Monday 12th July,200411610العددالأثنين 24 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "متابعة "

النهضة.. ما الطريق إليها؟ النهضة.. ما الطريق إليها؟
د. اسعد عبدة

ألقيت هذه المحاضرة في عام 1402هـ - أي قبل أكثر من عقدين من الزمن في مدينة حائل ضمن الموسم الثقافي الذي نظمته كلية التربية بجامعة الملك سعود آنذاك - ولم تنشر، ولم أكن حريصاً على نشرها.. لكن ما تعرضت له المملكة من تحديات في المدة الأخيرة جعلني أغيّر رأيي.. وفيما عدا أمور صياغية بسيطة، فإن هذا هو نص المحاضرة كما ألقيت.
في البداية:
أشكر اللجنة الثقافية بكلية التربية بجامعة الملك سعود، وأشكر المسؤولين في منطقة حائل وعلى رأسهم سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز.. وأشكر من حضر لسماع هذا الحديث الذي لا يمكن أن يسمى محاضرة، وإنما هو مشاعر ووجهات نظر، قد يصح بعضها وقد لا يصح، قد يؤديها البعض وقد يعارضها البعض، وقد أغيرها أنا إذا جدّت أمور جعلتني أغيّر وجهات النظر هذه، لكنها في الوقت الحاضر عبارة عن مشاعر صادقة عما أشعر به تجاه النهضة التي تعيشها المملكة.
الموضوع:
موضوع هذه المحاضرة النهضة.. والنهضة هي النهوض من الموضع والقيام عنه، نهض ينهض نهضاً ونهوضاً وانتهض أي قام، وأنهضه حركه للنهوض، والنهضة الطاقة والقوة.
ويمكن القول إن النهضة هي إقلاع مجتمع من واقع سيئ إلى آخر حسن، أو بعبارة أخرى انطلاق مجتمع من التخلف إلى التقدم، أو إن شئت فقل: سير مجتمع ليلحق مجتمعات سبقته في سلم الحضارة.
نحن إذن عندما نتكلم عن النهضة نتكلم أيضا عن التقدم، لأنه هدف النهضة وغايتها.. ويعني التقدم في اللغة سبق الآخرين في مضمار ما، ولكننا نقصد بالتقدم اليوم السبق في ميدان العلوم والتقنية، وما يتبع ذلك من سبق في ميدان الإنتاج، الأمر الذي ينعكس على مستوى معيشة المجتمع.
والحضارة عكس البداوة، والحاضر أو الحضري هو المقيم في مدينة، والبادي أو البدوي المقيم في البادية، والحضر والحضرة والحاضرة هم سكان المدن. ولعلنا نقصد بكلمة (حضرة) التي نستهل بها رسائلنا أحياناً وصف المخاطب بالتحضر.
ويمكن القول إن الحضارة هي ما حققه الإنسان منذ أن وجد على سطح الأرض وحتى الوقت الحاضر، لجعل المكان الذي يعيش فيه مناسباً لحياة أفضل.. أي أن الحضارة التي نعيشها اليوم هي حصيلة جهد قام به إنسان هذه الأرض منذ آدم عليه السلام حتى الوقت الحاضر.. فقد نجح الإنسان بقدرة الله عزّ وجلّ في تعامله مع العوامل الفطرية المحيطة به، وأصبح قادراً على التقليل من آثارها السلبية على حياته، كما أصبح قادراً على استغلال كثير منها لصالحه.. ولعل من أهم خطوات الإنسان في سلم الحضارة معرفة الزراعة، واكتشاف قوة البخار، واختراع الآلة التي تسير بالطاقة الداخلية، واكتشاف استعمالات مفيدة لكثير من الموارد الطبيعية التي لم يستفد منها من قبل.. فعلى سبيل المثال استطاع الإنسان بقدرة الله عز وجل، أن يقلل من مشكلة المسافة التي تفصل بين الأماكن بمخترعاته في مجال النقل والاتصالات، ومن مشكلات الحرارة والبرودة بالمسكن والملبس ثم بمخترعاته في ميدان التكييف والتسخين، كما استطاع أن يجعل النفط مادة ذات فائدة كبيرة.. إلى غير ذلك من الإنجازات التي لا مجال لحصرها في مثل هذا الحديث.
وخلال هذا التاريخ الطويل الذي عاشه الإنسان على سطح الأرض، والذي حقق فيه ما حقق من تقدم، كانت الرسالات السماوية هادية له، منظمة لعلاقته بخالقه وبأخيه الإنسان بل وبكل شيء.. ومن المؤلم أيها السادة أن اختلاف مستوى الحضارة لا يوجد بين الحاضر والماضي وحسب، وإنما يوجد أيضا في وقتنا هذا بين أجزاء سطح الأرض المختلفة.. إن الفارق في المستوى الحضاري للمجتمعات البشرية التي تعيش اليوم على هذا الكوكب، يكاد يصل إلى الفارق بين مستوى حضارة اليوم والحضارة البشرية قبل آلاف السنين.
وهذا الاختلاف الموجود في مستوى حياة الإنسان بين مكان ومكان، هو الذي يجعل البعض يقسم شعوب العالم إلى متقدمة ومتخلفة، أو متطورة ونامية، أو غنية وفقيرة، أو يقسم العالم إلى شمال وجنوب، أو إلى عالم أول وثان وثالث ورابع.. بل إن بعض المجتمعات تسمى بالمجتمعات الجائعة.. ولو نظرنا إلى خارطة العالم لوجدنا المجتمعات ذات المستوى المتوسط فما فوق، من حيث التقدم، هي مجتمعات أمريكا الشمالية وغربي أوروبا واليابان واستراليا ونيوزيلندا.. ولوجدنا المجتمعات ذات المستوى دون المتوسط تظهر بوضوح في قارتي إفريقيا وآسيا.
والجدير بالذكر أن المجتمعات المتقدمة يقل عدد سكانها عن عدد سكان المجتمعات المتخلفة، ولكن تلك المجتمعات المتقدمة تستغل معظم ثروات العالم.. إن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك بين 30 إلى 40% من الموارد المتوافرة في العالم، مع أن تعداد سكانها حوالي 5% من سكان العالم.. ومما يجعل المشكلة خطيرة ومعقدة، أن الفارق بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة، وهي المجتمعات المحتاجة إلى النهضة، في زيادة وليس في نقص.
أين موقعنا؟
والآن أين موقعنا، نحن مجتمع المملكة العربية السعودية، في خارطة التقدم والتخلف؟
إذا قسنا التقدم بالمستوى العلمي والتقني، وما يترتب عليه من قدرة على الإنتاج، وما يتبع كل ذلك من رقي في مختلف مجالات الحياة، وجب أن نعترف بأن مستوانا في كل هذه المجالات لا يرقى إلى مستوى المجتمعات المتقدمة.
إننا مجتمع يعتمد إلى درجة كبيرة على دخله من تصدير مادة أولية، واستيراد المنتجات الصناعية، وهذه سمة المجتمعات المتخلفة.. بينما سمة المجتمعات المتقدمة هي استيراد المواد الأولية وتصدير المنتجات الصناعية.
هذه الحقيقة تجعلنا طلاب نهضة، نقلع بها من مرتبة التخلف إلى مرتبة التقدم.
هل نحن في نهضة؟
نعم نحن في نهضة والحمد لله، وهو أمر ظاهر لكم لا يحتاج إلى دليل لإثباته، وإن أردتم دليلاً فاسمحوا لي أن أذكر لكم أن منزلنا بالمدينة المنورة كان حتى سفري إلى الرياض للالتحاق بالجامعة - أي قبل إحدى وعشرين سنة - بدون كهرباء، وبالتالي بدون مكيف هواء، أو مروحة كهربائية، أو ثلاجة، أو غسالة، أو غير ذلك من الأجهزة.. ولم تصل إليه شبكة الماء، كان ماء الشرب يأتي به (السَّقَّا)، والماء للاستعمالات الأخرى من بئر في البيت، ثم بواسطة (ليّ) نمده إلى (كَبّاس) الحارة.. ولم يكن في بيتنا حمام حديث.. وبالطبع لم يكن به تلفون أو تلفزيون.. ولقد كان منزلنا في وسط المدينة، ويعتبر من منازل أواسط الناس.. وكانت معظم المساكن بالمدينة المنورة قبل إحدى وعشرين سنة في مثل حالة منزلنا.. وإذا كان هذا هو حال معظم مساكن المدينة المنورة، في ذلك الوقت فكيف كان حال المساكن في المدن الأصغر أو الأقل أهمية؟.. أما اليوم فإن الكهرباء عمت حتى بيوت كثير من القرى الصغيرة، كما وصلت خدمات الماء والتلفون تلك البيوت.. هذا مثال بسيط أردت به أن أذكر نفسي وأذكركم أننا نعيش في نهضة والحمد لله.. وهي نهضة سريعة، لدرجة أن فرص التعليم والخدمات المختلفة التي حصل عليها الابن الأصغر في أي أسرة من الأسر التي نشأنا فيها، كانت أفضل مما حصل عليه الابن الأكبر.. ذلك لأن الخدمات تزداد وتنتشر في كل سنة، فليتنا أيها السادة ندرك هذا ونشكر الله عليه.
متى بدأت نهضتنا الحديثة؟
يعرف الجميع أن النهضة الحقيقية لهذا المجتمع بدأت عندما اختار الله أحد أبناء شبه الجزيرة، واختار مجتمع هذه البلاد وأرضها، لآخر رسالاته.. هذا أمر لا شك فيه ولا جدل، لأن الرسالة المحمدية لم تكن بداية نهضة لمجتمعنا وحسب، وإنما للإنسانية كافة.
أما نهضتنا الحديثة فيبدو لأول وهلة أنها بدأت مع تصدير النفط الخام وإنفاق العائد المالي منه على مشروعات التنمية.. ولكن المتعمق يجد أن نهضتنا الحديثة خطت ثلاث خطوات هامة آخرها خطوة استثمار عائدات النفط.
الخطوة الأولى هي خطوة الإصلاح الديني التي قادها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وناصرها آل سعود.. تلك كانت الخطوة الأولى في نهضتنا الحديثة لأنها صححت الدين وجعلت الناس يعودون إلى الإسلام النقي البسيط الذي لا غلو فيه. ومكنت المجتمع من أن يخطو الخطوة التالية.
أما الخطوة الثانية فكانت تأسيس المملكة العربية السعودية.. وإذا كانت الخطوة الأولى حققت الإصلاح الديني، فإن الخطوة الثانية حققت الإصلاح السياسي والإداري والأمني، وجعلت المجتمع مؤهلاً ليخطو الخطوة الثالثة، وهي خطوة استخراج النفط واستغلال العائد منه في تنمية المجتمع.
إنه من الصعب أن نتخيل أنه كان بالإمكان تأسيس المملكة العربية السعودية بالشكل الذي تأسست عليه، لو لم تسبق بحركة الإصلاح الديني، كما أنه من الصعب أن نتصور أنه كان بالإمكان الاستفادة من ثروة النفط بالشكل الذي يحصل الآن، بدون الإصلاح السياسي والإداري والأمني الذي تحقق على يدي مؤسس هذه المملكة، الملك العظيم عبدالعزيز آل سعود.
ماذا نريد؟
ينبغي أن نعرف ما نريد، كما ينبغي أن نعرف الطريق الصحيح للحصول على ما نريد.. وما نريده في خطوتنا الحالية هو العلم والتقنية.. والطريق إلى العلم والتقنية يمر بالمجتمعات التي تملكها، وهي المجتمعات الغربية واليابان.
هذا أمر لابد منه لأي مجتمع يريد النهوض في عصرنا هذا، لأن حضارة هذا العصر ترتكز على العلم والتقنية. واقتباس علم الغرب وتقنيته هو ما فعلته اليابان في عصر نهضتها المسمى بالعصر الميجي (1868-1912م)، وهو العصر الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه من تقدم.. لهذا فإنه من الطبيعي أن يركز مجتمعنا في مرحلته الحالية على نقل علم الغرب وتقنيته.. وذلك عن طريق الابتعاث إلى الخارج، وجلب الخبراء الأجانب للبلاد، وفتح المدارس والجامعات ودور البحث العلمي، والتدريب الجاد لاكتساب المهارات.
هذا هو الطريق أيها السادة، وليس هناك طريق غيره.. وهو ليس بالطريق السهل أو القصير، وقد بدأنا السير فيه بنجاح والحمد لله.
هل نستطيع مواصلة السير وتحقيق الهدف؟
لا أظن أنني أو غيري يستطيع الإجابة على هذا السؤال بشكل قاطع.. وأصارحكم: إنني أحياناً أشعر بالخوف على نهضة بلادي، ولكن في أكثر الأحيان أشعر بالأمل والرجاء والتفاؤل.
مماذا أخاف؟
- أخاف أن ينجح أشرار في تخديرنا، ونهب ثرواتنا، ثم يوقظوننا، لنجد أنفسنا في النار.. وإذا تمكن الأشرار من ذلك، فمعنى هذا أن نهضتنا الحالية أشبه ما تكون ببرق ليلة ظلماء، يكاد ضوؤه أن يخطف الأبصار، ولكن ضوء البرق لا يستمر إلا برهة قصيرة، تاركاً بعده ظلاماً أحلك مما كان قبله.. أو هي نهضة كربيع الصحراء، الذي يسر العين، ويبهج النفس، لكنه لا يستمر إلا مدة قصيرة.
- كما أشعر بالخوف لأني أعرف أن نهضتنا الحالية ترتكز على تصدير النفط. وأعرف أن رصيد بلادي من هذه الثروة ينقص بمعدل سبعة إلى عشرة ملايين برميل يومياً.. إن استخراج عشرة ملايين برميل في اليوم يعني أن رصيدنا من النفط ينقص في الدقيقة حوالي سبعمائة برميل.. وإذا استمر حديثي هذه المدة ساعة فسيكون ما استخرج من النفط خلال هذه الساعة أكثر من أربعين ألف برميل.. إن عشرة ملايين برميل كمية هائلة، لو أردت أن أمثل كل برميل بنقطة على صفحة بيضاء، ووضعت في كل صفحة مائة نقطة، لاحتجت إلى مائة ألف صفحة.. لكن هذا نصف الصورة، أما النصف الآخر فهو ما يرد إلى بلادي من مال وفير نتيجة تصدير هذه الكمية الكبيرة من النفط.. وهذا المال أداة ضرورية في نهضتنا الحالية إذا أحسنا استغلاله، وإنَّا إن شاء الله فاعلون.
- وأخاف من شيء آخر، هو أن ينتهي مخزون أرض بلادي من المياه الجوفية، حتى قبل انتهاء مخزونها من النفط.. ومصدر هذا الشعور أننا كنا نعتمد على مياه آبار سطحية غير عميقة، نخرج منه كمية قليلة من المياه بوسائل محلية. وكانت الأمطار القليلة التي تسقط في كل سنة، تعوض ما يستخرج من مياه تلك الآبار.. ثم عندما استعملنا الآلة الحديثة في ضخ الماء، امتصت تلك الآلة ماء البئر بل والآبار المجاورة في مدة قصيرة، وبقيت الآبار بقية أيام السنة جافة حتى يعود نزول المطر.. ثم نجحنا في حفر آبار عميقة، ووجدنا كميات من الماء المخزون في جوف الأرض، وقلنا إن أرض شبه الجزيرة تسبح في بحيرات من النفط وبحيرات أخرى من الماء العذب.. ولقد ظهرت مياه هذه الآبار العميقة فوارة على سطح الأرض في بعض المناطق، وضخت بمضخات في مناطق أخرى، فارتوينا وزرعنا وبنينا.. ولكننا نجد مياه هذه الآبار العميقة تنقص مع الأيام، ونعلم أن هذه المياه البعيدة مياه جيولوجية مخزونة في باطن الأرض من أزمنة قديمة، وأنها مياه لا تعوضها الأمطار التي تسقط حالياً.. لابد إذن من اكتشاف حقول مياه جديدة باستمرار، ولابد من حفر آبار أعمق باستمرار، كما أنه لابد من الالتجاء إلى ماء البحر رغم ارتفاع كلفة تحلية مياه البحر، إلا أن المطمئن أن البحر لا ينفد ماؤه.. ومشكلة استنزاف مخزون الأرض من الماء قد لا نحس بحجمها حالياً، لأن لدينا المال اللازم للحصول على الماء من الآبار العميقة أو من البحر أو من ثلوج القطب الجنوبي.. نحن لا نشعر بالمشكلة لأننا نستطيع الآن أن ندفع القيمة النقدية للحصول على الماء، حتى وإن استوردنا كل حاجتنا منه من الخارج في قوارير أو علب أو جوالين.. ولكن ماذا سيحدث لو أنفقنا جزءاً من دخلنا من النفط في استنزاف مخزون الأرض من الماء العذب، ثم بعد سنوات قلت أم كثرت، أصبح جوف أرض هذه البلاد قليل الماء قليل النفط؟ ومرة أخرى فإن هذا هو جزء من الصورة، أما الجزء الآخر فهو أننا بدأنا في استعمال الماء أكثر من مرة بعد تنقيتها كما نرجو أن نتمكن من خفض كلفة تحلية مياه البحر، وأن نتمكن من الوصول إلى حلول أخرى جديدة لمشكلة نقص المياه في المستقبل بإذن الله.
- إن التفكير في نضوب النفط أمر يزعجني، والتفكير في جفاف مياه الآبار أمر يقلقني، ولكن ما أخاف منه على نهضتنا أكثر من أي شيء آخر، هو عدم محافظتنا على الأمن والاستقرار الذي تنعم به هذه البلاد.. فنحن نعلم أن الأمن والاستقرار شيء نادر خاصة في المجتمعات المتخلفة أو النامية، وبلادنا تنعم والحمد لله بهذا الشيء الثمين النادر، والذي هو شرط أساسي من شروط النهضة.
إن طريق النهضة طويل.. والسير فيه يحتاج إلى جهود مستمرة تقوم بها أجيال متعاقبة.. والنهضة تتحقق خطوة خطوة ولا تتحقق في جرعة واحدة.. ولا توجد طريقة سحرية تحقق النهضة بين ليلة وضحاها.. ولهذا كان الاستقرار السياسي والأمن من أهم الشروط التي يجب توافرها لتحقيق النهضة.. والتطوير في الحياة السياسية والاجتماعية في مجتمع ناهض يحدث، وهو من ثمار النهضة، وشرط لاستمرارها، ولكنه يأتي تدريجياً وفي الاتجاه الصحيح. ومسكينة تلك المجتمعات التي صدقت ما قيل لها بأن النهضة تتحقق بتغيير مفاجئ في نظام حكمها أو في نظامها الاجتماعي.
والخطورة على استقرار بلادنا وأمنها قد تأتي بسبب انفتاحنا على الخارج، وهو انفتاح لابد منه لتحقيق النهضة، ولا خطر منه، إلا إذا غالى بعضنا وطالب بتغيير كل جانب من جوانب حياتنا، وغالى البعض الآخر في محاربة الانفتاح ومقاومة أي تغيير في المجتمع.
وهذا الاختلاف يأتي بالخير إذا كان متزناً تغلب عليه الحكمة ويسوده العقل ولا يتعدى حدود إبداء الرأي بالطرق المشروعة.. ولكنه إن لم يكن كذلك، فقد يؤدي إلى عاصفة هوجاء تحمل تراباً وقد تحجب الرؤيا إن لم تعم العيون.. ومثل هذا الاختلاف الذي قد يحدث - لا سمح الله - داخل مجتمعنا، وقد يحدث بين مجتمعنا الناهض ومجتمع أو أكثر من المجتمعات المحيطة به أو غيرها، والخطر في هذه الحالة أهون، ولكن مع ذلك يجب ألا يستهان به.
تفاؤل:
إن مشاعر الانزعاج والقلق والخوف هذه يجب أن نحس بها وندركها.. ولكن يجب أن تُقرن بالأمل والرجاء والتفاؤل، وهذا الأمل والرجاء والتفاؤل لا يعتمد على فراغ وإنما يعتمد على أنه يتوافر لبلادنا، برغم صحراوية مناخ معظم أجزائها، من عوامل النجاح في نهضتها، والوصول إلى درجة المجتمعات الراقية، أكثر مما توافر لكثير من المجتمعات التي تمكنت من النهوض وتحقيق التقدم، ومن هذه العوامل الآتي:
* انتماء أفراد مجتمع المملكة العربية السعودية إلى دين سماوي واحد هو آخر وأكمل الأديان، وهذا أقوى عوامل وحدتنا.. علينا أن ندرك هذه الحقيقة، ونحمد الله عليها، ولا ننقسم لمغالاة أو تهاون.
* يتحدث جميع أفراد المجتمع السعودي بلسان واحد.. ووحدة اللغة في أي مجتمع من عوامل وحدته وتماسكه، فكيف عندما تكون هذه اللغة لغة القرآن.
* كل المجتمع السعودي من العرب.. وهذا عامل آخر من عوامل الوحدة والانسجام الاجتماعي.
* تاريخ هذه البلاد من عوامل قوتها.. فهو يظهر أنها كانت مصدر آخر وأكمل الأديان السماوية، وآخر الأنبياء المرسلين- صلى الله عليه وسلم-.. ومكان خرج منه شعراء وعلماء وقادة منذ القدم.
* استغلال ثروة النفط المخزون في قلب هذه الأرض الطيبة يعطي بلادنا إمكانيات مادية تساعدنا على تحقيق النهضة.
* نظامنا السياسي مرتكز على عقديتنا، نابع من تقاليد مجتمعنا، وليس مفروضاً علينا من الخارج.
* استقرار النظام السياسي واستتباب الأمن.. وهو أمر سبق أن أشرت إلى أهميته.. وأشير هنا إلى أنه ميزة كبيرة نملكها نحن وتفقدها كثير من المجتمعات الأخرى.
* نهضتنا الحالية نابعة وموجهة من الداخل وليس من الخارج.. ونحن في هذا نختلف عن المجتمعات التي استعمرت بلادها، وفُرض عليها الاحتكاك بالأجانب. ففي تلك المجتمعات كان الأجانب هم السادة.. أما في حالتنا فقد حفظ الله لنا استقلالنا في الماضي.. ونحن الآن ننفتح على العالم الخارجي بالشكل الذي نراه مفيداً لنا.. والأجنبي الذي نتعامل معه يعمل لحسابنا.. ولهذا فإن لدينا القدرة - بإذن الله - على المحافظة على ديننا وقيمنا، وفي الوقت نفسه لدينا القدرة على تغيير ما نرى فائدة من تغييره من طرق حياتنا.. إن علاقتنا بالمجتمعات المتقدمة ليست علاقة مفروضة علينا بحكم استعمارهم لبلادنا أو سيطرتهم علينا.. وإنما هي علاقة تقوم على المنفعة المشتركة، وغايتنا من هذه العلاقة الحصول على علم وتقنية المجتمع المتقدمة.
إنني عندما أنظر في هذه العوامل، لا أجدها تتوافر كلها، أو ما يماثلها، في مجتمعات نجحت في نهضتها، ووصلت إلى التقدم.
أيها السادة:
إن نهضة هذه البلاد بدأت بنجاح حركة الإصلاح الديني، ودعمت بتوحيد البلاد وتأسيس المملكة العربية السعودية، وانطلقت لاكتساب علم الغرب وتقنيته بعد اكتشاف النفط.
نسأل الله أن يحفظ لهذه البلاد دينها ووحدتها وانطلاقتها الحديثة.. وأن يحميها من كل مكروه.. وأن يوفقنا جميعاً للعمل المخلص المتصل، من أجل مواصلة هذه النهضة المباركة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved