Monday 12th July,200411610العددالأثنين 24 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أبناؤنا والحوار أبناؤنا والحوار
فاطمة عبدالرحمن السويح - الرياض

انتهت فعاليات المؤتمر الوطني مؤخراً بإصدار عدة قرارات نتوق لتفعيلها ووضعها حيز التنفيذ، إلا أن ما يلفت الانتباه هذه المرة ليست فقط القرارات التي تم إصدارها - على أهميتها - ولكن الكيفية التي دار بها الحوار والتي لم تخل من مواقف تدعونا للتأمل، فالسادة والسيدات الذين تم اختيارهم لذلك هم فئة معينة من المجتمع لا تمثل جميع الشرائح حيث يتمتعون بقدر وافر من الثقافة والخبرة ورغم ذلك لم يخل الأمر من بعض التجاوز وفرض الرأي الذي يتنافى مع أدب الحوار؛ ما يجعلنا نتساءل كيف يتم الحوار بين الفئات الأصغر سناً؟ وما نوع الحوارات المتداولة بين الناشئة؟ وما هي المفردات المستخدمة في حواراتهم؟ إننا نسمع كثيرا عن لغة استحدثها الشباب في بعض البلاد العربية، ومفردات جديدة اخترعوها لتميز مجتمعهم (الشبابي) عن غيره من المجتمعات، فهل لوحظ ذلك على شباب وفتيات مجتمعنا أم أنه منزه عن مثل تلك الممارسات؟.
لو افترضنا مثلاً ما نسمع عنه من حوارات مشينة في محطة فضائية ذات مستوى أخلاقي متدنٍ فسرعان ما يتبادر لأذهاننا أن من يكلف نفسه عناء الاتصال بمثل تلك البرامج الهابطة وليس فقط المكوث أمامها هو بالتأكيد شخص يفتقر إلى الأدب بشكل عام ويدخل ضمن ذلك أدب الحوار، لكن يمكننا أن نلاحظ أنه حتى البرامج الحوارية التي يُقبل عليها أفراد أكثر تعليماً وثقافة نجد ايضاً أن المشكلة تتكرر بشكل آخر، وتبقى السمة مع الأسف ومن خلال وسائل الإعلام العربية المختلفة هي افتقار المتصل لأبجديات الحوار، ومن هنا تظهر أهمية أن يدرج ضمن المناهج الدراسية مادة للحوار، تعتمد على إبراز ما يدور في مخيلة أبنائنا وبناتنا من أفكار، وطرح تساؤلاتهم ومناقشتها مناقشة علمية جماعية بحيث يُسمح لهم بإبداء آرائهم وشرح وجهات نظرهم فيما يختص بمشكلات مجتمعهم بحرية وفق ضوابط الحوار، على أن تعتمد هذه المادة على الطلاب والطالبات أنفسهم دون تحضير مسبق من المعلم أو المعلمة، ويتم تدوين ما دار من نقاشات بعد ذلك، ولربما كان إسناد أمر هذه المادة لأخصائيين وأخصائيات نفسيين يؤدي الأثر المطلوب في كشف نواحي القصور في شخصيات الطلبة وتعديلها، واكتشاف نواحي القوة وتدعيمها، وإرشادهم كلٌّ حسب حالته الخاصة على ألا تتبع منهاجاً معيناً حتى لا تصبح مثل بعض المواد الجديدة كمادة المكتبة التي كثيراً ما نشاهد التلميذات يحملن ملازم تُحفظ فقط من أجل الامتحان ولا شيء آخر.
كذلك أود أن اشير إلى أمر هام يفتقده أبناؤنا في المناهج الدراسية وهو الأسلوب القصصي خاصة تلك القصص التي مثلت نواة دعوة الحق وهي قصص الأنبياء، فمن خلال دراستي اذكر أن فصلاً واحداً فقط في مادة التاريخ تناول قصص الأنبياء - عدا محمد صلى الله عليه وسلم - رغم أن هذه القصص بما فيها من عِبر سيكون قليلاً لو وضع كل منها في منهج لفصل دراسي كامل مبتدئين من الصف الثاني الابتدائي، حيث نلاحظ تشوق النشء لمعرفة حياة الأنبياء وقصصهم ومعجزاتهم، واعتقد أن هذه القصص لو تم تدريسها لأبنائنا لأغنت الآباء عن الحكم والمواعظ التي كثيراً ما تلقى على الأبناء دون مردود يذكر، فقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} يوسف.ففيما مضى كنا نتعرف على قصص الأنبياء من خلال مسلسلات عربية تُدخل ضمن سياق القصة ألف كذبة وكذبة، ولكن رغم ذلك فإن جهل الناشئة التام في أيامنا هذه بهذه القصص القيِّمة التي تدخل ضمن نطاق ديننا وعقيدتنا أشد ضرراً. ولا ننسى تلك العلاقة بين حسن الحديث واللباقة وآداب الحوار وأساليبه بشكل عام وبين دعوة الأنبياء جميعاً إلى الله، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} طه، ويجب أن يوضع في الاعتبار الربط بين هذه القصص وواقع أبنائنا وحياتهم فلا تكون مجرد كلمات تُحفظ حرفياً ويتم تسميعها فلا تُجاوز ألسنتهم ولا تصل إلى قلوبهم كما هو حال كثير من المواد الدراسية الجامدة التي لا روح فيها.
أيضاً أود الإشارة إلى حلقة مفقودة بين الحياة والمدرسة وبإمكاننا وصلها من خلال تدريس طلاب المرحلة الثانوية لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين، فالشاب السعودي ينظر للمرأة وكأنها مخلوق قادم فعلاً من كوكب الزهرة كما افترض د. جون غراي في كتابه الشهير (الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة)، فيجهل تماما طريقة معاملة أمه وأخته ولاحقاً زوجته وابنته حتى وصل الأمر لما قرأناه عن اعتداء طفل في الثامنة من عمره على آخر لمجرد لفظه لاسم والدته، وذلك أدى إلى حالة الازدواج المعروفة حيث يخترع الرجل شخصية جديدة له حين يتزوج يستخدمها داخل بيته، يُفرغ فيها عُقد الطفولة منطلقاً من مبدأ أن على المرأة أن تحتمل زوجها في جميع أحواله، متناسياً مبدأ (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وهكذا فإن دراسة سيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام وأسلوبه في تعامله مع أزواجه وتوضيح أسلوب التعامل مع المرأة من منظور ديني أخلاقي متحضر، سينشأ عنه جيل يملك مفاتيح الحياة السعيدة ويدرك كيفية استخدام كل منها، فرسول الله عليه السلام لم يأنف من إطراء عائشة بل وتفضيلها على غيرها من الرواة حين قال: (خذوا نصف دينكم من هذه الحُميراء) ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
وأخيراً أتمنى أن تجد هذه المقترحات أُذناً صاغية من المسؤولين عن المناهج علّنا نصحح الأخطاء التي أسهمت في إنشاء جيل متذبذب قابل للانقياد، تأثر بعضه مع الأسف بالعوامل الخارجية التي ساهمت في تكوين الإرهاب من ناحية، والتخبط دون هدف واضح من ناحية أخرى، فليس عيباً أن نخطىء ولكن العيب أن نستمر في الخطأ.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved