Monday 12th July,200411610العددالأثنين 24 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الجداران.. الصهيوني والمتصهين !! الجداران.. الصهيوني والمتصهين !!
عبدالله الصالح العثيمين

الجدار الصهيوني هو ذلك الجدار المادي الذي بدأ الصهاينة ببنائه - وهم ساعون حثيثاً لإكمال هذا البناء - مقطِّعين الأراضي التي احتلوها عام 1967م إلى أوصال. يضاف الأهم منها إلى ما سبق أن اغتصبوه من أراضي فلسطين. وواكب البناء اجتثاث كثير من مزارع المواطنين الفلسطينيين الخاصة وتهديم منازلهم، وهم بهذا العمل الإجرامي المنافي للقوانين الدولية وحقوق الإنسان يعبِّرون أوضح تعبير عن المدى الذي وصل إليه اتِّصافهم بالعنصرية المقيتة. ولقد وقف أنصار العدل في العالم كله - وفي طليعتهم أناس من مجتمعات غربية سيطر النفوذ الصهيوني على قلوب بعض قادتها - ضد بناء ذلك الجدار. بل إن من أولئك الأنصار من قَدِموا إلى الأراضي المحتلَّة ليعبرِّوا فعلاً عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني المظلوم؛ معرِّضين أنفسهم لصلف أفراد الجيش الصهيوني ورعونتهم.
وقبل يومين أعلنت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيها الاستشاري الذي طلبته منها الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ موضحة أن بناء الجدار غير قانوني، وأنه يجب تفكيكه، وإعادة ممتلكات الفلسطينيين إليهم، ودفع تعويضات للمتضرَّرين منهم، بل إنها أشارت إلى أن على سلطات الاحتلال الصهيوني أن تضع حداً للانتهاكات التي تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني؛ إنساناً وأرضاً.
وقد جاء ذلك الرأي العادل للمحكمة المذكورة بمثابة إجماع دولي فقد كان رأي أربعة عشر قاضياً من بلدان مختلفة، ولم يعارضه إلا قاض واحد من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أبت زعاماتها المتعاقبة إلا أن تتحَّدى العالم كله تضامناً مع الكيان الصهيوني العنصري. وإذا كان رأي محكمة العدل الدولية قد جاء عادلاً - كما كان متوقعاً ومؤمَّلاً - فإن موقف ذلك القاضي الأمريكي لم يأت غير منسجم مع موقف القيادات الأميركية الحالية بالذات، التي تتوالى برهنة الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها على أنها تدرك غطرستها وانحيازها التام مع الصهاينة المنتهكين لحقوق الشعب الفلسطيني. بل إن أصواتاً لشخصيات بارزة من المفكرين والسياسيين داخل أميركا نفسها أصبحت تزداد ارتفاعاً يوماً بعد آخر موضحة أن السياسة التي يتبعها قادتها جعلت دولتهم مكروهة عالمياً وبخاصة من قبل العالم الإسلامي المتضرِّر أكثر من غيره بتسلُّطها وغطرستها.
وأما الجدار المتصهين فهو جدار لا يتكوَّن من حديد وخراسانة، وإنما يتمثَّل في دعم زعماء أميركا للصهاينة؛ معنوياً واقتصادياً وعسكرياً، منذ أن منحتهم حكومة بريطانيا الاستعمارية ظلماً وجوراً، وعد بلفور المشؤوم لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين عام 1917م. بدأت معالم مخطط هذا الجدار تلوح في الأفق عندما أعلن الرئيس الأميركي المشهور ولسون تأييده لذلك الوعد؛ متجاهلاً أنه يتنافى مع حقوق الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش - كما عاش أسلافه قروناً متعاقبة - على أرض فلسطين.
ثم اتضحت تلك المعالم أكثر فأكثر في عهد الرئيس روزفلت، الذي أكد على أن سياسته يعبِّر عنها بيان وزارة خارجيته الذي ورد فيه: أنه بالمال الأميركي والذهب سينمو الوطن القومي اليهودي في فلسطين ويتطور. وما كان موقف خلفه الرئيس ترومان إلا امتداداً لموقفه وإن ازداد رسوخاً ووضوحاً في تأييد الصهاينة نتيجة ازدياد نفوذهم داخل أميركا في ميادين متعدِّدة بينها المال والإعلام. وفي عهد الرئيس كيندي وضعت أسس الجدار المتصهين؛ وذلك بإعلانه أن أميركا تتعهَّد بحماية إسرائيل من أي خطر يهدِّد حدودها؛ علماً بأن الكيان الصهيوني لم يضع حدوداً نهائية لتوسعه حتى الآن. وهذا يعني أن أميركا تتعهَّد بأن تساعد ذلك الكيان في الدفاع عن كل أرض عربية اغتصبها حينذاك أو سيغتصبها مستقبلاً.
ومرَّت السنوات، وتعدَّدت ملامح الجدار المتصهين. فكان من تلك المعالم القضاء على قوة العراق سنة 1991م؛ وهي القوة التي قال عنها وزير الخارجية الأميركي، جيمس بيكر؛ إنها كانت الخطر الاستراتيجي الحقيقي على إسرائيل. وأكملت إدارة بوش الأب تلك الخطوة المهمَّة جدا بخطوات أخرى سياسية معنوية بينها: جَعْل عدد من الدول تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني؛ خوفاً من سطوة أميركا أو طمعاً في معونتها. وبينها جَعْل الأمم المتحدة تلغي قرارها السابق الذي وصف الصهيونية بالعنصرية. بل إنها تعهَّدت بضمانات لذلك الكيان بحدود عشرة بلايين دولار أُنفِق منها على إقامة مستوطنات للقادمين الجدد من الصهاينة إلى أرض فلسطين المحتلة؛ وذلك على حساب مصلحة أهلها الواقعين تحت الاستعمار الصهيوني.
وتتوالى إشادة الجدار المتصهين على أيدي قادة أميركا الحاليين. فإذا بخطوة القضاء على قوة العراق عام 1991م تردف بعد عقد من الزمن بخطوة أخرى مكملة تتمثَّل في احتلال العراق وتحطيم قواته العسكرية والأمنية وتمهيد الطريق للقضاء على بنيته العلمية المتمثِّلة في علمائه البارزين؛ وبخاصة روَّاد التقنية؛ تصفية جسدية أو تغييباً عن ميدان التخصص، ونَهْب ما أمكن نهبُه من تراث العراق الفريد.
ولم يكن غريباً لدى من درس تاريخ الزعامات الأميركية المتعاقبة بالنسبة لقضية فلسطين؛ سواء من وصل من تلك الزعامات إلى سدَّة الحكم أو حاول الوصول ولم يتمكن، أن يرى ردَّ فعل أقطاب إدارة بوش الحالية ومنافسيه من الحزب الديمقراطي لما صدر من رأي لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار الصهيوني العنصري. فلقد تسابق الطرفان الحاكم والساعي إلى الحكم في إظهار التنديد برأي المحكمة الدولية، ووصفه بأنه غير مناسب وغير ملزم. وإذا كانت أميركا قد دأبت على الوقوف ضد أي مشروع قرار في مجلس الأمن يدين جرائم الكيان الصهيوني: مستعملة حق النقض - بل وقفت، أيضاً، ضد إلزام هذا الكيان بتطبيق القرارات الدولية - فهل يستغرب منها أن تصف رأياً دولياً استشارياً بأنه غير مناسب وغير ملزم؟
ان رأي محكمة العدل الدولية يستحق التقدير لإيضاحه الحق، وفيه ما فيه من دعم لحق الشعب الفلسطيني المظلوم، لكن العالم الآن خاضع بدرجات مختلفة للهيمنة الأميركية المتبنِّية للرغبة الصهيونية؛ تصهيناً أو إرضاء لتلك الرغبة.
ومجلس الأمن ليس إلا أداة في يد الدولة القوية المهيمنة دولياً. ولعلَّ كاتب هذه السطور لم يبتعد عن الصواب عندما قال في إحدى قصائده:


تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدَّخنِ
دولة من كيدها مُلِئَتْ
جنباتُ الأرض بالمحنِ
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكنِ
وأمين من صنائعها
نصَّبته غير مؤتمنِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved