Thursday 12th August,200411641العددالخميس 26 ,جمادى الثانية 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الريـاضيـة"

للرياضيين فقط للرياضيين فقط
اذكروا محاسن موتاكم
د.صالح بن أحمد العبود(*)

حدثنا أبوكريب حدثنا معاوية بن هشام عن عمران بن أنس المكي عن عطاء عهن أبن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم)... وأنا هنا لن استعرض مناقب ومآثر وسجايا فقيدنا فقيد الرياضة وأمير عطائها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن سعود غفر الله له، فهي كثيرة ولن أستطيع إيفائه جزء من حقه، ولكنني هنا سأذكر فقط سمتين مهمتين لسموه نرجو من الله العلي القدير ان تشفعا لسموه وأن تكونا في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. فلعلي بهذا أقدم بعض المشاركة الصادقة للتعبير عن حزننا العميق لفقدان سموه وامتثالا لتوجيه خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما السمة الأولى المهمة التي اتصف بها سموه فهي طيبة قلبه ونقاؤه من الشحناء والبغضاء والحمد للآخرين، فهو لم يحمل في قلبه الكبير قط إلا التواضع والتسامح والمحبة وتلمس الأعذار للآخرين.. وتعد هذه السمة إحدى سمات أهل الجنة نسأل الله أن نكون من أهلها... فعن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك قال: كنّا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلّق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغدُ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك؛ فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ مقالته أيضا؛ فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبدُالله بن عمرو بن العاص فقال: إنِّي لاحيتُ أبي فأقسمتُ أنْ لا أدخلَ عليه ثلاثاً، فإنْ رأيتَ أنْ تُؤويني إليك حتى تمضي فعلْتَ!! قال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يُحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارّ وتقلَّب على فراشه ذكرَ الله عز وجل وكبّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غيرَ أني لم أسمعْهُ يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث ليالٍ وكدتُ أنْ أحتقرَ عملَهُ قلْتُ: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجْرٌ ثمَّ، ولكنْ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرارٍ: ( يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة) فطلعْتَ أنت الثلاث مراتٍ، فأردت أن آوي إليك لأنظرَ ما عملُكَ فأقتديَ به، فلم أرَكَ تعملُ كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغَ بك ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما ولَّيْتُ دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غيرَ أنِّي لا أَجِدُ في نفسي لأحدٍ من المسلمينَ غشّاً ولا أحسدُ أحدا - وفي رواية أخرى ضغنا ولا سوءا - على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغَتْ بكَ وهي التي لا نطيقُ..
نسأل الله سبحانه وتعالى المغفرة لنا ولفقيدنا وان يجمعنا جميعاً في جنته.
أما السمة الثانية المهمة لسموه فهي محبة الناس له وقبولهم مهما اختلفوا معه، وهذه السمة نعمة من الله سبحانه وتعالى لا تقدر لا بمال ولا ولد يختص بها الله من عباده من يشاء... فعن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).. ولعل تلك الجموع الغفيرة التي أدت الصلاة على الفقيد أو التي شيعته لمثواه الأخير أو من قدم لتقديم واجب العزاء من أرجاء المعمورة لأكبر دليل وخير برهان على حب الجميع لسموه وما يحظى به من محبة ومنزلة خاصة في قلوب الجميع فقلبه كان نقياً طاهراً من الحقد والبغضاء مليئاً وفياضاً بالتسامح.. كما أظهرت وأثبتت ردود الفعل الحزينة وألم الجميع على فقدان سموه من أوساط المجتمع المختلفة وتسابق الجميع للدعاء له بالرحمة والمغفرة ما يتمتع به سموه من محبة وقبول من الجميع وحجم الفاجعة الذي أحدثه رحيله... فقد كان سموه مدافعا عن الحق والمصلحة العامة، وكان بمثابة الأب الموجه والمعلم للكثير ممن حوله، وكانت مسيرته حافلة بالجد والاجتهاد والعمل الصادق، وقدم الكثير من الدعم المادي والمعنوي، وكان ذا نظرة ثاقبة ومتفحصة للأمور.. فنسأل الله له القبول والمغفرة والرحمة.. فسموه كان نهرا من العطاء الرياضي الذي لا تنضب مياهه المتدفقة أبداً وإن جفت منابعه، والتي ما إن تمر بأرض أو ميدان من ميادين التنافس والإخاء الرياضي إلا وبعثت الروح فيه وأرست غرساً طيباً ثماره الانجاز وظله الاخاء الرياضي، فإلى رحمة الله وإلى جنة الفردوس يا نهر العطاء الرياضي.
لمحات من حياة فقيدنا أمير العطاء الرياضي والتواضع
- كان سمو الأمير عبدالرحمن بن سعود رحمه الله شمعة مضيئة في تاريخ الحركة الرياضية أنارت الطريق لأجيال من الإداريين والمدربين والحكام واللاعبين في الوقت الذي كان فيه يحترق ويقف شامخا في وجه الريح والتحديات والصعوبات وتقلبات الزمن والظروف وتغير الرجال والأجيال وتبدل المبادئ والأهواء والمصالح فإلى رحمة الله يا شمعة الرياضة السعودية فقد أديت الأمانة وأكملت الرسالة وسيبقى عطاؤك نبراساً للرياضيين فلقد استطاع رحمه الله بحنكته الرياضية وبمساهماته وأفكاره وأطروحاته إثراء الحركة الرياضية في المملكة ودفع عجلتها، ولقد كانت له قناعات ومبادئ ومفاهيم ثابتة ومؤثرة على الرغم من تعاقب الأجيال وتغير الظروف.
- قدم سموه صحته وجهده ووقته وماله وفكره للرياضة ولفارس نجد على مدى ما يقارب الخمسين عاماً... ساعة بساعة ويوما بعد يوم فرحمك الله يا أبا خالد كما عرف عن سموه المطالبة بحقوق فريقه وعدم التخلي عنها إيماناً منه بضرورة العدالة في الرياضة كما هي في الحياة، على الرغم من إدراكه الكامل بأن الرياضة قد تكون غير عادلة أحياناً كما هي الحياة.
- عمل سموه بدون ملل أو كلل متحدياً كل الظروف والإمكانيات المحدودة التي لو مرت بأي ناد سعودي لعصفت به ولرأيته بين الصعود والهبوط من درجة لأخرى، ولكن سموه كان قياديا محنكا وخبيرا ومتمرسا... ولو توفر لدى سموه ما تنفقه بعض الإدارات الأخرى على أنديتها لرأينا النصر ينافس على البطولات العالمية، وخير دليل على ذلك مشاركة النصر الوحيدة والمشرفة في كأس العالم للأندية.
- تميز سموه دائماً بالجرأة في الطرح وقوة الحجة والسخرية المحببة أثناء اطلالته المستمرة من خلال القنوات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة، ولهذا حرص المنتمون للوسط الرياضي وغير الرياضي على الاستماع لآرائه وقراءة أحاديثه ومقالاته لما له من طرح هادف بناء وأفكار نيرة وجريئة، ومهما اختلف معه الآخرون فإن الود والتقدير والاحترام كان دائماً شعار سموه ولغته السائدة في التعامل مع الآخرين. ولقد كان لدى سموه قدرة عجيبة على نقل المنافسة الرياضية بروح رياضية من ميادين وملاعب الكرة إلى ميادين الإعلام الرياضي المختلفة التي غالباً ما حقق التفوق فيها فقد كان حقا شمعة اعلامنا الرياضي، فكلما مرت فترة من فترات الركود وخبا بريقه وجدنا سموه يعيد النور من جديد للصفحات الرياضية ويبعث فيها الروح ويشد المتابعين ويزيدهم إثارة حتى لو كانوا بعيدين كل البعد عن المجال الرياضي، فتصريح منه أو حتى كلمة من سموه قالها حتى لو كان مازحاً كانت كفيلة باشعال فتيل الصفحات الرياضية وتصدر مقالاتها وتهافت الصحافيون على نقلها وتحليلها وقراءة ما بين سطورها فوداعاً يا أمير الاعلام الرياضي، فلقد قدمت الدروس الكثيرة التي نتمنى أن يتعلم منها الجميع.
- من خصائص سموه رحمه الله صبره وتجدد حماسه للعمل الرياضي، حيث كان سموه متابعا لشؤون النصر في كل لحظة من لحظات حياته حتى في تلك اللحظات التي نصحه فيها الأطباء بضرورة الخلود إلى الراحة والبعد عن الضغوط النفسية المتأصلة في العمل الرياضي، ففي الوقت الذي يخلد فيه الآخرون إلى الراحة والهدوء نجد سموه يتابع كل صغيرة وكبيرة من شؤون النصر وما يستجد منها على الرغم من مرضه ومشاغله الكثيرة ومسؤوليته، فها هو في آخر لحظات حياته يستفسر في منتصف الليل عن آخر التطورات المرتبطة بالنصر من خلال إجراء اتصالات مكثفة.. فرحمة الله عليك يا أمير العطاء الرياضي فلقد كانت هناك دائما قصة عشق خاصة بينك وبين نادي النصر لم يعشها ولم يشعر بها إلا أنت لأنك المؤسس الحقيقي لفارس نجد وباني أمجاده وتاريخه ورجل انجازاته.
- كما كان لسموه - في اعتقادي الخاص- موقف رياضي ينم عن نظرة بعيدة وخبرة متمرسة في القيادة الرياضية، فعندما تخلى نادي الشباب عن نجومه المبدعين من جيله الذهبي الذين حققوا له الانتصارات محلياً وعربياً وآسيوياً ولم ترحب معظم الأندية الكبيرة بهم، نجد سموه فتح لهم قلبه الكبير ورحب بهم قبل أن يفتح لهم أبواب ناديه على مصراعيها واستقطبهم - على الرغم من إدراكه بأنهم لن يضيفوا فنياً الكثير للفريق - ولكن إيمانه النير بالدور الإنساني الذي يجب ان تقوم به القيادات الرياضية نحو المتميزين رياضياً من أبناء هذا الوطن كان هو الدافع نحو ذلك الاحتواء... فرحمة الله عليك يا مدرسة القيادة الرياضية الإنسانية.
- كما كان رحمه الله ذا ثقة كبيرة بأبناء هذا الوطن من المدربين، فلقد قدم الكثير من المدربين الوطنيين الناجحين في الكثير من الألعاب الرياضية ووقف معهم وقدم لهم الدعم الكبير والمشورة والنصح، فقد يكون نادي النصر هو أكثر الأندية السعودية انتاجاً للمدربين الناجحين خاصة في كرة القدم وذلك بفضل جهود سموه. ولقد قدم سموه للرياضة السعودية وكرة القدم بالذات نجوما سعودية تلألأت وأضاءت سماء الرياضة السعودية محلياً وعالمياً ورفعت راية التوحيد خفاقة في الكثير من المحافل الرياضية ولعل أبرز هؤلاء النجوم النجم الخلوق وهداف منتخبنا ماجد عبدالله.
- كقائد رياضي، انتهج سموه نمط القيادة الموجه نحو الأفراد أو الرياضيين People-oriented leadership style اعتقاداً منه بإنسانية العاملين في المجال الرياضي في المقام الأول قبل أن يكونوا رياضيين أو موظفين وإيماناً منه بضرورة مشاركتهم في إدارة شؤون النادي واتخاذ القرارات وتنفيذها وتحمل المسؤوليات فمن ضمن ما يسجل لسموه غفر الله له تسامحه ونقاوة قلبه الطيب وشفافية روحه وابتسامته الدائمة التي ما إن يلحظها من قابل سموه -ولو كان في خلاف في الرأي معه- إلا وأدرك جيداً (إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)، وأدرك مدى وعمق الروح الرياضية الذي يتمتع به سموه.
- كما عرف عن سموه أسلوبه الخاص في الإعداد النفسي لفريق النصر وللمنتخب السعودي أثناء إشرافه عليه إداريا، فصفة سموه هذه دائماً ما تذكرني بفقيد الرياضة العربية والكويتية الشهيد فهد الأحمد غفر الله له، فلقد كانا ينتهجان رحمهما الله أسلوبا واحدا في الإعداد النفسي للاعبيهم وفرقهم، وهما وجهان لعملة واحدة فلقد كانا يؤمنان إيمانا كاملا بقدرة لاعبي فرقهم على قلب التوقعات وقهر الظروف وتحدي الصعوبات متى ما جند لاعبو. الفريق طاقاتهم وقدراتهم وعوضوا هذه الظروف وتغلبوا عليها بالموزون الرياضي الأعظم (الدافعية الرياضية) والإصرار والكفاح من أجل تحقيق الفوز حتى آخر لحظة من لحظات المباراة، وإن لم يتحقق الفوز لفرقهم فإن التعادل أو حتى الهزيمة بشرف وكبرياء واعتراف من الخصم بالقوة هو سمة من سمات الرياضيين، ذو الروح العالية المكافحة، فقد كان شعارهما الدائم هو الفوز وقهر الظروف وقلب التوقعات وإن لم يتحقق هذا فالهزيمة بشرف. فغالباً ما كانت تصريحاتهما وتوقعاتهما قبل المباريات الحاسمة موضع اهتمام الفرق المنافسة ومحركا لدافعية لاعبي فريقيهما، بغض النظر عن حالة فريقيهما أو ما يمر بهما من تغيرات كبيرة أو سوء طالع في الموسم الرياضي.
- لقد رحل سموه وترك وراءه إرثا رياضيا كبيرا وقيما كونه خلال نصف قرن من الزمن، وهذا التاريخ جدير بالدراسة والبحث العلمي من المهتمين بشؤون قيادة الأندية الرياضية في الوطن العربي، ولعله حان الوقت الآن ان يقوم أبناء سموه بتحقيق آمال سموه في إكمال مسيرة فارس نجد المتميزة والمشرفة نحو الانجازات التي بدأها رحمه الله قبل خمسين عاما فهم خير من يقوم بذلك ويحمل لواءه وهم أهل لذلك... فلنا فيهم آمال كبيرة فهم من تلقى دروس القيادة والإدارة الرياضية تحت اشرافه رحمه الله وبين يديه.
اللهم اغفر لأبي خالد وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه.. آمين... آمين... آمين.

(*) قسم التربية البدنية وعلوم الحركة - جامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved