دروس من النجف

الصيغة التي أنقذت النجف وآلاف العراقيين فيها تثبت أن أهل تلك البلاد هم الأقدر على مباشرة قضاياهم وحل ما صعب منها، فبعد ثلاثة أسابيع من الاشتباكات الدامية والقصف الجوي العنيف من جانب واحد، وبعد أن ظهرت ملامح كارثة ماحقة استطاع العراقيون الوصول إلى تسوية مرضية ينبغي استثمار مفرداتها لحلحلة كامل الوضع العراقي، أو على الاقل اقتناص الروح التي سمحت بمثل هذه التسوية والبناء عليها.
ولم يكن الوصول الى تلك التسوية بالأمر اليسير؛ إذ سقط 84 عراقيا قتلى فيما كان موكب المرجع الشيعى السيستاني يتقدم نحو النجف، الأمر الذي يشير الى أن هناك من كان يأمل في إحباط المساعي الخيَّرة حتى وهي في ساعاتها الأخيرة، أي أن هؤلاء كانوا في سباق مع الزمن من أجل الحفاظ على التوتر والإبقاء على جرح النجف مفتوحا.. ذلك يقود أيضا إلى ضرورة التمعُّن في الدروس والتجارب على ان يتم تكريس ما هو مستفاد لصالح تسوية كامل الوضع العراقي، وإلا فإن عدم الإفادة مما جرى يعني أن نفس أولئك النفر الذين حاولوا إفشال تسوية النجف سيجدون أن عليهم ان يبقوا على محاولاتهم حية، خصوصا وانهم لم يكونو ليستهدفوا النجف وإنما كامل العراق.
لقد خاض العراقيون معارك شرسة في النجف، لكن معركة السلام لم تكن تقل ضراوة، وإذا أفلح العراقيون في إثبات جدارتهم مرة أخرى ، ونجحوا في مواجهة المزيد من التحديات بذات تلك الروح، وبذات ذلك العزم فإن علينا يومها الاطمئنان الى أن هناك عراقاً جديداً قد خرج إلى الوجود.. هذا العراق المأمول فيه ليس شأناً عراقياً داخلياً فقط، فهو كذلك في المقام الأول لكنه ايضا امر مطلوب عربيا واسلاميا واقليميا، فالعراق الجريح يعني أمة عربية واسلامية جريحة، كما يعني أخطاراً تحدق بالجميع بدءاً بالعراق وانتهاء بكامل المنطقة التي هي عربية في المقام الأول.. ولكن العراق الذي يفتقر الى الاستقرار، ويعجز ابناؤه عن فرض رؤاهم وإرادتهم يكون نهبا للاطماع ويكون أدعى للرزوح تحت سطوة القوى الخارجية.