Monday 9th August,200411638العددالأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

اختلاط الحابل بالنابل في العراق اختلاط الحابل بالنابل في العراق
عبدالله الصالح العثيمين

ما يحدث على أرض العراق، القطر العربي الإسلامي المبتلى، ينطبق عليه تمام الانطباق المثل العربي المشهور (اختلط الحابل بالنابل) ذلك أنه يصعب تحديد اتجاه بوصلة مجريات الأمور هناك، كيف سارت هذه الأمور؟ وكيف تسير الآن؟
لقد ثبت تاريخياً أن عدداً من أقطاب الإدارة الأمريكية الحالية كانوا قد اقترحوا - قبل أن يصلوا إلى الحكم - على الرئيس كلينتون عام 1998م، أن تقوم دولتهم بغزو العراق واحتلاله، غير أن ذلك الرئيس لم يوافق على اقتراحهم ثم أتت واقعة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، بعد أن وصل أصحاب ذلك الاقتراح إلى سدة الحكم، فأصبحت فرصة لهم للتحرك السريع لوضع ما سبق أن اقترحوه موضع التنفيذ، وكانت أمريكا قد أصبحت - بعد انهيار الاتحاد السوفيتي - القوة التي لم يعد هناك ما يمنعها من تنفيذ ما أرادت، وافق مجلس الأمن الخاضع عملياً لمشيئتها أو لم يوافق، ومن السهل على القوة المتجبرة أن تختلق الأسباب وتفتعل الحجج، وإن بدت مظاهر هذا الافتعال واضحة وملامح ذلك الاختلاق بينة، أو حاول المتأمركون ميولاً والموتورون من العرب خاصة الدفاع عما ادعاه الزعماء الأمريكيون وما ارتكبوه من أعمال تتنافى مع حقوق الإنسان ولا تستند إلى أي أساس قانوني.
وطبقاً لما أورده الأستاذ محمود عوض (الحياة 3- 6-1425هـ) فإن باحثة أمريكية أحصت 23 أكذوبة استخدمتها الإدارة في الترويج لغزو العراق، على أن هذه الإدارة ألقت اللوم - بعد افتضاح كذب ما ادعته - على عملائها من العراقيين وموظفيها الاستخباراتيين، أما المقصود من ذلك الغزو فهو افتتاح المشروع الامبراطوري المسمى (الشرق الأوسط الكبير) الذي يعلم الباحثون أنه يخدم الصهاينة بدرجة كبيرة، والذي عبر عنه أحد منظري تلك الإدارة، وهو ريتشارد بيرل، بقوله:
( بعد تدمير نظامي طالبان وصدام حسين ستصبح رسالتنا إلى الآخرين هي: عليكم الدور.. كلمتان اثنتان تختصران دبلوماسية بالغة الفاعلية والكفاءة، ولا نحتاج إلى أكثر منها في تغييرهم جميعاً).
واللافت للنظر أنه لم يبق في العالم - ومنهم كثير من مواطني أمريكا الذين خدعتهم قيادتهم بادعاءاتها التي أدت إلى احتلال العراق - من لا يسمون هذا الاحتلال باسمه إلا قلة من الكتاب العرب الذين ظلوا يعضون بالنواجذ على تلك الادعاءات، واستمروا في ضلالهم، أو تضليلهم، بتسميته تحريراً.
ولقد اتضحت الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية في حق العراق، انساناً وبنية أساسية وفي طليعة الجرائم تلك التي ارتكبت بحق المعتقلين، رجالاً ونساءً، والتي منع نشر المزيد من صورها وأدلتها محاولة لانقاذ ذوي الشأن في الإدارة الأمريكية الذين أعطوا أوامر التعذيب - كما يقول من وجهت إليهم تهم ارتكاب الجرائم ومحاموهم - مطالبين بالتحقيق المستقل معهم.
أما البنية الأساسية - وفي مقدمتها شبكات مياه الشرب والكهرباء التي تدهورت بسبب الاحتلال، فأمرها مؤلم أشد الإيلام، ومن المؤلم أيضاً ألا يتحمل المحتل وحده، وهو الذي أوصلها احتلاله إلى ما وصلت إليه من تدهور - تكاليف اعادة اعمارها كما يقتضي ذلك المنطق والعدل.
وأما ما يجري الآن من أحداث دامية في مناطق متعددة من العراق فمختلفة الجوانب والأهداف، هنالك مقاومة للاحتلال موجهة في المقام الأول إلى قواته. وهذه المقاومة شريفة مشروعة وفق الأديان والأعراف والقوانين الدولية، بل لم يستطع من هو على قمة مسؤولية الاحتلال نفسه إلا أن يقر بتلك المشروعية في احدى خطبه، والمؤلم المستهجن أن يوجد بين الكتاب العرب أو المسؤولين، من يسمون تلك المقاومة ارهاباً، وهم - وإن كانت أصواتهم نشازاً - يؤيدون بطريقة غير مباشرة الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بقصفها منازل المواطنين الأبرياء مدعية أنها توجه قصفها ضد الارهابيين، وهناك عمليات موجهة إلى الذين يصنفهم من يقومون بتلك العمليات على أنهم أدوات للاحتلال الأجنبي، وقد مارست كل حركات التحرير في العالم عمليات ضد المتعاونين مع المحتلين، والمهم في هذا الميدان بالذات أن تبذل أقصى الجهود لئلا يمتد الضرر إلى أناس أبرياء، وفي الواقع العراقي الآن يبدو أن هذه الجهود بعيدة عن النجاح، وهناك أعمال بمثابة جرائم واضحة، ومن هذه الجرائم ما ارتكب من تفجيرات ضد عدة كنائس في الأيام الماضية، ولا شك أن الذين ارتكبوا هذه الجرائم لا يختلفون عن الصهاينة في عدائهم لأمتنا، بل إنه من الحتمل كون هؤلاء الصهاينة هم الذين ارتكبوها عن طريق عملائهم, وأوحوا إلى أناس ادعاء مسؤولية القيام بها، وقد تكشف الأيام الحقائق، لكن المتأمل في سير الأحداث يدرك أن الدهاء الصهيوني كثيراً ما تمكن من اخفاء الشيء الكثير الكثير.
أنقذ الله العراق المبتلى من المحنة الكارثية التي هو فيها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved