Monday 9th August,200411638العددالأثنين 23 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
اللُّغة الراقية
عبد الرحمن صالح العشماوي

ما زلنا بحاجة إلى أن تصبح اللغة الراقية هي لغةَ التخاطب فيما بيننا في كل حالاتنا؛ لأنها تَرْقَى بالذوق، وتبني النفوس بناءً جيداً، وتحقِّق ما لا تحقِّقه اللغة الهابطة من الأهداف والمرامي.
اختيار الكلمة دليلٌ على شخصية صاحبها، وإشارةٌ إلى ما يحمل في قلبه، ويدور في خَلَده، والشاعر العربي يقول:


قَدْ عَرَفْنَاكَ بِاخْتِيَارِكَ فِينَا
وَدَلِيلٌ عَلَى الْكَرِيمِ اخْتِيَارُهُ

إنَّ اللغة الراقية تُريح النفوس، وتُهدِّئ رَوع القلوب، وتقرِّب الناس من بعضهم، ولذلك كانت (الكلمة الطيبة) صدقةً في شرع الله، ولذلك أيضاً كان إفشاء السلام وبذله إلى مَن عرفنا ومَن لم نعرف سمةً من سمات المسلمين، ولذلك كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أستاذَ مدرسة الكلمة الطيبة والأسلوب الراقي.
إنَّ علماء النفس يتحدَّثون عن أهمية استخدام الكلمات الطيبة، والألفاظ الإيجابية، والأساليب الراقية في علاج كثيرٍ من حالات الضيق والألم التي يعاني منها بعض المرضى النفسيين.
اللغة الراقية تجعل الإنسان توَّاقاً إلى معالي الأمور، وإلى مجالسة أهل الصلاح والخير الذين تشيع بينهم هذه اللغة، كما أنها ترسم للإنسان صورةً جميلةً مشرقةً في نفوس الناس، وتفرض على مَن يتعامل معه الاحترام والتقدير.
والقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المطهَّرة تُعلِّمنا اللغة الراقية في أجمل صُوَرها، وأعظم ملامحها، وأحسن معانيها.
القرآن الكريم صوَّر لنا الكلمة الطيبة في صورة الشجرة الطيبة التي أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، ولهذا فهي تُؤتي أُكُلَها في كلِّ حين، وتجود بثمارها الحلوة في كلِّ وقت، وفصَّل لنا في رسم ملامح هذه الكلمة تفصيلاً جعلنا نراها أمام أعيننا بغصونها الخضراة المتفرِّعة من فوقنا في كل ناحية.
ثم صوَّر لنا الكلمة الخبيثة تصويراً سريعاً مُقتضَباً؛ حيث شبَّهها بالشجرة الخبيثة التي اجْتُثَّتْ من فوق الأرض ما لها من قرار. وكأن الأسلوب القرآني يوجِّهنا توجيهاً واضحاً إلى ضرورة الاختصار الشديد في باب الكلمة الخبيثة؛ حتى لا نشغل أنفسنا بها، ولا نؤذي بها مشاعرنا ومشاعر الناس من حولنا.
إنَّ كثيراً من أساليب التخاطب في مجتمعاتنا قائمة على استخدام العبارات الهابطة حتى في حالات المزاح فيما بيننا، وما زِلْتُ أعجب لفئاتٍ من الأصدقاء إذا قابل بعضهم بعضاً عبَّر عن سعادته بلقائه صاحبه بعباراتٍ من السبِّ والشَّتْم الممزوجة بضحكاتٍ معبِّرة عن الفرحة باللقاء، وكأنَّ ألسنتهم قد أصبحت معتادةً على هذا النوع الهابط من الكلمات التي لا تليق.
اللغة الراقية هي لغة المجتمع المسلم الواعي الذي يُرَطِّب لسانه ليلاً ونهاراً بذكر الله عزَّ وجلَّ وتلاوة آيات القرآن الكريم، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وما لذَّ وطاب من مائدة الأدب العربي الراقي.
إنَّها دعوةٌ صادقةٌ إلى استخدام اللغة الراقية في أحاديثنا.
إشارةٌ


أَدَبٌ كَمِثْلِ الْمَاءِ لَوْ أَفْرَغْتَهُ
نوْماً لَسَالَ كَمَا يَسِيلُ الْمَاءُ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved