Thursday 8th July,200411606العددالخميس 20 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أزمة في الأزمة أزمة في الأزمة
عبد الله محمد الغفيص/ كاتب سعودي

نعم لدينا أزمة فكرية ومنهجية وإعلامية في التعاطي مع ما نعيشه من أحداث مؤلمة في هذه الأيام.
إن أي مشكلة يراد تجاوزها لابد لها من وضع استراتيجية شاملة تُبنى على أسس علمية مستمدة من عمق هذه الأمة الحضاري والثقافي والديني, ولابد كذلك من بلورة القضية من جميع جوانبها النفسية والاجتماعية والدينية, ولابد أيضاً من تحديد المصطلحات ومعالجة الأسباب والمسببات التي أفرزت هذه المشكلة أو تلك والأخذ بعين الاعتبار التداعيات التي قد تنتج عن هذه المعالجة.
إننا في عالم متحرك لا يقبل التوقف ومنطقتنا العربية والإسلامية تعصف بها فتن تجعل الحليم حيران، وقد تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، والسبب في ذلك أننا غثاء كغثاء السيل، واللاعب الأمريكي في منطقتنا يمسك بمفاتيح اللعبة ويقذف الكرة في ملاعبنا لاختبارنا ولجس نبضنا لمعرفة ردود افعالنا ليتخذ بعد ذلك الطريقة المناسبة التي تخذمه وتحقق مصالحه!! فماذا نحن فاعلون؟
لقد وعى قادة هذه البلاد المباركة حفظهم الله تعالى هذا الواقع الدولي المتغير وبالذات بعد الحادي عشر من سبتمبر وماتبعه من تداعيات آلت في النهاية الى احتلال العراق وفرض واقع جديد في المنطقة فرضته الرؤية الأحادية المتطرفة في الإدارة الأمريكية الحالية, وهي رؤية إقصائية متعجرفة قائمة على نظرية القطب الأوحد في العالم الذي يريد ان يخضع الجميع لإرادته وأهدافه تحت قاعدة من لم يكن معي فهو ضدي، ضاربة بالمبادئ والأسس التي قام عليها الدستور الأمريكي نفسه؟! وراح ضحية هذه العجرفة الأمريكية ضحايا هنا وهناك كان آخرها بلاد الرافدين وها هم يتربصون ببعض الدول الدوائر منتظرين ما سوف تسفر عنه الانتخابات الأمريكية القادمة؟!!
ونحن هنا في المملكة العربية السعودية لسنا بمعزل عما يدور حولنا نتأثر بذلك سلباً وإيجاباً حسب تغير الأحداث وتطورها. فلابد إذاً والحالة هذه أن نلتف حول قيادتنا وأن نصلح بيتنا السعودي من الداخل بكل صدق وإخلاص لكي نقطع الطريق على كل من أراد بنا وبأهلنا سوءاً. إن مجتمعنا السعودي فيه أخطاء يجب ان تعالج في جوانب مختلفة من مناحي الحياة في الجوانب التربوية والتعليمية والعادات الاجتماعية، وفيه قصور وخلل يجب المسارعة الى تداركه في منهجية التفكير وتحليل الأمور، وفي آليات التعاطي مع هذه الأحداث وعدم استشعار خطورتها وما سوف تؤدي اليه.وما لم تتضافر الجهود، ويستشعر كل فرد من أفراد المجتمع السعودي رجالاً ونساءً المسؤولية الملقاة على عاتقه والأمانة التي حمله الله سبحانه وتعالى إياها، والتي عجزت السماوات والأرض والجبال عن حملها؟!!
تلك الأمانة التي من مقتضياتها الخوف من الله سبحانه ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة والجد والاجتهاد والتضحية والإخلاص فيما أوكل إلى الشخص من عمل لخدمة دينه ومجتمعه ووطنه الذي يعيش تحت ظلاله فيسهر على أمنه ويقدم كل ما يستطيع لخدمته ورفعته.
إننا يجب ان نعترف بأن هناك خللاً في التفكير واضطراباً في المفاهيم ومغالطة للحقائق وقلباً لها وعقماً في التجربة وسطحية في التعامل مع الأحداث والمتغيرات. إن المتابع لردود الفعل حيال هذه الأحداث الأخيرة التي تشهدها الساحة السعودية في أعمدة الصحافة وفي أقنية الإنترنت والإعلام، وفي المجالس الخاصة والعامة يجد ان نسبة من ذلك الخطاب في تلك الأقنية هو في الحقيقة خطاب عقيم قد وقع في فخ الإفراط أو التفريط، الجفاء أو الغلو, وإن ادعى حرصه على خدمة وطنه ودينه. إننا لا نستطيع ان نفهم ذلك الخطاب الإقصائي أحادي النظرة الذي يلغي نظرية الرأي والرأي الآخر ويقصي غيره وينفيه مع أول بادرة خلاف في الرأي بينه وبين ذلك الشخص غافلاً او متغافلاً عن هدي الإسلام ورسول الإسلام في تعامله مع المخالف, وليتهم طبقوا وهم الحريصون كما يقولون على هذا الدين مقولة الإمام الشافعي الشهيرة (رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
ايضاً يصيبنا الألم والدهشة ونحن نرى أقلاماً وأصواتاً هنا وهناك من إعلامية وفكرية ودينية تختزل المشكلة والأخطاء المحدقة في منازعات ومطارحات ومشاكسات هامشية هم أغلبها الاصطياد في الماء العكر وتصفية الحسابات الشخصية بين هذا الطرف أو ذاك وتبادل التهم في الانتماءات والنيات والمنطلقات ناسين أو متناسين أنه كان حرياً بهم ان يكونوا من ربان السفينة التي تقود المجتمع الى شاطئ الأمان، ولا يكونوا ممن يساهمون في خرق السفينة ودمار المجتمع. إن المعالجة المنهجية الموضوعية لهذا الحدث او ذاك يجب ان تنطلق من منطلقات مستمدة من تعاليمنا الإسلامية السمحة، ولذا فإنه يجب على من يريد المساهمة في معالجة الحدث او هذه الظاهرة او هذا الفكر أن يضع بين عينيه هذه المنطلقات وهذه المبادئ السامية والمتمثلة في الإخلاص لله سبحانه وتعالى وإرادة وجهه سبحانه والصدق والوضوح والشفافية والتجرد من الأهواء الانتماءات الفكرية والأيديلوجية، ووضع المصلحة الدينية والوطنية فوق أي مصالح أخرى حتى تؤدي هذه الجهود ثمارها وتؤتي أكلها وتسهم مساهمة فعالة في معالجة ما يعتور المجتمع من مشاكل وأزمات تعصف به وتعكر صفو أمنه واستقراره.
ولذا فسوف أقف هنا عدة وقفات لاستعراض عدد من المحاور التي آمل ان تكون لبنة في رسم المسار الصحيح لمعالجة هذه الأزمة:
أولاً: نقد ومعالجة فكر الغلو معالجة موضوعية قائمة على النقد المنهجي الذي يقابل الدليل بالدليل والحجة بالحجة والفكر بالفكر، لكي تضيق دائرته ويعزل في زاوية ضيقة، ولا يكون له أثر سلبي على شبابنا، وهذا يتطلب صدقاً ووضوحاً وتجرداً بكل ما تعنيه هذه المصطلحات من معنى، وهنا يأتي دور العلماء والمفكرين ليقطع الطريق على تلك الأفكار من ان تصل الى عقول شبابنا ومن ثمّ يتعاطفون معها ويؤمنون بها وفي النهاية يجاهدون من أجلها!!
ثانياً: ماهية وحقيقة خطابنا الفكري والدعوي: ان الناظر في خطابنا الفكري والدعوي يتبين له تركيز هذا الخطاب على التنظير وعلى اللغة الخطابية على حساب التطبيق والبرامج العملية، كما يركز على تناول العموميات المطلقة والمسلمات المتفق عليها ويهمل الحديث عن سبر أغوار المشكلة والغوص في أعماق القضايا ومناقشتها وتجليتها من جميع جوانبها، وهذا أدى بنا في النهاية الى ان نكون قوالب مقولبة وأوعية معبأة وأدمغة ملقنة وذلك لحضور ثقافة الأجوبة وغياب ثقافة الأسئلة، ولذا أصبحنا نفكر بتفكير غيرنا فسهُل اختراقنا والتأثير علينا.
إن الواقع الثقافي والفكري والدعوي في هذا المجتمع بحاجة ماسة الى معاهد للدراسات ومراكز للبحوث لكي نستطيع من خلالها مناقشة قضايانا ومعالجة مشاكلنا من جميع جوانبها المختلفة والبحث عن أسبابها وتبعياتها وتأثيراتها لتؤتي الجهود ثمارها ولتتكامل هذه المشاريع وهذه الدراسات في بلورة واقع ثقافي وفكري يكون على مستوى التحديات المعاصرة التي نواجهها.
ثالثاً: إن كثيراً من مشاكلنا التي تحاصرنا وتضيِّق الخناق علينا فلا نستطيع ان ننتج او نكون فاعلين ومؤثرين في مسيرتنا العلمية والعملية الخاصة والعامة هي في الحقيقة لكوننا نعاني من فراغ في الإدارة، وهذا الفراغ نجده متحققاً في عدم مقدرتنا على إدارة أنفسنا فيما نأتي ونذر من أعمال وأقوال، وفي إدارة بيوتنا وأهلينا وذلك بالمحافظة عليهم وتوجيههم التوجيه الصحيح الذي لا يتصادم مع قيم المجتمع وثوابته الدينية والوطنية وفي إدارة زملائنا وطلابنا في أساليب الطرح والمناقشة والأخذ والعطاء والمشاركة الفاعلة، الفراغ في الإدارة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
إننا لو استطعنا ان نملأ هذا الفراغ لحصل بذلك نفع كبير ولحلت كثير من مشاكلنا التي نعاني منها.
كذلك فإن فراغ الإرادة له نصيب في تكريس هذه المشاكل وهذه الأخطاء التي يعج بها المجتمع فإذا نظرت الى واقعنا الاجتماعي فإنك ستجد كثيراًُ من شبابنا يعاني من فراع في الإرادة فتجده ضعيف الهمة والعزم، قليل الإرادة لا يستطيع تحمل أية مسؤولية او الاضطلاع بأي أمر من الأمور الجادة والنافعة، تراه يركن الى الراحة والدعة، يلقي بالتبعيات على الآخرين، ونظرة واحدة في قاعات الدراسة في مدارسنا العامة وحتى الجامعات تعكس لنا هذه الصورة بكل خيوطها وظلالها؟!!
رابعاً: وأخيراً يجب علينا ان نستشعر مسؤوليتنا الدينية والوطنية في منطلقاتنا وفي كتاباتنا، فلو فعلنا ذلك وتجردنا من أهوائنا ونزعاتنا الشخصية لحلت كثير من مشاكلنا، ولعشنا في سلام ووئام مع انفسنا ومع من حولنا، ذلك ان المسؤولية الدينية توجب علينا الصدق والخوف من الله وإرادة وجهه سبحانه والدار الآخرة والعدل والإنصاف في أقوالنا وأفعالنا, ولن يتحقق ذلك الا بتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجاً. ومسؤوليتنا الوطنية توجب علينا ان نكون يداً واحدة وان نقف صفاً واحداً أمام كل من يحاول العبث بأمن وسلامة هذا المجتمع، كما توجب علينا ان نكون ناصحين لأنفسنا وأهلنا وعشيرتنا وولاة أمرنا بالكلمة الصادقة وبالأسلوب الهادي المتزن، ذلك أن الأمن في الأوطان خيار استراتيجي لا غنى لاحد عنه وقيمة اجتماعية يجب المحافظة عليها بكل ما أوتينا من قوة فمن عاش آمناً في سربه معافى في بدنه فكأنما حيزت له الدنيا. سدد الله الخطى وبارك في الجهود والله يتولانا بحفظه ورعايته، والله من وراء القصد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved