Thursday 8th July,200411606العددالخميس 20 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

وقفة فاحصة مع فكرة خاطئة وقفة فاحصة مع فكرة خاطئة
المطلوب تربية الأبناء على معرفة مقاصد الإسلام

أستميح الأخ الأستاذ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ عذراً في إبداء بعض المرئيات على مقاله المنشور في جريدة الجزيرة الصادرة يوم الأحد ، الموافق 9 من جمادى الأولى 1425هـ العدد 11595 بعنوان (الخطاب الديني وضرورة التجديد) .. لا أشك في حسن نيتك في هذا الطرح الفكري الذي أستشف منه اقتراحك في فسح المجال للخطاب الخارجي وتقبله والتعامل معه ، بإرخاء القيود لبعض الأحكام الصادرة من الكتاب والسنة اللذين هما الأساس لقواعد البناء الذي قام عليه ديننا ، وانطلقت منه سياسة دولتنا وتميز به مجتمعنا المحافظ لكي ترضى عنا المجتمعات الغربية والأوروبية ويندمج مجتمعنا معها كما اندمجت معها بعض الدول الإسلامية.
وأبدأ ملاحظاتي على المقال المذكور بما يلي :
1- لقد حكم الكاتب (بضرورة التجديد في الخطاب الديني) ، فكيف يدعي أن الخطاب الديني يحتاج بالضرورة إلى تجديد ؟ بأي أسلوب وبأي عبارة يستطيع أي عربي بليغ أن يأتي بمثل أسلوب القرآن الكريم الذي تحدى الله به بلغاء العرب بأن يأتوا بحديث مثله ؟
2- ما ذكره الكاتب من ضرورة مواكبة الخطاب الإسلامي للمتغيرات المستجدة ، طلباً لتحقيق المصلحة الدنيوية للإسلام والمسلمين ، أتوجه إلى الكاتب بأن يأتي بعبارة واحدة فقط من الخطاب الديني تقف في وجه مصلحة دينية أو دنيوية للإسلام والمسلمين ، ان المسلم يؤمن بأن الكمال الديني الذي شهد الله به لهذه الأمة كمال في كل شيء ، كمال في الخطاب ، كمال في العبارات ، كمال في المعاملات ، كمال في العلاقات الاجتماعية ، كمال في العلاقات السياسية ، كمال في كل نواحي الحياة ، وأما ما يصدر من بعض المسلمين من خطابات أو مؤلفات أو معاملات تتعارض مع قيم الإسلام ، فلا يحمل الإسلام وزر هذه الأخطاء.
3- ما ذكره الكاتب من أن تقارب المسافات وتداخل الثقافات لابد أن يلقي بتبعاته على الخطاب الديني بالشكل والمضمون أقول : إن المسلم يجب أن يثبت أمام هذه المتغيرات ويظهر جدارته وثقته بنفسه ، ويثبت كالجبل الأشم أمام هذه الزوابع المتلاحقة فيؤثر ولا يؤثر عليه ، مستمداً قوته وعزته من قوة الإسلام وعزته.
4- ذكر الكاتب أن المطالبة بتجديد الخطاب لا تعني تغيير مفاهيم شريعة الإسلام ، ولا تجاوز أهدافها ومقاصدها ، كيف نوفق بين هذا الكلام وبين ما أورده الكاتب من دعوته إلى تفعيل التعامل مع هذه الأهداف والمقاصد ، من خلال إعادة النظر في تحقيق المصالح ، مستشهدا بفعل عمر - رضي الله عنه بتعليق قطع يد السارق عندما حلت بالمسلمين المجاعة عام الرمادة على أساس أن القصد من القطع كان الردع ، ولم يكن مجرد القطع.. كيف يسوِّغ الكاتب الاستشهاد بهذه الحادثة مع وجود النص القرآني الصريح { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (38) سورة المائدة ؟ فحكمة الله سبحانه وتعالى في قطع يد السارق حكمة بليغة ، تظهر آثارها في أمن المسلمين على أموالهم ، فحادثة قطع واحدة ، تكف آلاف الأيدي من التعدي على أموال الناس ، وترك الناس بضائعهم في الشوارع أمام دكاكينهم وقت تأديتهم للصلاة بلا حراس أكبر شهادة على المردود الإيجابي لهذا الحكم الحكيم ، وما أشبه هذا الحد بحكم القصاص من أجل الحياة { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ }.
5- استدل الكاتب بقول المفكر المغربي محمد عابد الجابري بقوله : (لم يتردد كثير من الفقهاء المجتهدين في الخروج عن هذه السلسلة سلسلة التقليد والرجوع بالرأي الاجتهادي إلى الواقع ، أقول : ما هو هذا الواقع أتريد أن تُترك الأحكام الصريحة الصحيحة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة إلى بعض الآراء والاجتهادات والأقوال ؟
أما ما يتعلق بالقضايا التي لم يرد فيها نصوص صريحة وينظر فيها العلماء بالاجتهاد ، فلا أعدل ولا أصوب من آراء واجتهادات علمائنا في المملكة من علماء الدعوة السابقين وعلمائنا المعاصرين المتوفين منهم كسماحة مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، وسماحة الشيخ عبد الله بن حميد ، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وسماحة الشيخ محمد بن عثيمين - رحمهم الله جميعاً - كذلك وعلمائنا المعاصرين الأحياء ألا يسعنا ما وسعهم. وما أشار إليه الكاتب من أن المصلحة إذا تعارضت مع النص روعيت المصلحة ، معروف أن القاعدة الأصولية تقول إن العقل السليم لا يعارض النص الصحيح وأنه لا اجتهاد مع النص.
6- قال الكاتب ، وإذا اتفقنا على ضرورة التجديد فإن أهم هذه القضايا الملحة التي أرى ان نبتدئ بها تنحصر في تقديري في ثلاث مسائل وهي :
أ - مفهوم الجهاد.
ب - مفهوم الولاء والبراء.
ج - سريان الربا المحرم شرعاً في اقتصاد يقوم على أساس النقود الائتمانية والبنوك كما هو الوضع اليوم.
أقول هل يقصد من التجديد : التجديد في الأسلوب أو الألفاظ أو الأحكام ؟ فالخطاب الديني خطاب كامل شامل واضح ، صريح في اسلوبه بليغ في الفاظه نزيه في أحكامه ، وقد أشار الكاتب إلى ثلاثة مواضيع : موضوع الجهاد والولاء والبراء وموضوع الربا ، ولو فهم مفكرو الغرب ورجال الإعلام فيه مقاصد الإسلام في هذه الأمور الثلاثة وغيرها لما اعترضوا وانتقدوا الإسلام والمسلمين في تطبيقها ، فهم يعتقدون أن مفهوم الجهاد : هو حمل السلاح على جميع الكفار ، ويحملون الإسلام مسؤولية هذا الفهم الخاطئ فالإسلام بريء من هذا المفهوم الخاطئ.
فالإسلام رسالة سلام وسماحة ومحبة ووئام ، رسالة سلام لمن سالمه ورسالة حرب لمن عاداه ، الإسلام وجه المسلمين بعدالته وحكمته إلى التعامل مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن ، اسمعوا هذا التوجيه الكريم { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } (46) سورة العنكبوت ، وقوله : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } (61) سورة الأنفال ، وقوله : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (34) سورة فصلت.
فأهل الكتاب في بلادنا ذميون أو معاهدون أو مستأمنون قد ضمن لهم الإسلام الأمن على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ، فأي أمان يطلبه أهل الكتاب في ديار المسلمين من أمان الإسلام لهم ؟ فلماذا نناقش مفهوم الجهاد الذي هو رد من يعتدي من أعداء الإسلام على المسلمين وديارهم وهو دفاع عن النفس وله قيود وشروط ؟ ولكن المطلوب ان توجه الأمة شبابها إلى معرفة مقاصد الإسلام من هذه الأمور.
أما الولاء والبراء فهو أن توالي وتحب من يحب الله ورسوله ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن من عباد الله ناساً ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمكانتهم من الله ، فقالوا فتخبرنا عنهم قال : هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها ، ووالله إن وجوههم لنور وإنهم على منابر من نور يوم القيامة ، ثم تلا { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (62) سورة يونس ، فما أعظم أجر الولاء.
وأما البراء : فهو الكراهية والبراءة لمن يبغض الله ورسوله ، ولكن هذه الكراهية لا تكون سبباً في التصدي أو الإيذاء لأحد من أعداء الإسلام ، كما ان البغض والكراهية توجه إلى العصاة من المسلمين كل على حسب معصيته ، فالولاء والبراء مطلوب شرعاً من كل مسلم ، ولكن حسب مفهوم الإسلام لا مفهوم بعض الجهال الذين يصلون إلى حد التطرف في تعاملهم.
وأما الربا الذي أباح بعض العلماء بعض صوره في بعض البلاد الإسلامية ، فهو محرم بنص الكتاب ونحن والحمد لله نرى ان أهل هذه الآراء قد ظهر لهم واقع التعامل الإسلامي ، فنجد أن البنوك في بلادنا أخذت تتسابق إلى هجر المعاملات الربوية وتستخدم المعاملات الإسلامية بدلا منها ، وهذا أحد البنوك مؤخراً قرر أن تكون جميع معاملاته موافقة للشريعة الإسلامية قريباً نسأل الله لهم العون والتوفيق.
وخلاصة هذا الموضوع : ان هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها الكاتب من ثوابت عقيدتنا وشريعتنا ، لا يجوز الاجتهاد فيها لأنها قائمة على نصوص شرعية صريحة واضحة ، ولكن الأمر المطلوب هو أن نربي أجيالنا وشبابنا على معرفة مقاصد الإسلام واحترام مضامينه وعدم الخروج عليها ، وبهذا نحقق للأمة الإسلامية توحيد الكلمة وجمع الصفوف.. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق..

مبارك بن محمد آل رشود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved