Thursday 1st July,200411599العددالخميس 13 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

نريدكم عناصر خير نريدكم عناصر خير
د. ناصر بن محمد المنيع/وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا والبحث العلمي - جامعة الإمام

لقد سرَّنا وأثلج صدورنا في هذه البلاد المباركة، بل سرَّ كل مقيم على أرض هذا الوطن، ينشد الأمن والأمان والراحة والاطمئنان، نبأ القضاء على زعيم العصابة المجرمة، والفئة الضالة، ومَن معه من زمرة البغي والعدوان، الذين سعوا في الأرض فساداً ودماراً وتقتيلاً، فوقعوا في شرِّ أعمالهم، وفي سوء صنيعهم، وردَّ الله كيدهم في نحورهم {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ..الآية} فاطر 43 .
ومهما تجاوز الظالمون المدى، وأمعنوا في إجرامهم، وحاولوا العبث بأمن البلاد ومقدراتها، وسلكوا طرقاً متعددة لتنفيذ مخططاتهم، وبث سمومهم، ونشر ضلالاتهم، فإن العاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والظلم مرتعه وخيم:


أما والله إن الظلمَ لؤمٌ
وأن الظلم مرتعه وخيمُ
إلى ديَّان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصومُ
ومن سلَّ سيف البغي قُتِلَ به
وعلى الباغي تدور الدوائر
قضى الله أن البغي يصرع أهلَهُ
وأنَّ على الباغي تدور الدوائرُ

وبعد الإعلان عن هلاك هؤلاء الباغين بأيام، منح خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز - أيَّده الله - في كلمة ألقاها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - الأمان لم يسلِّم نفسه من المتورطين من أفراد الجماعات المنحرفة عن جادة الحق والصواب، ولمدة شهر واحد، ولهذه الكلمة السامية مضامين وأهداف عديدة منها:
1 - أن الدولة - حرسها الله من كل سوء ومكروه - تنطلق في تصرفاتها وأعمالها وجميع شؤونها من أحكام الشريعة الغرَّاء، التي تدعو إلى العفو والصفح عن المخالف، إذا كان يترتب على ذلك مصلحة عامة للأمة، فالله سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، الأعراف - 199، ويقول تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133} الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، آل عمران - 133 - 134، ويقول الحق سبحانه: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشورى- 43 .
فهذه الآيات القرآنية وغيرها، تحث على الأخذ بمسلك العفو والصفح مع الاقتدار، فهو من شيم الكرام، ولا يعدم صاحبه ناصراً في الدنيا، ولا يضيع له أجراً في الآخرة، والعفو شكر للقدرة على المعفو عنه، كما قال الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو شكراً للقدرة عليه).
وفي سنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما يبين أهمية هذه الخصلة العظيمة، التي طبقها ولاة الأمر - حفظهم الله - بحق هؤلاء الخارجين، ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل مرَّ عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، وذكر لها قصة ذهابه إلى الطائف، حينما لم تستجب له قريش في مكة، وما لاقاه من أهل الطائف من الأذى، وخرج مغموماً مهموماً، وما كان من أمر مَلك الجبال وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، وما كان من جوابه عليه الصلاة والسلام، وهو خير من اتصف بالحلم والأناة والعفو حينما قال: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً) متفق عليه.
ومن مظاهر عفوه عليه الصلاة والسلام، الموقف الذي لا يُنسى يوم فتح الله مكة، وانتصر صلى الله عليه وسلم على أعدائه من كفار قريش، الذين آذوه واضطهدوه وأخرجوه، فإنه قال لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟) فأجابوا خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، قال صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).
2 - أن خادم الحرمين الشريفين - أيَّده الله - حينما أعطى للبقية الباقية من هؤلاء المارقين الأمان لمن يسلِّم نفسه، وفتح لهم باب العفو على مصراعيه، إنما كان ذلك من باب تحصيل المصالح، ودرء المفاسد، فمهما يكن من أمر، فإن هؤلاء الذين خرجوا علينا هم من بني جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا، وهم أبناؤنا وإخواننا بغوا علينا، فمن الخير أن يتم قطع دابر الشر والطرق الموصلة إليه، ومن المصلحة أن تنطفئ نار الفتنة وتفريق الكلمة، والخروج على ولي الأمر، قبل أن يوغل شررها في الإيذاء، ويستغلها الحاقدون والمغرضون والمتربصون، في خدمة أهدافهم وتحقيق أطماعهم.
3 - من المعلوم أن العفو لا يظهر إلا مع الاقتدار - كما أشرت -


وإن أولى الملا بالعفو أقدرهم
للعفو إن يظفرن يوماً بذي زلل

ولذلك فإن هذا الإعلان لهؤلاء، والذي صدر من أعلى سلطة في الدولة، لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال، نتج عن ضعف أو خور أو فتور عزيمة، بل من منطلق القوة التي لا تلين والإرادة التي لا تعرف التردد بحول الله وقوته - كما جاء ذلك في كلمة خادم الحرمين الشريفين - أيَّده الله - ولذا فإن أي تفسير أو تأويل مغاير للواقع ربما يُطرح من بعض ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء المريضة، إنما هو جَعْجَعةٌ مغرضة، وبالونات مليئة بهواء فاسد، يحمل في نسماته حقداً دفيناً، وشراً مبطَّناً، وحسداً متأصِّلاً.
4 - أن في إعطاء الأمان لهم الفرصة النادرة، والمجال الرحب للمراجعة وإعادة الحسابات، لمن ألقى السمع وهو شهيد، ولمن له قلب ينتفع بالمواعظ، ويعتبر بالقوارع، بأن يقفوا مع أنفسهم وقفة حساب وتأمل، ويتفكروا في مصائر من سبقهم، وماذا جنته أيديهم من الفساد والبغي والظلم، فلعلهم يستفيدون من هذه المنحة في تغيير سلوكهم، ونبذ ضلالاتهم، ولزوم جماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّّ شذَّ في النار، فيكونوا بذلك عنصر خير ونماء وبناء، بدلاً من أن يكونوا بذرة شر وفساد وبلاء، وفي حالة عدم الاستجابة، يتحملون نتيجة إصرارهم وعنادهم واستمرارهم في مسلسل الإجرام والتخريب.
5 - طالما نادى الكثير من طلبة العلم والمثقفين إلى ضرورة الحوار مع هؤلاء الشباب والاستماع إليهم، والغوص في أعماقهم، ومعرفة الأسباب المؤدية بهم إلى هذه المسالك الوعرة التي سلكوها، والمراكب الصعبة التي ركبوها، فعن طريق الحوار والنقاش تبرز الحقائق، ويزول كثير من اللبس والغموض، وتنكشف الشبهات والضلالات، وفي نظري أن إعطاءهم الأمان يعدُّ طريقاً إلى تحقيق هذا المبدأ، ويعتبر أرضية صلبة لإبداء الرأي والمكاشفة والشفافية، فلا يخفى أن ولاة الأمر - وفَّقهم الله - مهتمون بهذه القضية اهتماماً بالغاً، وهم حريصون على تفعيل الحوار الوطني في مجالات كثيرة، وما إنشاء مركز الملك عبد العزيز - رحمه الله - للحوار الوطني إلا شاهد صدق على ذلك، حيث تم عقد ثلاثة لقاءات في موضوعات مختلفة، ويأتي اللقاء الرابع بعد أشهر قليلة ليعالج قضايا الشباب وهمومهم وآمالهم وطموحاتهم، وهي تصب - أعني هذه القضايا - في هذا الجانب، وتساعد كثيراً على الخروج من هذه الأزمة العابرة التي كدَّرت صفو الأمن والاستقرار الذي نعيشه ونتفيأ ظلاله، وبعون الله وتوفيقه ستظل هذه البلاد - كما كانت - آمنة مطمئنة، ما دامت على الحق سائرة، ولشرع الله محكِّمة، رغم كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved