أزمة إنسانية تتفاقم

سيكون على الأطراف الدولية التي تحاول الإفادة سياسياً من الأزمة في دارفور إفساح المجال لما يقوله المهتمون بالشأن الإنساني حيث تتفاقم أزمة إنسانية على أوسع نطاق بينما تحاول أطراف تجيير كامل الصراع ليصب في صالح حسابات سياسية معينة.
وتستطيع الأطراف السودانية أن تختصر الطريق إلى التسوية وتجنيب البلاد شرور القتال والأطماع الدولية إذا أحدثت النقلة المأمولة باتجاه الوفاق من خلال الإصرار على إنقاذ البلاد، ليس فقط من أخطار القتال بينها، ولكن أيضاً من الأخطار الأجنبية التي تتربص بها وبكامل البلاد، وهي أدهى وأمر لأنها تبقي على الصراع الموجود أصلاً مع إضافة الوجود العسكري الأجنبي الذي يجلب معه المزيد من الشرور، ويخطئ من يتصور أنه يمكن أن يتقوى بقوات تأتي من الخارج..
ويشير العاملون في القطاع الإنساني إلى حقيقة أن البندقية ليست القاتل الرئيسي في دارفور بغرب السودان وإنما هناك أيضاً الأمراض التي تنتشر بصورة أوسع في الفصل المطير، في بيئات تفتقر إلى الإمكانات الكافية لدرء الأمراض خصوصاً في ظروف القتال.
والذين يعرفون الأوضاع الجغرافية في مسرح الصراع يشيرون إلى أن مناطق بأكملها تنعزل تماماً في موسم الأمطار الذي بدأ الآن بصورة فعلية، وان انعزال تلك المناطق يشمل ما تحويه من جموع سكانية كبيرة بما في ذلك من مدن وحواضر وبلدات، وان ذلك يعني انقطاع بعض الامدادات الغذائية والصحية في ظل عدم الاستقرار..
ووفقاً لما هو متاح من معلومات فإن المجتمع الدولي ممثلاً في الدول وهيئات الإغاثة لم يفِ إلا بعشرين بالمائة مما وعد به من مساعدات وان الحاجة الفعلية تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات للوفاء بالاحتياجات الإنسانية العاجلة..
ويبقى من المهم البحث عن حلول سياسية من شأنها ترميم كامل الأوضاع بما فيها من معضلات إنسانية حرجة، وإلى حين التوصل إلى تلك الحلول يكون من المهم مضاعفة الجهود لتوفير الاحتياجات، وإقناع المتحاربين بأهمية إفساح المجال أمام انسياب العمل الإنساني المتجرد من جميع الأغراض والأهداف السياسية..
ويفيد كثيراً أن تنصرف جهود الدول الكبرى إلى رؤية الأوضاع الإنسانية المتفاقمة لكي تجد الحافز الذي يجعلها تتجرد من الأغراض الذاتية وأن تتجه مباشرة إلى معالجات سياسية موضوعية تأخذ بعين الاعتبار أوضاع اللاجئين والنازحين والمتضررين بصفة عامة من الحرب بدلاً من الانحياز إلى أحد أطراف الصراع من أجل تحقيق مكاسب سياسية معينة، فمثل هذا الانحياز من شأنه فقط تعقيد الأوضاع وتأجيل الحلول الناجعة، فالانحياز لطرف دون الآخر يغذي حالات الارتياب وينمي عدم الثقة وكلها أمور لا تستقيم مع موجبات أدوار الوساطة التي يفترض أن تنشط في مثل هذه الصراعات..