Thursday 1st July,200411599العددالخميس 13 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

فيض الضمير فيض الضمير
واحد + واحد = واحد (؟!)
د. محمد أبوبكر حميد

يعيش بعض الأزواج حالات من الشعور بعدم الاستقرار في حياتهم نتيجة للقلق والتوتر الذي تسببه الخلافات الزوجية وحالات الخصام المتكرر. وتتفاقم هذه المشكلة بين الزوجين عندما يبدأ كل واحد منهما بالتقرير بأن هذه (المشكلة ليس لها حل).
والحقيقة أنه لا توجد مشكلة ليس لها حل، ولكن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يستقر في وعي كل من الزوجين بأن الآخر (لا يفهمه) و(لن يفهمه).
قد يكون مقبولاً أن يقول أحدهما أن الآخر (لا يفهمه) لأن (لا) تدل على نفي قد يزول بعد تحقق الفهم أو التفاهم، إما استخدام (لن) النافية الجازمة، فهي تدل على أن الفهم أو التفاهم لم يتحقق في الماضي والحاضر ولا يمكن أن يتحقق في المستقبل. وهذا (جزم) خطير يوقف عربة الحياة الزوجية أمام طريق مسدود.
والأحكام القطعية العامة الجازمة نعاني منها في معظم مجالات حياتنا وأهمها حياتنا الزوجية، ولعلها السبب الأساسي وراء حالات الطلاق المبكرة والمتزايدة في الزيجات الجديدة. والأحكام القطعية الجازفة تلغي باب الحوار وتسد الطريق أمام التفاهم، وتغتال كل بارقة أمل في مستقبل تعاود فيه هذه العلاقة حياتها بتناغم وتفاهم وانسجام.
لو انطلق الزوجان من الإيمان بمبدأ أن ليس هناك مشكلة ليس لها حل، وآمنا بأن الحوار البناء الذي يخدم فيه كل واحد منهما الآخر أصح وأصدق الطرق للتفاهم يستطيعان بالفعل أن يقضيا على حالة التفاقم في حياتهما، وأن يذيبا الجليد بشيء من الدفء واللين والتنازل والتسامح.
لو فكر كل منهما ان العلاقة الزوجية هي أعظم وأقدس علاقة تربط بين اثنين، بل هي أقوى علاقة على الإطلاق بين مخلوقين في هذا الكون، إذ تعامل معهما الله سبحانه وتعالى وكأنهما كيان واحد ونفس واحدة، وجعل لهذه النفس مسكنها منها وإليها في قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، ومن يتأمل هذه الآية يجد أن الزوج جزء من النفس وليس من خارجها، وفي التعبير القرآني أعمق وصف لهذه الصلة الحميمة التي تربط الزوجين ببعضهما.
ولو تأمل كل زوج أو زوجة هذه الآية، وعاشها في حياته الزوجية حقيقة لفهم الزوج وفهمت الزوجة أن ما يحدث بينها وبين زوجها هو شبيه لما يحدث بين الإنسان ونفسه، وأن أي إساءة لاحدهما من الآخر ما هي إلا إساءة للنفس. كما أن معنى (السكن) في قوله تعالى {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} يؤكد حالة الاندماج مع الآخر حتى تصبح الحياة الزوجية سوية وسعيدة، والسكن هنا بمعنى (الإيواء) في معناه الواسع الكبير إذ لا ينحصر في اللحظة التي يأوي كل منهما إلى الآخر جسدياً بل معنوياً، ذلك لأن (الإيواء الجسدي) مهما طال يعقبه انفصال ولكن (الإيواء الروحي) الذي يتحقق من خلال المحبة والمودة والتفاهم وحسن المعاشرة والصبر والتسامح، هذه القيم هي المقصودة في تكملة الآية الكريمة {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والصلة واضحة بين (السكن) وبين (المودة والرحمة). فالسكن الذي يخلو من (المودة والرحمة) ليس سكناً دافئاً سعيداً يستحق العيش فيه، ولا يحقق الإيواء الروحي الذي تتحقق به الحياة الزوجية الهانئة. فالإيواء الروحي هنا بموضع القلب من الجسد، ولا قيمة لجسد بلا قلب ينبض بالمحبة والمودة والرحمة والدفء. ولهذا تكون بعض البيوت باردة، ولا يشعر أصحابها بدفء السكن فيها، لأنها تحولت إلى أمكنة تأوي إليها الأجساد فقط، أما الأرواح فلا تشعر بالسكن فيها، ولا بالمحبة والمودة والرحمة، فتظل هائمة قلقلة، ضائقة، محتارة لا يستقر لها قرار!.
يستطيع الزوجان (التفاهم) والاستمرار في عزف أنغام (الحب) بينهما، وإزاحة كل غيوم الخلاف بينهما إذا هطلت سماء حياتهما مطراً نقياً من خلال الحوار الناضج والمصارحة الصادقة، والشعور العميق بأن الآخر ليس إلا جزء منه، وإن الخصام معه خصام مع النفس والتصالح معه تصالح مع النفس، وليس هناك مخلوق سوي على الأرض لا يريد التصالح مع نفسه.
وهذه حالة من (التوحد) لا تحدث إلا بين الزوجين والزوجين وحدهما فقط. وفي هذه الحالة فقط تكون العلاقة بين الزوجين أقوى من العلاقة بين الصديقين والخليلين لأن الصداقة والحب يصبحان من أهم مقومات العلاقة الزوجية التي رفعها الله فوق مستوى كل العلاقات الإنسانية لأنها غاية من غايات الوجود الكبرى. وفي هذه العلاقة المقدسة تتم مخالفة المعادلة الحسابية المنطقية واحد + واحد = اثنين فتصبح بين الزوجين واحد + واحد = واحد(!!).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved