Sunday 8th August,200411637العددالأحد 22 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

كل مواطن جندي غفير كل مواطن جندي غفير
معاشي بن ذوقان العطية /لواء ركن متقاعد - سكاكا الجوف

الوطن قطعة من الأرض جامدة صماء، استوطنها الإنسان وعمّرها، وجعل منها وطنا حبيبا إلى قلبه تهفو إليه نفسه عندما يتغرب، ويستعجل بالعودة إليه، حيث لا يهنأ في بلاد الغربة، وجرب ذلك عندما تغير مكان نومك لا يأتيك النوم بهناء، بل تحتاج إلى وقت حتى تتأقلم مع موقعك الجديد.
المواطن الحق: هو ذلك الإنسان الذي استوطن الأرض وأخذ على عاتقه أن يعمرها ويجعل منها وطنا، والأرض بدون مواطنين تعتبر فلاة، والمواطن عليه أن يحافظ على هذا الوطن من الدنس، ويعمر ترابه بالحب، ومن لا يحب وطنه ويعمل له بكل ما أوتي من قوة وعلم، ليس بمواطن ولا بمؤمن، قال رسول الهدى محمد عليه الصلاة والسلام: (حب الوطن من الإيمان), فإن الإيمان الصادق يقود المؤمن إلى حب الوطن ومواطنيه والعمل من اجلهم بكل قوة، لإعماره والدفاع عنه من كل أذى داخلي أو خارجي، ويجعل أهم اهدافه أن يعيش على ارض الوطن بأمن وكرامة، وبناء الإنسان المواطن من أهم الواجبات؛ ليكون على مستوى من الوعي والإحساس بالمسئولية، ويعرف ما له وما عليه.
لا يعتبر الوطن وطنا بدون مواطنين وعمران، فالوطن يدعوك للمساهمة في إعماره وصيانته والمحافظة عليه، ودفع العاديات عنه بالنفس والنفيس، ومن أهم واجبات المواطن الحق تربية الأجيال تربية صالحة خلاقة ليكونوا حماة هذا الوطن، من كل شائبة لترفرف في سماه راية العز بالحرية والكرامة، وهنا يقول أحمد شوقي:


إذا عظّم البلاد بنوها
أنزلتهم منازل الإجلال

يقضي كثير من الناس حياته من أجل أن يأكل، والسؤال يقول: (هل تأكل من أجل أن تعيش؟ أم تعيش من أجل أن تأكل؟) أنا آكل من أجل أن أعيش حياة كريمة وبمعنوية عالية، وأفكر وأعمل من أجل الوطن والأجيال القادمة، وقال ذاك الوطني والقومي الشيخ شكيب أرسلان - رحمه الله - (يفكر الوطني بالأجيال القادمة، والسياسي يفكر بالانتخابات القادمة).
فكن وطنياً تعمل وتخطط لمستقبل وطنك ومواطنيك بكل أمانة وصدق وإخلاص، اعمل واعمل من أجل المحافظة على كرامة الأجيال الآتية؛ ليعيشوا حياة العزة والكرامة، وإذا لم نفعل مثل ذلك فعليك أن تسجل اسمي واسمك في عداد المجرمين.
لقد أنذرنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بقوله: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها.....) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نأخذ هذا الإنذار على محمل الجد، وها نحن نعيش محنة أمام أمم الأرض، الكل يريد منا، ونحن على ما نحن عليه من ضعف وفرقة لا نملك ما نصد به العاديات..؟، وسلاحنا صيحات من التذمر والاستنكار والتشكي والولولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ونقذف بأخطائنا على فلان وعلان، كما نستجدي من يريد احتلال أوطاننا وسلب مصادر رزقنا، وحول ذلك قال الكاظمي:


ومن كان بأوطانه حامياً لها
فذكراه مسك في الأنام وعنبرُ
ومن لم يكن من دون أوطانه حمى
فذاك جبان بل أخس وأحقرُ

أعمل بكل الجد والإخلاص والصدق، ولا تنظر إلى سفاسف الأمور التي تحصل من كائن ما يكون من حولك، اعمل واعمل وأنت مرفوع الرأس موفور الكرامة، قوِّ عقيدتك بالله ثم بحب الوطن ومواطنيك على مبدأ قول الشاعر:


بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن جاروا عليّ كرام

إن حب الوطن فطرة فطرنا الله عليها، وهذا شاعرنا هارون هاشم رشيد يحاكي الوطن، ويشكي له حاله وكأنه إنسان حيث قال:


وطني الكبير أسامع أم يا ترى
صمت بك الآذان لا تتأثر
وطني الكبر أرومتي
باتت مهددة وأنت مقصر

بل من أصحاب الحس المرهف (الشاعر خلف اللاحم) من يشكو إلى الوطن همه وحزنه ولوعته مما يجري أمامه من مخالفات وأعمال مشينة في حق الوطن وعامة المواطنين، وهو بهذا يستنهض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ ليقوموا بواجبهم حيث قال:


مللت من الآهات والأحزان يا بلدي
فأنتِ همي وأنتِ كل أحزاني
فلا الآهات والأحزان تعتقني
الذل عشعش في جوفي وأرداني

والموقف الأعظم مع نبينا عليه الصلاة والسلام عندما خرج من مكة إلى المدينة سيراً على الأقدام حافياً، وهو يقول والله يا مكة إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى قلبي، والله يا مكة لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبدا، فهذا مثل كاف وشاف في عقيدة حب الوطن، وهذه فطرة فطرنا الله عليها، ولذلك كان الأمر جد خطير وصعب على نفسية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يخرج من بلده ووطنه ومسقط رأسه، وبعد أن استقرت له الأمور في المدينة جعل أولى أولويات عمله العودة إلى مكة.
لا يستفزك كائن من كان من الجيران أو الولاة أو القضاة أو أحد المواطنين بعمل قد لا يرضيك، ثم يدفعك الغضب إلى العمل ضد وطنك ومواطنيك، إن العدو يتربص لاصطياد البسطاء وضعاف النفوس، من الذين يلمس منهم تذمراً ضد حكام بلدانهم، ليجندهم لخدمته ضد الوطن والمواطنين، فكن حذراً أن تخون وطنك، وعليك أن تألفه نفسك كما قال ابن الرومي:


ولي وطن آليتُ ألا أبيعه
وألا أرى غيري له الدهرَ مالكاً
فقد الفتهُ النفسُ حتى كأنه
لها جسد إن غاب غودرتُ هالكا

منذ ألف وخمسمائة عام وما زلنا نتحدث عن خيانة أبو رغال، فلا يقودك الغضب أو الحسد أو الطمع إلى ما يسيء إلى وطنك ومواطنيك، كما فعل آخرون حيث ارتموا في أحضان دول تدعي أنها تحررية وطنية قومية؟، وبعد انقضاء ما كان يراد تحقيقه منهم، قذف بهم إلى الخارج، وينطبق على أمثال هؤلاء قول الشاعر:


سقط الثقيل من السفينة في الدجى
فبكى عليه رفاقه وترحموا
حتى إذا طلع الصباح أتت به
نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالماً
لم أبتلعه لأنه لا يهضم

المواطن شريك في كل ذرة تراب من ارض الوطن، كما هو شريك في جميع المؤسسات والمرافق العامة في وطنه، فالاعتداء على أي مواطن اعتداء عليه، والاستيلاء على أي شبر من أرض الوطن هو استيلاء على بيته، وعليه أن يحافظ على هذه الشراكة ويعمل من أجل استمراريتها، لتكون قوية ومذراة لكل شريك.
إنه مسئول مسئولية كاملة للمحافظة على الوطن ومواطنيه.
إنه مسئول عن سلامة الوطن وما عليه من بشر وشجر وحجر ومن منشآت وممتلكات.
إن من اولى مسؤوليات المواطن الإحساس بالانتماء للوطن، والانتماء هو الارتباط الذي يربطك بالأرض التي تعيش عليها، وتأكل من نباتها وتستنشق من هوائها وتسعد مع إخوانك في أمنها واستقرارها، كما هو الحبل المتين المجدول بالمحبة والأخوة الصادقة الذي يجمعك بمواطنيك، والإحساس بمسؤولية المشاركة في بناء هذا الوطن والدفاع عن كل شبر منه، والحفاظ عليه وعلى أهله قولاً وعملاً، والاعتزاز في كل ما هو رمز من رموز الوطن، ضحِّ في سبيل الوطن بالنفس والنفيس.
قال شوقي بيته المشهور:


وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه في الخلد نفسي

إن اي جزء من الوطن هو وطن لك، فالموظف الذي يتمسك بأن يعمل في بلدته (مسقط رأسه) بين أمه وأبيه وخاله وعمه ويرفض العمل في أي ثغر من ثغور بلاده بعيداً عن مسقط رأسه ليس بمواطن، وعلى المواطن أن يخدم في أي جزء من بلاده.
أخي المواطن، لا تقلل من قدرتك ومسئوليتك الهائلة للمحافظة على الوطن وإخوانك المواطنين والتي تنعكس عليك وعلى أسرتك، إنك القوة التي لا تقهر، إنك المعجزة الربانية طالما أنت تستعمل ما وهبك الله من قدرة التفكير والتحليل السليم، لا تقل أنا غير مسئول، هذه مسئولية الحكومة! لا؟ أنت ابن الحكومة والحكومة مجموعة رجال من مواطنيك رهنوا أنفسهم لخدمة الوطن والمواطنين بصفة رسمية.
إن الخدمة في سلك الشرطة والمباحث والاستخبارات خدمة وطنية، تؤجر عليها، وذلك لمنع الجريمة والقبض على المجرمين، ومراقبة عملاء العدو، إن هذه المهنة في نظري خدمة مهمة يسديها المواطن لخدمة الوطن، لكن بشرط أن يكون من يعمل بها يتحلى بالإيمان بالله وحب الوطن ويتصف بالأمانة والصدق.. وعلى الحكومة أن تعري من يثبت أنه أدلى بمعلومة كاذبة.. مع إسقاط حقوقه المدنية بدون رحمة ولا شفقة ولا تتوقف هذه المهمة عند الموظف، بل هي مسئولية كل مواطن، استأجر غربيون سكناً بجوارك فأنت مسئول عن مراقبتهم، وإذا لاحظت منكرا عليك الإبلاغ عن ذلك.
طالما أنت تقيم على ارض فأنت مواطن عليها وهي التي تعطيك أسباب الحياة من ماء وغذاء وكساء وظل وأمن وأنت مسئول مسئولية كاملة غير منقوصة للحفاظ على هذا الوطن، ومواطنوك هم إخوانك وعزوتك ودرعك المتين بعد الله، لقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ...َ}، لا تقل أنا فرد ماذا أستطيع أن أعمل؟ كل مواطن على أرض الوطن هو جندي مجند لخدمة الوطن والمواطنين، وشعارنا الحديث الشريف الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
إن مجموع السكان على مختلف مهنهم وأعمالهم يشكلون جيشاً متضامناً متكاملاً كل واحد يسند الآخر بما يعمل من عمل مهني، التاجر والحرفي وراعي الغنم والعامل، والجندي والسياسي وأصحاب الفنون جميعهم جنود في خدمة الوطن كلٌّ في مهنته، ولتفي بالغرض المطلوب لا بد من الإتقان، وعليك أن تتعامل بكل احترام مع هذه التخصصات كلٌّ حسب مقامه واختصاصه، عن رضا وطيبة خاطر.
جاء أحد باعة الأدوية إلى صيدلية، يعرض أدوية جديدة على أساس أنها صناعة دينماركية بأسعار مناسبة، قلّب الصيدلي المعروضات ولم يجد اسم الصانع على المعروض، قال الصيدلي للعارض: من فضلك اترك هذه عينة لأعرضها على صاحب الصيدلة، وأخذ عنوان البائع، وبعد أن غادر البائع اتصل الصيدلي مع وزارة الصحة، وبعد تحليل الأدوية وجد أن أحد الأدوية يسبب تعاطيه العقم للرجال، وبعد التحقيق ثبت أن المعروضات صناعة إسرائيلية وردت زوراً عن طريق إيطاليا..!!؟
على المواطن الغيور على دينه ووطنه أن يجعل من بيته مدرسة للأخلاق الفاضلة لأبنائه وأعضاء أسرته، وهذه المدرسة هي الأكثر تأثيراً على الأبناء في سلوكهم وتعاملهم في حياتهم العلمية والعملية، ويضع لها منهاجا من خلال القصص المثالية الخالدة كالتعامل بالصدق ومحاربة الكذب والمحافظة على المواعيد وحب التضحية عن الوطن والمال والبيت والعرض، ويعطي للطفل أمثلة حية عن أعمال الخير للناس والحيوان والطيور، فعبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما كانت أمه تعلمه وتشق عليه، بأن يتعلم ركوب الخيل وصعود الجبال وهبوط الوديان والسباحة والرمي، وتجعله يمسي ويصبح على هذه التدريبات المرتبة حسب برنامج أعد لذلك، وكان ينفذ سياسة أمه المثالية!! فقال عنه أهل مكة: بعد سنوات قليلة سيسود ابن الزبير قبيلته، فقالت أسماء رضي الله عنها: ثكلته إن لم يسد العالم كله، وكاد أن يكون.
يجب أن يكون المواطن على مستوى بالشعور بالوطنية، ويكون على أهبة الاستعداد ليقدم نفسه قرباناً لخدمة الوطن والدين، فعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وهو بسن الصبا مع علمه أن بينه وبين الموت رحمة ربه، وكان ذلك بسبب التربية التي قادته إلى أن يقدم نفسه فداء، والفدائي الكبير الصديق (رضي الله عنه) الذي رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة، والذي كان يضع إصبع رجله في شق الأرض ليفدي رسول الله من خطر الزواحف، ولدغته الحية بسمها فقال: فداءً فداءً لرسول الله.
المواطن الشجاع الغيور على وطنه، يجب عليه أن يعمل ولا يتوانى عن تقديم شكواه أو نقده البنّاء الصادق، للجهات الرسمية، التي يجب عليها أن تنظر بما يكتب اليها، ونقدك يجب أن يكون تحت رقابة قوية من ضميرك، يكون هدفك الإصلاح وتحقيق الحق، مع صدقك في الخبر، على أن تكون منصفا في قولك فيما تنقد فيه، فعليك أن ترفع صوتك المسموع أو المكتوب إلى الجهة المعنية بما ترى من خطأ تحت مبدأ: من رأى منكم منكراً فليغيره، وليكن ذلك بالنقد المكتوب، وعليك أن تتابع نقدك، والمثل يقول: (من دق الباب سمع الجواب)، اكتب بما يدور في خاطرك، لصالح الوطن وإخوانك المواطنين، وعلى السلطة أن تنظر بما يرفع إليها وترسل لك الجواب على ما كُتب، وهذا أمر متعارف عليه حضارياً...
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة المؤمن، وهو الإصلاح في عينه، ومن يعمل في هذا المبدأ يخدم نفسه ومواطنيه ووطنه وحكومته، وعلى السلطة تكريم من يقوم بإطلاعها على أخطائها دون ضجة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه دائما يقول ويردد: (رحم الله رجلاً أهدى إلي عيوبي)، إن المعارضة الصادقة الخالية من الأغراض الشخصية، هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع عدم اللجوء إلى غوغاء الشارع، والتي قال عنها علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ما معناه (في تجمع العامة مضرة وتفرقهم فيه المنفعة).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved