باول وعنان في السودان

حلَّ كولن باول ضيفاً على الخرطوم مسبوقاً بتهديدات كثيرة إذا لم تقم هذه الدولة العربية الإفريقية بإجراءات للتخفيف من حدة الأزمة السياسية وتلك الإنسانية الناجمة عنها في دارفور، وتزامنت مع هذه التهديدات تحذيرات صادرة من الأمم المتحدة بضرورة التحرك سريعاً في ذلك الإقليم السوداني الغربي.
من جانبها فإن الخرطوم سبقت وصول باول وأمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان بإبداء التحفظ على الزيارتين قائلة: إنهما ستضران السودان إذا اقتصرتا على التهديد والوعيد دون تقديم المساعدة لتجاوز الأزمة القائمة.
وتتحرك الولايات المتحدة والأمم المتحدة نحو هذه الأزمة السودانية الحديثة الوقوع نسبياً، إذ إنها تجاوزت العام بقليل، مدفوعتين بإصرار قوي على التسوية وبإحساس من الشعور بالذنب على ما حدث في رواندا قبل عدة أعوام من مذبحة راح ضحيتها 500 ألف شخص بسبب تقاعس المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة والدول الكبرى، عن حماية كل تلك الجموع من الناس، فيما كانت تستعر نيران حرب أهلية.
ولم يبلغ الوضع في السودان تلك الدرجة المأساوية، ومع ذلك فإن ما يحدث يتطلب معالجات سريعة يفيد معها بشكل خاص تضافر جهود السودان وأمريكا مع وجود الأمم المتحدة بما لديها من أجهزة مختصة في الشؤون الإنسانية والسياسية.
فالوزير الأمريكي استهل زيارته للسودان بالتلويح بفرض عقوبات على هذه الدولة بحجة أنها لم توقف تعاونها مع مليشيات تسمى الجنجويد متهمة بارتكاب فظائع في دارفور، وتنفي الحكومة ذلك لكنها تقر بوجود الجنجويد وتقول: إنها أعدت خطة لتجريد جميع المليشيات من أسلحتها، من أجل ألاّ يستغل البعض أي قصور أمني لأخذ القانون بأيديهم ومحاولة التصرف وفقاً لتصوراتهم في منطقة مضطربة تتيح أوضاعها الأمنية الهشة إمكانية الانفلات لأي جماعة مسلحة خصوصا مع ضآلة الإمكانيات الأمنية في مساحة واسعة لدولة مثل السودان.
وستوفر زيارة يقوم بها باول إلى الإقليم المضطرب في غرب السودان فرصة له لرؤية الحقائق على الطبيعة ومراجعة ما سمعه مع ما يراه، خصوصاً وأن هناك من يبعث بتقارير تستغل الاتهامات الدولية ضد العرب والمسلمين والتي تتسم عادة بتجريم العرب والمسلمين على ضوء اعتداءات سبتمبر، ومحاولة تطبيق تلك الصيغ على الوضع العربي الإفريقي في السودان.
إن السودان الذي لا يزال يتعافى من حرب في جنوبه يتعين عليه الحرص على عدم فتح جرح جديد في جزء آخر منه، والأحرى أنه يتطلع إلى تطبيب سريع لما لحقه، وسيفيده أكثر أن يتلقى الكثير من العون وأن يسخر المبادرات من مختلف دول العالم لكي تتسق مع جهوده الخاصة من أجل التسوية.