Monday 14th June,200411582العددالأثنين 26 ,ربيع الثاني 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
د. فهد الحارثي.. يفتح النار على (الإمبراطورية الأمريكية)
عبدالرحمن بن محمد السدحان

استقبل العقلُ العربيُّ مؤخَّراً كتاباً جديداً في مضمونه، جَريئاً في عرضه، عاصفاً في نتائجه، يحمل العنوان: (أمريكا التي تعلمنا الديمقراطية والعدل) للأديب والإعلامي المخضرم عضو مجلس الشورى الدكتور فهد العرابي الحارثي، يقعُ الكتابُ في أكثر من 400 صفحة، يطرحُ من خلالها المؤلِّفُ وقفاتٍ نقدية بالغة الشدّة لممارسات السياسة الخارجية الأمريكية، قديمها وحديثها، وقد اعتمد المؤلفُ في سرده وتحليله على نصوص من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، في ماضيه وحاضره، إضافةً إلى العديد من تصريحات وبيانات كبار المسؤولين الأمريكيين ومطالعات وتحليلات النخب المثقفة المعنية بالأمر.. هنا وهناك!وأتّفق بدءاً مع المؤلف في أن الكثيرَ من ممارسات (وسيناريوهات) السياسة الأمريكية الحديثة جاءت في معظمها استجابة لتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، ذلك اليوم الذي دخل ذاكرة التاريخ من أوسع أبوابه، ليغدو في ظني نقطة تحوّل مفْصلية في مسَار أحداثِ العالم، على نحو ما نسمع الآن وما نرى وما نقرأ مع مولد شمس كل يوم !
* وعلى صعيد آخر، أرى أن كتاب الدكتور الحارثي يستحق مساحة أرحب من هذه الزاوية المتواضعة: عرْضاً ونقْداً وتحليلاً، وهو أمر يتعذَّر على كاتب هذه السطور تحقيقه، وأحسب أن الكتاب في غنى عن ذلك، بعد أن أُشبع تعريفاً وتحليلاً من لدن المؤلِّف نفسه، وعَبْر أكثر من صحيفة ومجلة منذ صدوره قبل أشهر حتى الآن، وقد استُقْبلت الطبعة الأولى منه من لدن النخب المثقفة في بلادنا استقبالاً مشهوداً، وكان لي شرف المشاركة في حفل تدشينه وتوقيعه، وها هي الطبعة الثانية منه تلحق بشقيقتها الأولى لتحلّ ضيفة أخرى على المكتبات!
* والكتاب، كما وصفه صاحبه: (... صرخة ساطعة لمواطن عربي مسلم يريد أن يصل صوته..)، وهنا يعْصِفُ في ذهني سؤال هام: مَنْ هُم الذين يرومُ الدكتور الحارثي إسماعهم صوته؟!
1 - هل هُم (المحافظون الجدد) داخل الإدارة الأمريكية ودهاليز الكونجرس؟
2 - أم هُم اليهود (والمهَوَّدون) المتَمتْرسُون داخل كواليس القرار السياسي الأمريكي وخارجها، الذين (اختطفوه) لغاياتٍ وأهداف تصبّ في معظمها لا لمصلحة أمريكا، ولا حليفتها العتيدة أوروبا، بل إسرائيل وحدها لا شريك لها!
3 - أم هُم بعضُ المثقفين الغربيين من (المفخّخة) عقولهم وضمائرهم الذين لا يرون الحق حقاً ولا الباطل باطلاً، أو كأنَّ الباطل لا يأتيهم من بين أيديهم ولا من خلفهم، وهم ما برحوا يصوغون المواقف والأحكام على شعوب وأنظمة هذه المنطقة من العالم مستخدمين مقاييسَ تفتقر في أحسن الأحوال إلى المعرفة، وفي أسوأها إلى الحكمة والعدل، وبذلك يجسّدون ما قِيل في أعقاب كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م (من لم يكن معنا فهو ضدّنا)!!
* وغيرُ خافٍ على أحدٍ أن هذه الفئات الثلاث تمارس من خلال تدخّلاتها ومداخلاتها نفوذاً طاغياً على مصير ومسار السياسة الأمريكية في هذه المنطقة المنكوبة من العالم، تحت مظلة (الحرية والعدل والديمقراطية) وغير ذلك من شعاراتٍ ظاهرها الرغبةُ في مساعدة شعوب وأنظمة هذه المنطقة على تجاوز أزماتها الحاضرة والقادمة، وباطنها بسْط (الهيمنة) الغربية، والأمريكية خصوصاً على المنطقة، ثروةً وقراراً ومصيراً؟!
وبعد: فإن المتأمِّل لهذا الكتاب لا بدّ له أن يرفع هامة الإعجاب بهذا المنجز الثقافي الكبير، في ضوء المعطيات التالية:
أولاً: أن المؤلفَ بذلَ في إعداده، بحثاً واستقراءً وكتابةً، جهداً مضنياً، مستفيداً بكل مصادر المعرفة التاريخية والمعاصرة المتاحة عبر أكثر من قناة، مكتوبة أو مسموعة.
ثانياً: أن الكتابَ باتَ مرجعاً هاماً لكل راغب في التعرف على (كيمياء) السياسة الأمريكية حيال هذا الجزء من العالم، وقد وفِّق المؤلف في الدخول إلى (كهوف) هذه السياسة، من منظور تاريخي وآنيّ معاً، مؤكداً بذلك مقولة إن معرفة تاريخ أي بلد تُعينُ على فهم إيقاعات حاضره وسلوكيات أهل الحلّ والعقد فيه، واستنباط ملابساته ومواقف الفاعلين له والمؤثّرين عليه، سلباً أو إيجاباً!
ثالثاً: يُلاحظ أن المؤلف قد جعل من الكتاب (منصّةَ) هجومٍ شديدٍ على أمريكا معتبراً أنها، منذ القدم، تسعى إلى بسط هيمنتها على العالم، بما في ذلك الحلفاء في أوروبا، ناهيك بدول وشعوب الشرق الأوسط، وهو أمر أحسب أنه قد يستنفر الكثيرَ من الجَدل والجَدل المضاد من لدن الراسخين في العلم: سياسة وحصَافة وتاريخاً!
(أ) فهناك مَنْ قد يقرأ عن بُعد عَبْر الدور الأمريكي الراهن.. معالم (تحوّل) في العالم نحو الأفضل، (ويبشّر) بهذا الموقف بعض المتفائلين من (رومانسيي) السياسة الحديثة ومنظِّريها!
(ب) وهناك المتشائمون وربما (المفْرطون) تشاؤماً في نقد الموقف الراهن لأمريكا، واعتبارها تسير في الاتجاه المعاكس لمصائر الشعوب وغاياتها، خدمة للمصالح الأمريكية الصرفة ومن دار في فلكها!
رابعاً: قد يسألني سائلٌ في الختام: أين تقف أنت من أولئك وهؤلاء؟ فأقول:
- إنني (متشائل) منقسم الذهن بين القطبيْن، لا إلى أولئك ولا إلى هؤلاء. وحين أتبنّى هذا الموقف، فإنما أروم أن يبقى لي في النهاية (خيار) يسيّره العقلُ لا (عشوائية) يمليها النّقل.. وإلى أن ترجح في ذهني إحدى الكفّتين، سأمضي أدعو لهذا العالم بالسلام والسداد!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved