السلطة الفلسطينية بين ضغوط الفوضى والحصار

يجهد أي نظام في العالم إلى تطبيق إصلاحات وتطوير ما هو قائم، سواء تم ذلك أم لم يتم، فهناك تطلع باستمرار نحو الأفضل من خلال استنباط طرق ووسائل جديدة، ولن تكون السلطة الفلسطينية استثناءً في هذا المجال، لكن السلطة التي تتطلع إلى تحسين أدائها لا تستطيع أن تفعل ذلك لأنها تقع مباشرة تحت الحصار ولا يستطيع رئيسها أن يبرح مقر عمله حتى لتفقد ذات المدينة الموجود فيها.
ومع ذلك فإن إسرائيل وجانباً من الرأي العام الدولي يشنان حملة على السلطة، لأنها، في نظرهم، لا تبدو معنية بما يثار حولها من ضرورة الإصلاح، ومطالبة السلطة بالإصلاح وفقاً لهذه الصيغة التي يبدو فيها أسلوب القهر واضحاً، تصب في صالح إسرائيل.
ونعرف أن إسرائيل توجّه نقدها لعرفات وتطالبه بالإصلاح فيما تغل يده عن فعل أي شيء، فهو وأجهزته الأمنية في حالة حصار.
ولا تتطلع إسرائيل في حقيقة الأمر إلى الإصلاح، بل هي تفرض هيمنتها، ولو استجاب الفلسطينيون اليوم للأماني والتطلعات الإسرائيلية واقالوا عرفات، فإن عليهم غداً انتظار التعليمات الجديدة بشأن كيفية التعامل مع خليفته.
ولن يكون هم إسرائيل بأي حالٍ من الأحوال مصلحة الشعب الفلسطيني أو إصلاح أوضاعه السياسية والإدارية والأمنية، بل الأحرى أنها تتطلع على الدوام إلى فوضى فلسطينية تتيح لها إكمال مخططاتها.
ما حدث في غزة يوم الجمعة من حالات اختطاف طالت قمة الأجهزة الأمنية وما أعقب ذلك من استقالات لمسؤولين احتجاجاً على ما حدث يعكس جانباً من تلك الفوضى المرغوبة إسرائيلياً التي تدفع إليها في إطار مطالبتها بتغيير رموز السلطة الفلسطينية وعلى رأسهم عرفات.
والمطلوب فلسطينياً تطويق مثل هذه الأحداث، ليس من أجل الحفاظ على سلطة عرفات، لكن خوفاً من انفلات قد يطال كامل الساحة الفلسطينية، فالمهم دائماً سلامة المواطن الفلسطيني الذي يكفيه ما يلاقيه من قوات الاحتلال من تنكيل وقمع.وييقى من المهم أيضاً الفصل بين تطلعات إسرائيل، والتوق الفلسطيني المشروع نحو الإصلاح والتطور وهو أمر لا يشترط زوال عرفات أو غيره من أجل أن يتحقق هذا الإصلاح كما تطالب بذلك إسرائيل.
إن المطالب والطموحات الفلسطينية يجب أن تظل فلسطينية في كل الأحوال، غير أن أطماع إسرائيل وتصوراتها لن تثني الفلسطينيين عن الإصلاح أو عن السعي إليه لمجرد أن ذلك مطلب إسرائيلي، لأن الطموحات الفلسطينية هي غير الأطماع الإسرائيلية، وإذا كان بعض الفلسطينيين يأملون في ذهاب عرفات فهم لا يعبرون عن آمال إسرائيلية، لكن تزامن هذه التطلعات يجعل الأمر ملتبساً. وهذا الالتباس غالباً ما ينعكس على الساحة الفلسطينية بكل ما تحفل به من أخطار تتمثل في الرؤى المتباينة، ومن استعداد مسلح لا يتردد عن الإفصاح عن مكنوناته وتطلعاته بطريقة غير مرغوب فيها .