Tuesday 10th August,200411639العددالثلاثاء 24 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

25-11-1391هـ - الموافق 11-1-1972م - العدد 375 25-11-1391هـ - الموافق 11-1-1972م - العدد 375
الأسبوعيات
جغرافية بلادنا.. لا تزال مجهولة
يكتبها لهذا العدد: عبدالله بن خميس

تحتل الجمعيات المتخصصة في سوح الجامعات مكاناً بارزاً من سعيها، وتستبطن جهداً واعياً من تنافسها، وتستجع ما أنثأى من ميول طلابها، وهوايات شبابها.. فتتحدد الطاقات، وتتواشج الخبرات، وتقوم سوق التنافس.. فتجتاز نشاطاتها مقاعد الدراسة، وقاعات المحاضرات، واسوار الجامعات.. إلى حيث مجالات النفع، وميادين التطبيق، ومنطلقات العمل..
في مجال التعدين، ورغم المسح المتواصل في مجالات الاستنباط، ودراسة التربة، وأماكن الزراعة والمياه.. رغم ذلك كله لا تزال جغرافيتها متأبدة، وكثير من جوانبها مغلقة.. ولا يزال العالم -بله المتعلم- أمام مجاهلها، ومعاقلها، خالي الذهن، متبلد المعرفة.. ولا تزال أمية الاعرابي المتمكنة، هي ذات الاختصاص في معرفة طرقها، ومعالمها، واعلامها، ونباتاتها، وحيواناتها، ولقد استقبلنا هذه الأيام مولد الجمعية الجغرافية في جامعة الرياض، واستمعنا في ندوة مولدها الشيقة من أفواه اسرتها دكاترة، واساتذة وطلاباً.. ما هو خليق بمثلها، من تحديد المنهج المستوعب، وحشد الجهود الفاعلة، والسير بها قدما الى حيث الافادة، والاستفادة..
وجغرافية بلادنا، رغم الاشواط التي قطعناها في التعليم، ورغم الكشوفات المتتالية ومناهلها، ومجاهلها..
ولعل من المفيد في تقرير هذه الحقيقة المرة، ان نتناول مثلاً قريباً يقرب لنا هذه الحقيقة.. لتعتزم نخبة متخصصة من جامعة الرياض (وهي تمثل قمة المعرفة في بلادنا)، تنظيم رحلة علمية الى احدى الرياض المعشبة، التي لا تبعد عن مدينة الرياض كثيراً، ولتكن مثلا (روضة التنهات) التي لا تبعد عن الرياض أكثر من مائة وخمسين كيلاً، شماليها.. المفروض ان يكون بين أيدهم دليلاً مصوراً، يحدد لهم خط السير، ويبين المسافات، ويصف الطريق، ويشير الى الأعلام البارزة التي يمرون بها، وينبه على الطرق التي تتشعب من هذه الطريق.
وبمثل هذا المصور يستطيع المسافر ان يتنقل في ربوع المعمورة بمفدره (ودعك من السفر بين الرياض وروضة التنهات..) فهل تستطيع هذه النخبة المتخصصة بمجموعها ان تسافر الى روضة التنهات بدون مرافق، والأغلب أن يكون من اميي الاعراب هذا ما لا يكون..
واذا وصلوها، واقتعدوا من بساطها السندسي مقعدهم، فسيكون منظراً يأخذ الألباب، ويستهوي المشاعر، ويمتع النفس، ويبهج الحس.. روضة كالبساط الأخضر المفوف، يطرزها الزهر، وتتراقص بجوارها الغدر، تجعدها الصبا، فتبعث منها رائحة الشذى، وعرف الطيب، وتقوم الدهناء بحمرتها قانية الى جانبها، ويمتع الضحى فتتلاقى خضرة الروض، بحمرة الدهناء، بزرقة السماء، ببياض الشمس، ويصدح الطير فتتناغى لغاته، وتختلف شياته، ويسبح السفر في عالم شاعري كأنه الخيال..
ومن عسى ان يكون العالم بأسرار هذا الوجود الحالم، فيحدث السفر عن هذه المعالم، من يقول لهم عن اسماء هذه النباتات المتواشجة لكل منهما وضعه، وتكوينه، وعطره، وخاصيته، وذكوره، ونجمه.. يحدثهم عن شيحه، وقيصومه، وعراره، وعرفجه.. عن نفله، وحنوته، وكرشه ورقمه، وحرفه، وخزاماه وحوذانه.. الخ من يسمي لهم هذه الشجيرات المتنثرة هنا وهنالك، سدرها، طلحها، عشرها، رمثها، سلمها.. الخ من يحدثهم عن الأودية التي تدفع في هذه الروضة فتجعل منها هذا التكوين. ما اسماؤها، من أين تأتي، ما وصفها.. من يحدثهم عن هذا الفراش يمتص قطرات الندى من بواسم الزهر المختلف الاشكال، والألوان، والخصائص.. وعن هذه الطيور المغردة، والناعقة، والصافرة، والهادرة، والمزقزقة.. ما اسماؤها ما خصائصها، ما هو المهاجر منها والمستوطن.. ومن يحدثهم عن هذه الزواحف المختلفة التكوين، والتلوين، والسام منها، والسليم.
والأنقية المخروطية الشكل، الحمراء، تقوم فوق جبال الدهناء، والجبال الفارعة المعرضة، يبصرها الرائي على مدى البصر، والطرق تذهب هنا وهنالك.. كل اولئك تستدعي السؤال، وتسترعي الانتباه.. من هو الخريت الحاذق في الحديث عنها..وهذه المرابع والمراتع من يسكنها قديماً وحديثاً من العرب، وما هو نصيبها من شعرهم، وأمثالهم، وأيامهم، وذكرياتهم..
وسوف يفد الى مضرب السفر اعرابي او اعراب، يتسقطون الاخبار، ويسألون عن الامطار، ويستكنهون واقع الركب.. وسوف يأخذون ولا يعطون، ويستزيدون ولا يزيدون، ولا يحظى السفر من أحاديثهم بأحماض، ولا يبلون من اخبارهم غلة.. ما لم يكن في الركب من يقرأ خبرهم في صفحات وجوههم، ويعرف قبيلتهم من حركات ألسنتهم، ويدرك قصدهم من حرارة لهجتهم.. وإلا فإن الاعراب حينما لا يستقبلون باللغة التي يعرفونها، ويجدون من أمامهم خالي الذهن مما يسأل عنه، فارغ الاهاب، من حياة الاعراب.. سوف يكون صيداً لتندرهم، وهدفاً لعجرفتهم، وادلالهم.. وسوف يكون واقع هؤلاء السفر في مضارب الاعراب، كواقع الاعراب في حرم الجامعة سواء بسواء.. واذن فعلمنا بجغرافية ارضنا، وما بها من ساكن ومتحرك، لا يزال رهن الكتاب على ما به من عجر وبجر، ورهن مقاعد الدراسة، وقاعات المحاضرات، على ما يفوتها من شارد ووارد.. ولا يزال علمنا نظرياً، وتحصيلنا صورياً.. نتتلمذ على الاعراب، ونستعين بمؤلفات الرحالة، وقد اخذوا علمهم على رؤوس الثمام، كنغبة الطائر، وقبسة العجلان.. فلا نزال في وادٍ والتطبيق العملي في وادٍ آخر..
لدينا رصيد جم من المؤلفات عن جغرافية بلادنا، منذ بدء عصر التدوين الى هذا العهد، لرجال بروا، وأبروا، واعطوا من أنفسهم ما تقتضيه الوطنية، ويقضي به حق العلم، فوضعوا المعاجم، ودونوا الرحلات، ووصفوا الديار، وتحدثوا عن السير والأخبار، فكانت مؤلفاتهم مزيجاً من الاجتماع، والادب، واللغة، والتاريخ والجغرافيا.. وكان من رحل الى هذه البلاد ودون ما دون -على علاته- عالة على مؤلفينا، ان لم يكن بالنقل عنهم، فبموافقتهم فيما كتبوا، ومجاراتهم فيما وضعوا.. إلا في الأقل النادر..
فأحر بنا ان نبدأ من حيث انتهى سلفنا، وان نجعل مؤلفاتهم أساساً لما سوف نبني، ومنطلقاً لما سوف ندون، وان تكون مهمتنا الى جانب التهذيب، والتشذيب، والمواءمة، وابراز هذه الكنوز، وتيسيرها.. تكون مهمتنا ايضاً مواكبة العلم، ومجاراة المنطلقات الجغرافية العصرية.. فيما تشعبت اليه، وفي ما هدفت له.. فنكون بماضينا على صلة تربطه بحاضرنا، ونعمل لمستقبلنا على نحو ما يقتضيه، مما هو من متطلباته.
فعلى جمعيتنا الجغرافية الناشئة عبء ثقيل، وأمامها طريق طويل، ولها رسالة شاقة متعبة.. ولكن نفوسها الكبيرة، وعزائمها المستحصدة، ونفاسة ما تطلب.. سوف تكون عوناً على تذليل الصعاب، وترويض النافر، وكسب الانتصار..


وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved