Thursday 1st July,200411599العددالخميس 13 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

كيف تكون ذا ثقافة عالية؟!! كيف تكون ذا ثقافة عالية؟!!

حول ما أثير في الجزيرة من مواضيع عن القراءة أقول:
إني وجدت أكثر الناس لا يكادون يحرصون الحرص كله على سَجن ما يقرأون في صدورهم فلا فوتَ، فهم يظنون ظناً خاطئاً من حيث إنهم يرون العلم والثقافة والحذق إنما تأتي جميعها من قبل القراءة المجردة عفواً رهواً، فترى كثيراً منهم يولون وجوههم وألبابهم شطر الكتب المذكورة بخير، فأهل الأدب والراغبون في بضاعته، مثلاً. قد تعالموا على قراءة كتبه الشهيرة سردا من غير انعام نظر، ولا تفتيش ولا تلبث، ولا تقييد لأوابد العلم الشاردة، وبون بعيد بين من يقرأ لنيل اسم القراءة والمفاخرة بما قرأ، ومن هو لا يقرأ إلا قراءة تأمل وتفكر، فهو يبحث في أمر ما يقرأ، وفي صحته أو خطئه ولا يسلم عقله الى كل أحد، بل تجده متمرداً غير مقلد ولا متبع سنن من كان قبله الا بحق.
ولما كان كثير من أهل الزمان يتبعون الطريقة السردية ويمشون في سبيلها فإنهم من ثم لم يستفيدوا إلا قليلا، ولم يكن يخرج من بين أظهرهم من هو بارز بصير ثقيف الا طائفة قليلة، لا أحسب اصحابها إلا من أصحاب الطريقة التأملية.
ومن بعدُ فلا يمسسك التعجب والاستغراب إما ترينّ من البشر مَن قرأ أمهات
كتب الأدب وأنفق سحابة عمره في المطالعة ثم لم تجد أثر القراءة ظاهرة عليه كما ينبغي ان يظهر، ذلك انه، لا جرم يقرأ سرداً ولا يتبع القراءة الصحيحة التي تجنى من ورائها الفائدة، وكذلك تجد العكس ومن أجل هذا فإني واضع بين أيدي القراء الكرام رأيا ابتغي من ورائه النفع لهم وحسب، ذلك أني رأيت جملة وافرة من المقروء تزول أو تكاد، ولا يبقى من منفعتها الا ما يتصل ببعض الجوانب كتكوين الصور الذهنية وتنمية الخيالات، وما هو بسبيل ذلك، وإذا كان ذلك كذلك، فإن خير سبب يبقيها ويجعل الاستفادة منها لا تزول ولا تنقطع هو الحفظ، والتأمل والتقييد الكتابي، والبحث ويمكنك ان تجري الحفظ أيضاً على سائر ما تقرأ مما هو ليس بذي بال، فإذا رأيت كتاباً أو اشتريت فاحفظ اسمه واسم مؤلفه واسم محققه - إن وجد - واسم الدار التي أصدرته، وتاريخ طباعته، والمعلومات الظاهرة عن المؤلف وتاريخ وفاته، وإذا ما طالعت مقالا فاحفظ أهم ما فيه من تاريخ واحصاءات وأسماء، وان حضرت درسا وسمعت معلومة حسنة فاحفظها، وبكلمة أقول (احفظ كل ما تقع عليه عيناك) فإنك لا تلبث ان تستدعيه ذات يوم في وقته فتجده عتيداً، ولم انت تبخل على نفسك بالعلم المبثوث وقد علمت ان في مخك مليارات الخلايا التي لو ظللت تودعها علما ما ملأتها ولا كدت؟!
وكذلك إذا ما قرأت القرآن فأنعم النظر فيه وتذوق كل لفظة بل كل حرف، ولا تدع عنك الاقتباس منه والاستنارة بنوره المبين.
وأما التأمل والتفكر فيما تقرأ فإنه نافع جد نافع، ذلك أن كثيرا ممن يتبعون الضلال، ويجورون عن الصراط السوي إنما أتوا من قبل قراءتهم المسلمة فكان تأثرهم من بعد سريعا ولو انهم نظروا نظرات وضربوا الحجة بالحجة، ولم يغرهم الزخرف اللفظي، ولا الطرائق الفلسفية لما كان صيرورة أمرهم الى ما كان.
ولهذا ترى أن أكابر الادباء والمفكرين في عصرنا هم من هذا الصنف، ولو فتشت لعلمت، وخلاصة ما سلف ان أقول: (كن أنت، ولا تكن مِزعاً مؤلفة من غيرك).
وأما التقييد الكتابي فلا يخفى نفعه، فإن المرء حين يعمل حاستين من حواسه أو أكثر فهو ليس كمن لا يعمل الا حاسة واحدة، ذلك أن القوى إذا تضافرت كان أثرها بالغا، فكلما اعملت حواسك أكثر كان حفظك أمكن وكان استقراره أبقى، ثم ان في تقييد ما هو ذو بال من المقروء فائدة أخرى، وهي الرجوع إليه عند الحاجة أو عند اتيان النسيان على المحفوظ، فإن مراجعتها تقوي الحفظ وتزيد في بقائه.
ولا يعزب عني أن أذكر ان مما يبقي الحفظ في الصدر هو كثرة اللهج به والتكلم عليه والتفكير فيه، ولهذا تجد انه لا يبقى من حفظك إلا ما هو كذلك، وخلاصة هذه الفقرة أن أقول: (أكتب خير ما تقرأ ثم أدم مراجعته) و(أكثر من الكلام على ما تقرأ والتفكير فيه).
وأما شأن البحث فإنك حين تبحث في مسألة أي مسألة تقف على معلومات جمة، وفوائد كثيرة أنت من قبل جاهل بها، وإذا ما ثقفت مسألتك فإنها لا تكاد تفلت من ذاكرتك، وهذا مجرب وهو من طرائق الحفظ الناجعة. ومن الخطأ البين ان يخال أحدنا أن الثقافة تأتيه طوعا، ولكن الحق انها لا تأتي بل تؤتى، فابحث عنها أنت ولا تنتظرها.
وحينئذ تكون مثقفا عالي الثقافة، وافر المخزون العلمي، بصيرا بما هو من حولك، وكل أولئك يخدمك في مختلف سبل الحياة!

فيصل بن علي المنصور


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved