Saturday 28th August,200411657العددالسبت 12 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "تحقيقات"

متخصصون وأكاديميون لـ( الجزيرة ): متخصصون وأكاديميون لـ( الجزيرة ):
الإرهاب والانتحار ظاهرتان تنشآن في ظل أحادية التفكير

  الرياض - محمد ناصر المناع
يُرجع علماء النفس والاجتماع والمتخصصون في الفروع الطبية أسباب الانتحار وايذاء النفس إلى نوازع نفسية شاذة مردها إلى الاكتئاب الذي يسيطر على أحاسيس المرء ويكبله نفسياً ووجدانياً بصورة رهيبة لا يعرفها إلا من يكابدها ويعانيها، حتى انها تدفعه لارتكاب حماقات وأخطاء بحق نفسه كإيذاء الذات وصولاً إلى الانتحار.. ومع تباين الأسباب والحالات وسبل العلاج، إلا أن النظرة الإسلامية والتقرير الالهي الشرعي هو تحريم قتل النفس بأي شكل وأي حالة، فقد حث الإسلام الحنيف على مواجهة الازمات والاستعانة بالله عليها واحتساب ذلك عند الله أجراً ومثوبة، كما وعد سبحانه الصابرين في كتابه وما جاء في سنة المصطفى في هذا المقام.
وهنا نقدم للقارىء آراء عدد من المتخصصين حول هذه المسألة:
*****
النهوض بنفسية المكتئب
في البداية تحدث لنا الدكتور محمد بن سعد الشويعر -رئيس تحرير مجلة البحوث والافتاء- قائلاً: الانتحار محرم في الإسلام؛ لأن النفس ملك لله وليست ملكاً للشخص يتحكم فيها كيفما يشاء.. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ويقول صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشيء فهو يتوجأ به في نار جهنم، ومن شرب شيئاً ليقتل نفسه فهو يحتسيه في نار جهنم)، ويرى أن المنتحر عجل بنفسه إلى النار؛ لأنه لم يصبر ولم يأتمر بأمر الله ولا أمر الرسول، وأن جريمة الانتحار تعود إلى نفس المنتحر والعوامل المحيطة به، وقد يكون مجنوناً ولا عقل عنده، والمجنون مرفوع عنه القلم والأعمال بالنيات كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرىء ما نوى...الخ)، وإذا أخذ سبحانه من الإنسان ما وهب سقط عنه ما وجب.
واشار إلى أن من ابرز دوافع الانتحار ضعف الوازع الإيماني؛ لأن الإيمان والعقيدة الإسلامية يمنعان الإنسان من الاقدام على الانتحار؛ لأنه يراقب الله ويخشى عقابه فيصبر ويدرك ما ذكر الله سبحانه من جزاءات كثيرة للصابرين المحتسبين.. أما إذا كان القلب خالياً من الإيمان، فإن الإنسان يصبح كالانعام بل هو أضل، فالانعام رغم أنها غير مكلفة فإنها تحرص على حياتها وغذائها وتجنب كل شيء ضار بها أو يعرضها للمخاطر. وتعتبر من أبرز دوافع الانتحار كذلك الاسرة، فهي سلاح ذو حدين، فإذا كانت متفككة وبها مشكلات عديدة فقد تدفع للاقدام على الانتحار، وبالعكس إذا كانت متماسكة متدينة وفيها تفاهم، والعلاقات فيها مبنية على الألفة والمحبة فقد تبتعد بهم عن الانتحار.. ومثل ذلك الاصدقاء، فأصدقاء السوء هم الذين يقودون إلى المشاكل والمخدرات والجريمة، وضدهم أصدقاء الخير وأهلهم الذين يعينون على الخير ويتعاونون على كل أمر يطرأ.. وهكذا الفراغ، وحقيقةً، لا ظن أن من يقدم على الانتحار يجد وقتاً للتفكير، ولو كان عنده تفكير لما أقدم يقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، فإن القلب إذا عمي لا يوجد مجال في التفكير وإدراك العاقبة وما فيها من خسارة أبدية.
وأكد أن الأوضاع التي نعيشها ليس لها دور في هذه الجريمة؛ لأن الرسول وما جاء في القرآن الكريم حدد العلاج لكل مشكلة، ووعد الصابر المحتسب بالأجر العظيم. ويضيف: وإن أجدادنا المسلمين مرت بهم مصائب ومشكلات على مر التاريخ أشد مما يمر اليوم وما انتشر الانتحار بينهم.. ولكن الذي يمر اليوم هو خواء فكري يعين عليه الجهل وشياطين الانس والجن الذين يوحي بعضهم إلى بعض ليزينوا للناس ويوقعوهم في المصيدة، حتى يخسر الإنسان دنياه وآخرته.
ويضيف: ان الانتحار عائد على الإنسان نفسه ولتدمير نفسه، والهرب من الحياة بسبب ما يمر به من عارض دفع إلى فقدان العقل، فإنه يتوقع خلاصا له مما يشكو وهروباً من مشكلة أحاطت به.
ويلفت الانتباه قائلاً: إن المشكلات النفسية والاجتماعية والاكتئاب والمؤثرات الاسرية والمالية ومشاكلها تعد من بوادر بروز الاعراض التي قد يصاب بها الشخص، ولذا يجب متابعة من يمر بظروف أياً كانت ومساعدته حتى يفصح عما في نفسه ليمكن إعانته من هذا الجانب، والدخول إلى أعماق نفسه لكي يعبر عما يدور بنفسه كما يقول الشاعر:
ولابد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
فإذا جاء مَنْ عنده القدرة العلمية والدينية ليدخل لأعماق نفس من ظهرت عليه البوادر فإنه يصبح كالطبيب النفسي، أو المرشد الاجتماعي تدريجياً حتى يخرجه من الازمة التي احاطت به، كما أنه لا يعرف من يمد يد العون له إذا كان السبب مالياً او عاطفياً أو أسرياً أو غير ذلك، كل حالة بحسبها حتى يُعان تدريجياً في الخروج من الازمة ويعود إنساناً سوياً.
ويرى أن الإعلام مقصر جداً، بل إن بعض المسلسلات تدعو إلى انتشار الجريمة وتعلمها، فيجب أن تكون المسلسلات هادفة ومعالجة لقضايا المجتمع لتكون دروسا يخرج منها المشاهد بفائدة وتعالج ما يدور في المجتمع وتضع الحلول.. لا ما نراه حالياً من مسلسلات تُجلب الهمَّ وتُدخل في النفس الغمَّ والضيق والكدر وتفتح باب الشر.. وهذه مسئولية كبيرة على رجال الإعلام بحسن الاختيار.
روابط بين الإرهاب والانتحار
وتحدث من جانبه الدكتور إبراهيم بن محمد أبو عباة -رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني- قائلاً: إن تقوى الله تعالى والإيمان به وحسن التوكل عليه والإيمان بقضائه وقدره من الأسس التي تحمي المؤمن - بإذن الله- عند الأزمات والمصائب والمتاعب؛ إذ لا شيء يحيي الأمل في النفوس ويطمئن القلوب كالإيمان بالله والصبر على قضائه وقدره؛ ولأن الصابر على يقين بأنه سيكون مأجوراً على كل ما يصيبه.. أما إذا خلت النفوس من تلك القيم والمبادىء فإنها تكون عرضه لليأس والقنوط، عندها تتسلط عليه نوازع الشيطان والهوى والاوهام ويكون فريسة للتفكير في الانتحار والاقدام عليه.
ويرى أن من أهم الأسباب التي قد تدفع الإنسان للتفكير بالانتحار (عند تعرضه لأزمة نفسية أو اجتماعية أسرية أو مادية)، هو ضعف الوازع الديني ووجود الخلل في الحياة الاجتماعية كالتفكك الاسري، وافتقاد الاستقرار داخل الاسرة، وعدم الاندماج والتواصل مع من حوله.. لا شك أن ذلك قد يؤدي به إلى العزلة وعدم الشعور بالأهمية مقارنة بالآخرين.. فتلك الاسباب قد تجعل الإنسان مهيأ -لا سمح الله- للانزلاق والتفكير في الانتحار.. وإن الاسرة والاصدقاء والمال والفراغ عوامل مهمة في بناء الفرد المسلم بناءً سليماً صحيحاً، فالأسرة لها الدور الأهم في توجيه أفرادها التوجيه الأمثل، والمال قد يكون سبباً للتعاسة والضياع وقد يكون مصدر خير وبناء، وهذا يرجع إلى حسن التدبير والتوظيف السليم، وكذلك الفراغ لا يقل أهمية عن المال، فإما أن يستغل في الخير والمنفعة، وإما أن يستغل في الضرر والاضراء، وللاصدقاء نصيب في التأثير على السلوك والفكر.. إن جميع هذه العوامل إذا كانت منضبطة بضوابط صحيحة، مرتكزة على ثوابت سامية أسهمت في صنع جيل طموح واعٍ قوي بمبادئه ودينه.. أما إذا كانت غير منضبطة بتلك الثوابت، فإن الإنسان معرض للإصابة بأمراض الانحراف والتيه واليأس والقنوط، مما قد يؤدي لا سمح الله للتفكير في الانحراف.
ويقول إن هناك علاقة في التركيبة الفكرية بين الانتحار والارهاب، فيرتبط كل من الشخص المقدم على الانتحار والشخص الذي يحمل الفكر الإرهابي بأنهما ينظران للحياة والمجتمع نظرة سلبية يملؤها العنف والتطرف.
فصاحب الفكر الارهابي يرتكز على مرتكزات عدة كلها كره المجتمع وضرورة استخدام القوة والعنف لاصلاحه.. أما الشخص المقدم على الانتحار فإنه ليس ببعيد عن صاحب الفكر الإرهابي، حيث إنه شخص كاره للمجتمع يائس من الحياة، وأنه لا يوجد حل لوضعه سوى التخلص من الحياة عن طريق الانتحار، معتقداً أنه افضل الحلول بالنسبة له، فهما يتفقان في النظرة التشاؤمية واستخدام العنف في حل المشكلات، فالارهاب والانتحار ظاهرتان تنشآن في ظل أحادية التفكير التي أصابت بعضا من الشباب، والذين أصبحوا يرفضون الرأي الآخر كما يرفضون مبدأ الحوار، متمسكين -بقوة- بآرائهم وأفكارهم الخطيرة والضالة.
ويقول إن الإنترنت من أبرز الدعاة إلى مثل هذه الجرائم، فهو سلاح ذو حدين؛ يحتوي على مواقع عديدة نافعة ومفيدة، بل إن منها مواقع تنشر الخير والدعوة إلى الله على علم وبصيرة إلى غير ذلك من الفوائد.. وفي الجانب الآخر تحوي هذه الشبكة مواقع هدامة تهدم المعتقد والفكر والأخلاق بوسائل عدة ومن خلال التشكيك في العقيدة، ونشر الشبهات وإثارة الشهوات والدعاية للأخلاق الرذيلة والفكر المنحرف ومنها فكر الانتحار. أيضاً وسائل الإعلام لا شك أن لها دوراً مشابهاً للإنترنت من حيث التأثير على الشباب والمراهقين وزعزعة المبادىء والقيم لتنقلهم من بر الأمان إلى بحر الضياع والانحراف واليأس.. من هنا ونظراً لخطورة هذه الوسائل على المدى البعيد والقريب كان لزاماً محاربة كل فكر منحرف وعقل ضال، وذلك من خلال إيقاظ الدور المهم للأسرة والمدرسة، وإيجاد إعلام هادف بنَّاء وواعٍ معتمد على أسس الدين الحق الذي يحفظ للإنسان عقله وكرامته ويحميه بإذن الله من الضياع والإجرام والقنوط والانتحار.
ويقول: إن العلاج هو من مسئولية الجميع والجهات التربوية والإعلامية والدينية للتوعية بخطورة هذا المسلك الخطير، وأن تهيىء للفرد الواعي الكافي حتى يستطيع تجاوز ما قد يتعرض له من أزمات ومشكلات من خلال تقوية الصلة بالله والرضا بما قسم وقدر، وأن ما قد يصيبه يكفر الله به ذنوبه إذا صبر واحتسب، مع ضرورة علاج من يظهر عليه علامات اليأس ومن لديهم نزعة واستعداد لهذا الأمر لإعادتهم إلى جادة الحق والطريق السوي المستقيم، كما لابد من قيام المؤسسات المعنية ببحث ودراسة هذه الظاهرة ووضع الحلول والعلاج السليم حتى نمنع بإذن الله من انتشارها.
أكبر الكبائر بعد الشرك
بيما تحدث لنا الدكتور حسين بن عبدلله العبيدي -الاستاذ المشارك بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام- قائلاً: المحافظة على الحياة أمر واجب في دين الإسلام؛ لذا جاء الشرع بتحريم قتل النفس بغير حق، فقد اتفق أهل العلم على أن قتل النفس بغير حق حرام ويعتبر من الكبائر، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك بالله جل وعلا، ولقد حرم الإسلام على الإنسان قتل نفسه بأي وسيلة كانت وهو ما يعرف بالانتحار، إذ أن الانتحار نوع من القتل ويتحقق بوسائل مختلفة ويتنوع بأنواع متعددة، ويطلق الانتحارعلى قتل الإنسان نفسه بأي وسيلة، سواء كانت بإتيان فعل منهي عنه كاستعمال السيف والمسدس ونحوهما، أو إلقاء النفس من علو شاهق أو في النار ليحترق أو في الماء ليغرق، أو الزج بالنفس في أوساط حيوانات مفترسة كالسباع.. أو كان الانتحار بالامتناع عن الواجب كالامتناع عن الاكل والشرب أو القاء النفس في طريق سيارة مسرعة أو قطار، فهذا انتحار بمعنى قتل الإنسان الشخص نفسه.
ويضيف ان الانتحار محرم بالاتفاق وكذلك قتل النفس بغير وجه حق على وجه العموم يقول الله تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} وكذلك جاء النهي في السنة المطهرة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قصة الرجل الذي كان يقاتل مع الصحابة قتالاً شديداً، فأعجب الصحابة بفعلة وقالوا: ما أجزأ من اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما إنه من أهل النار)، فقال رجل من القوم أنا صاحبه اليوم، فخرج معه.. فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت فقتل نفسه بسيفه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكر آنفاً من أهل النار فأعظم الناس ذلك.. الحديث.
وفي الصحيحين أيضاً أن رجلاً كان ممن قبلنا خرجت به قرحة فلما آذته انتزع سهماً من كنانته فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: (حرمت عليه الجنة).
وفي هذه الاحاديث وما شابهها بيان غليظ بتحريم قتل الإنسان نفسه، بل قرر الفقهاء أن المنتحر أعظم وزراً من قاتل غيره، وهو فاسق وباغٍ على نفسه.. حتى قال بعضهم: لايصلى عليه، وأيدوا ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قتل نفسه بمشقاص فلم يصل عليه. فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه زجراً للناس من مثل فعله، وصلى عليه الصحابة رضي الله عنهم.
ويقول إن أعظم الدوافع للوقوع في هذه الجريمة هو الجهل بالحكم وأنه من أكبر الكبائر المحرمة تحريماً مؤكداً بالاجماع.. ولا شك أن الجهل داء عضال فينشأ عنه كل معصية وجريمة؛ لذا قال السلف: كل من عصى الله فهو جاهل؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ}، فإذا لم يكن عند الإنسان علم يردعه ويضبط تصرفاته وقع في هذه الجريمة المنكرة.
ومن الدوافع إطاعة الشيطان والاستجابة لوسوسته وامره، فلا شك أن الشيطان داع لكل رذيلة ولكل كبيرة ليوقع الإنسان معه في نار جهنم، كما قال تعالى عنه: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، فتجد المنتحر قد أذعن لداعي الشيطان وانقاد له فوقع في وحل هذه الجريمة.
ومن الدوافع أيضاً ضعف الإيمان والقنوط من رحمة الله، فقد يقع في مشكلة أو مصيبة أو مرض ونحو ذلك فلا يصبر لضعف إيمانه، وحينئذ يستعجل الموت خروجاً من هذه الضائقة زاعماً أنه خرج من ضيق هذه المشكلة واستراح، ولم يعلم أنه أقدم على مشكلة ومنكر أعظم مما كان فيه.. يقول الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وهذا الدافع أكثر الدوافع شيوعاً.
ويؤكد أن الحل في تقوية الوازع الديني لدى الناس بوجوب المحافظة على حياة الإنسان، وبيان عاقبة الإقدام على مثل هذا الفعل في الآخرة، وايضاح ان من اركان الإيمان الإيمان بالقدر خيره وشره، وانه لن يصيب الإنسان إلا ما كتبه الله له وأنه لا مفر من القضاء والقدر.
ويرى أن تكثيف التوعية وعقد الندوات والمحاضرات، واثارة هذا الموضوع في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وان هذه الجريمة وافدة من المجتمع الكافر الذي لا يؤمن باليوم الاخر ويرى ان الدنيا نهاية حياته فلا حياة بعدها؛ وذلك أنهم يعانون من فراغ روحي وأن الدنيا عنده كل شيء لذا إذا حلت به مصيبة أو وقع في ضائقة أقدم على تلك الفعلة النكراء لينتهي من المعاناة، وهذا لا يتماشى مع معتقد المسلم؛ لأن المسلم يعتقد أن الدنيا ليست النهاية إنما مرحلة، وأنها ليست بدار قرار وإنما الحياة الحقيقية الباقية في الدار الاخرة؛ لذا عليه جعل الاخرة همَّه الاكبر.. أسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأن يرزقنا الفقه فيه.
الاكتئاب سبب رئيس
والتقينا بالدكتور محمد خلدون مروه -استشاري الطب النفسي ورئيس قسم الطب النفسي بمستشفى دلة الطبي- فتحدث لنا قائلاً: إن الانتحار في الطب النفسي هو الاعتداء على الذات لاحداث القتل العمد، وينقسم علمياً وطبياً إلى قسمين: الانتحار، ومحاولة الانتحار.
وحقيقةً، تختلف النسب باختلاف الاديان، فتأتي طائفة البروتستانت والديانة اليهودية في المرتبة الأولى على مستوى العالم، ثم يأتي بعدهم طائفة الكاثوليك وهم أكثر التزاماً بتعاليم دينهم، ويأتي في ذيل القائمة بنسب ضئيلة مقارنة بالاديان الأخرى الدين الإسلامي.
ويضيف ان الانتحار في بلادنا له بُعد ديني، ويتخذ شكلا آخر عما هو عليه مما ساعد في انخفاض من تصل بهم الحال لمراحل متأخرة بها طابع الجدية من حيث التفكير في الانتحار، فتتلاشى هذه الافكار خلف الخوف من الله وهو مانع قوي لدينا -نحن المسلمين- من الاقدام على مثل هذا الشيء.
ويقول الدكتور إن الأسباب المؤدية للانتحار ثلاثة أسباب هي: أسباب نفسية واجتماعية وعضوية، والاسباب النفسية غالباً ما يكون على رأسها الاكتئاب، فلقد قدر ما نسبته 70% ممن انتحروا أنهم كانوا مصابين بالاكتئاب.. وحقيقةً، الاكتئاب يزداد يوماً بعد يوم، والسبب يعود إلى تعقيد الحياة وازدياد ضغوطاتها ولا يعني هذا أن كل من يعاني من الاكتئاب يقدم على الانتحار، فكثير من الناس يعانون من الاكتئاب ولكن لم يفكروا ولم يحاولوا الانتحار.
والاكتئاب له عدة مسببات منها المخدرات ولها نصيب الاسد من حيث الانتحار في بلادنا، وتعاطي الكحول والادمان عليها.. وهناك الصدمات العاطفية، ولكل واحد من هذه الاشياء علاج يقي -بإذن الله- فالادمان على الكحوليات قد لا يسبب تعاطيها الاكتئاب ولكن بعد تركها لا يستطيع الإنسان الصبر على الالم الذي قد تحدثه عندما لا يتعاطاها، مما يسبب له اكتئابا شديدا.. ويقول الدكتور إن الادمان يتم علاجه على مرحلتين: الاولى معالجة الاسباب المؤدية للإدمان، والثانية معالجة الادمان نفسه.. ومما يسبب الاكتئاب هو وقوع الإنسان فريسة نفسه والأوهام.
أما الأسباب العضوية فعادة تكمن في الامراض الشديدة بحيث لا يتحمل الإنسان آلامها كالسرطانات الشديدة والشلل الرباعي، وقد لا يكون الانتحار في مثل هذه الحالات بالمسدس أو السكين ولكن قد يكون بالامتناع عن تناول الدواء الذي يكون ضروريا لحياة الشخص، ويجب على الطبيب المعالج ملاحظة الأمراض النفسية والانتباه للاكتئاب المرافق لهذه الأمراض العضوية وتعزيز الخدمات النفسية التي تدعم الأمراض المزمنة الشديدة. أما الاسباب الاجتماعية فتختلف من حيث الدرجة والتأثير، فوفاة عزيز أو قريب يسبب إحباطا شديدا قد يدفع الشخص للانتحار، وكذلك العزلة بحيث لا يوجد دارئ له وحفظ من المجتمع، فكلما ابتعد الشخص عن المجتمع ودخل في عزلة كان الإنسان أسيرا للنزوات والاوهام التي غالباً ما تكون سلبية على الشخص نفسه، وبحيث تسهل نفسه عليه اتخاذ أي قرار مهما كان بحيث لا يناقش فيه أحدا؛ لأنه في عزلة شديدة وبعيد عن المجتمع، ولا يستطيع المحافظة على نفسه لوحده.. وكذلك البطالة بحيث لا يوجد للإنسان إغراءات للعيش؛ لأن حياته تكون مليئة بالحزن والشقاء والتعب.. وأيضاً الفقر؛ لأن الإنسان يعيش حياته في معاناة وحاجة ملحة، مما يدخل في نفس الإنسان اليأس والاحباط.
ويقول إن الشخص الذي يقدم على الانتحار يكون شخصا قد قام باتخاذ القرار بخصوص مسألة انتحاره، ويكون بعيدا عن الناس عندما يريد تنفيذ عملية انتحاره، لأنه لا يريد من أحد أن يمنعه من تنفيذ قراره.. والدليل على أن مسألة الانتحار تكون مسألة مخططا لها مستقبلاً، هو ترك بعضهم وصيته بحيث يطلب أن يسامحه أصدقاؤه وأهله.. ولقد وجد أن ثلث الحالات أو نصفها التي تنتحر تراجع الاطباء قبل شهر من الانتحار خصوصاً الطبيب العام، ويكون دائماً هو المقدمة التي تواجه المريض.. ويجب عليه في مثل هذه الحالة أخذ أي إشارة تشير الى انه قد يلجأ إلى التخلص من ذاته، ولا يجب أن يتحرجوا من السؤال هل هو يعاني من اكتئاب شديد أو مشاكل كبيرة، ولكن بلطف وحكمة تبدأ بالسؤال عن الحياة، وهل لها طعم وهل تفكر في الموت وهل هو يحاول أن يؤذي نفسه وهو يحاول الانتحار.. وغالباً مَنْ يقدم على الانتحار يكونون من كبار السن وغالباً المحاولة ليست لذات الانتحار وإنما لجلب الانتباه أو كردة فعل لحالات اندفاعية قد تكون انفعالية مفاجئة، ولا يجب أن تصنف ضمن المحاولة الوهمية، ولكن لا يقصد قتل نفسه بالضرورة.. والغالبية العظمى ممن يقدم على المحاولات هم من المراهقين، والغالبية العظمى من النساء، والعكس في الانتحار الغالبية من الرجال.. والمحاولة هي لكسب العطف والشفقة ولإثارة موضوع أكبر من المشكلة التي يعاني منها الشخص، والادوات التي تستخدم في الانتحار تختلف باختلاف الجنس والسن، فمثلاً الرجال يختلفون عن النساء، فالرجال غالباً ما يستخدمون المسدسات والادوات الحادة، أما النساء فيستخدمن المبيدات الحشرية والاقراص، وهناك حقيقة يجب ذكرها والتنويه بها: فالبعض يعتقد أن البندول دواء غير قاتل، والحقيقة ان تناوله بكميات كبيرة قد يؤدي إلى الوفاة.
وهناك أناس يتوقع أن ينتحروا أكثر من غيرهم، والقائمة على رأسها الأطباء وكبار السن والذين لديهم مهام عالية وراقية والسياسيون والرؤساء ورجال الاعمال خاصة عندما لا يوجد لديهم شبكة اجتماعية، ويتدهور وضعهم الوظيفي، وكذلك من سبق لهم محاولة الانتحار.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved