع مؤسساتنا العامة، وإلغاء ما يدعم دور الفرد فيها واستبداله بثقافة المؤسسة وعمل الفريق. كما قد يكون ملائما دعم الأندية الثقافية المتعددة وتفعيلها وإنشاء الجديد منها لتقوم بدور فعَّال في إشاعة ثقافة المؤسسة، وقبول الرأي العام المستنير وفق ثوابت ومبادئ هذا البلد الكريم. وللكُتَّاب، والمفكرين، وغيرهم من المتخصصين في أي مجال معرفي، قد يسوغ اليوم أن يكون لهم منظومة مؤسسية تجمع شتاتهم، وتحدد الرؤى العامة المجتمعية التي يحتاجها الناس ويتطلعون إليها منهم.
إننا في زمن نحتاج فيه إلى العمل المؤسسي، وإلى إلغاء دور الأفراد -في رؤيتنا الوطنية- بالقدر الذي نحتاج فيه للماء والهواء.

فاكس 2252755


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved