Sunday 6th June,200411574العددالأحد 18 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

وجبة حرية بنكهة أمريكية وجبة حرية بنكهة أمريكية
عادل علي جودة

بعد أقل من أسبوعين من الهجوم الأمريكي البريطاني على العراق ؛ بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل، والقبض على صدام، وتحقيق الحرية والسلام للعراق ولشعب العراق، طالعتنا وسائل الإعلام بمشهد (معيب) يبيّن جندياً أمريكياً من المحرِّرين الأشاوس وهو يقوم بواجبه المقدس بدقة وإتقان، إذ يوقف إحدى العراقيات على هيأة (استرح)؛ وهي وقفة معروفة جداً للجميع، فهي تمثل أحد الشطرين في المصطلح الرياضي المعمول به في الطابور المدرسي الصباحي (استرح..استعد)، أي الاعتدال في الوقفة، والنظر أفقياً إلى الأمام، وفرد الذراعين إلى الجانبين، وفتح القدمين بحيث تبتعد إحداهما عن الأخرى بما لا يقل عن نصف المتر، بينما يجلس هو واضعاً ركبته اليسرى على الأرض، ويمدّ يديه من أسفل العباءة السوداء التي ترتديها المرأة العراقية، مفتشاً بين ساقيها والله أعلم إلى أين وصلت يداه بعد أن غابت الكاميرا عن أية أسلحة فتّاكة أو أية محظورات تمنع أو تعطل تحقيق الأمن والسلام في عراق ما بعد صدام، وبدت في الصورة امرأة عراقية أخرى تنتظر دورها في التفتيش، وأود ألا يُساء الظن بذلك الجندي الذي راعى معايير الشرف العربي؛ فهو مثلاً لم يطلب من المرأة أن ترفع عباءتها وكان باستطاعته ذلك، بل تواضَع وجلس هو على ركبته ليفتشها، ثم إنه مدّ يديه فقط دون عينيه، وقد لا يكون راغباً في ذلك لولا أنه كما أسلفت يقوم بأداء مهمته، في إطار الحملة التي دعا إليها الرئيس الأوحد لعالم هذا اليوم؛ السيد جورج بوش الابن، والمتمثلة في التخلص من أسلحة الدمار الشامل، وهذا الرجل أقصد (بوش) يتسم بجدية لا مثيل لها، وجميعنا يتذكر كيف أرسل جيوشه، وسحَبَ خلفه بريطانيا، وضرب بمجلس الأمن وكافة النداءات العالمية، الفرنسية، والألمانية، والقليل جداً من العربية والإسلامية عرض الحائط.
رأينا ذلك المشهد قبل عام تقريباً من يومنا هذا الذي نشاهد فيه عبر وسائل الإعلام المختلفة مزيداً من المشاهد والصور (المعيبة أيضاً)، إلا أن مشاهد اليوم تختلف نوعاً ما عن مشاهد العام الماضي من حيث الهدف، إذ لم يعد الأمر يتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي تم التخلص منها، فقد شاهد الجميع بأم العين الكميات الهائلة جداً من تلك الأسلحة التي تم ضبطها في العراق، والتي كان صدام على وشك أن يستخدمها في حرق العالم أجمع وفي المقدمة صاحبة القلب الكبير (أمريكا) وحمامة السلام (إسرائيل)، إلا أن العيون الزرقاء والخضراء بفطنة، وخفة، ورشاقة، انقضَّت على العراق فحرقته، واعتقلت صدام قبل لحظة وجيزة، ثواني معدودات، من استخدامه لأسلحة الدمار الشامل التي لديه ضد الغزاة (أقصد المحرِّرين) أصحاب تلك العيون، ولعل الجميع قرأ آلاف التقارير اليومية والشهرية التي ما فتئت تصدر عن الإدارة الأمريكية بمعلومات جلية وواضحة حيال أنواع تلك الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية و...إلخ.
مشاهد اليوم تتصل بالموضوع الثاني (وهو بالمناسبة ليس الأخير) الذي من أجله تجشمت أمريكا عناء الزحف براً وبحراً وجواً، ولاقت من الإحراج الشيء الكثير والكبير وهي تطلب المساعدة من الآخرين، مع أنها لم تطلب مالاً أو رجالاً أو سلاحاً، كل ما طلبته الموافقة على مصطلح بسيط لا يحتاج إلى كل ذلك التردد والتباطؤ، وليس فيه ما يخدش الأصالة أو الشهامة أو الحياء، فكل ما طلبتْه الموافقة على شيء اسمه الدعم اللوجستي فقط، وبالكاد حصلت عليه.
ما الموضوع الثاني إذن؟ إنه الديمقراطية (الحرية)، والصورة التي أمامكم وأرجو أن تتسع لها مساحة النشر هي واحدة فقط من تلك المشاهد، وهي لرجل مسلم عربي عراقي (شاب عنيد)؛ إنه يرفض الحرية!! وتلك القدم اليسرى التي تدوس رقبته بعد أن أُلقيَ على بطنه، ووُضِعَ خدّه الأيمن ليفترش الأرض، وهُيِّئ للذبح على الطريقة الأمريكية!! تلك القدم لجندي أمريكي يريد أن يُلبسه ثوب الحرية!!
وقد يؤول أمر هذا الشاب إلى لقطة أخرى مشابهة لتلك الصورة الجميلة التي ارتسمت في ذاكرة العزة العربية، والتي تزينت بها الصفحات الأولى لصحافتنا العربية والإسلامية؛ وهي لرجل مسلم عربي عراقي (عجوز) استجاب ليد جندي أمريكي مُدت إليه ليقبلها تعبيراً عن شكره وامتنانه ؛ ليحظى بكسرة خبز كخطوة أولى نحو العبودية، أقصد الحرية، فأبدعت عين الكاميرا في التقاط ذلك المشهد وحملته إلينا بفخر واعتزاز!!
صور كثيرة حقيقة شاهدناها، وما خفي كان أعظم، وكلها من أجل الحرية لأهل العراق، ولا بأس بشيء من التجاوزات، ولا يجب أن نتوقف كثيراً عند تلك الصور التي التقطت في سجن أبو غريب للأسرى العراقيين فرادى وجماعات وهم يتجرعون كأس الحرية، والتي عرضتها الصحافة الأمريكية وقنواتها الفضائية، ويكفينا أن الرئيس الأمريكي بنفسه تنازل، وبدا وكأنه لا يدري، وعبَّرَ عن استنكاره، واستيائه، واشمئزازه، وتقززه، من هذا العمل المشين، واصفاً إياه بأنه عمل غير أخلاقي وغير إنساني، ومطالباً بإعداد العدة للتحقيق فيه، ليس هذا فحسب بل أمر تابعه ورفيق حربه (بلير) ليعلن على الملأ أنه أمرٌ مخزٍ!! ألا يكفي هذا !!؟؟
ثم لم العجلة في اعتبار ذلك جريمة حرب!! فمن يدري قد يُثبت المحققون بلباقتهم وحنكتهم، وهم أمريكيون وبريطانيون طبعاً، أن هؤلاء الجلادين العسكريين الأمريكيين والبريطانيين، الذين قاموا بامتهان كرامة الإنسان وانتهاك حرمته وحقوقه، مرفوع عنهم القلم لأنهم ببساطة يعانون من مرض نفسي أو لنقل مجانين!! نقطة..انتهى!! ثم بعد ذلك تبدأ الحرب الحقيقية على أولئك الذين بثّوا هذه الصور، وقد بدأت بالفعل!! وهكذا تنتهي القصة من وجهة نظرهم!! ولكنهم لا يدرون (أو بالأحرى يدرون وإنما، بضعف إيماننا أولاً، ثم بصَلَفهم وغطرستهم، يسخرون ويتجاهلون) أن التاريخ يسجل!! وأن الله سبحانه وتعالى يُمهل ولا يُهمل!! وأن غداً بإذن الله لناظره قريب!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved