العودة إلى الفلوجة

عادت الفلوجة إلى الأضواء مجددا بعد ثلاثة أسابيع هي المدة التي استطاعت فيها النجف اجتذاب الاهتمام إلى أن هدأت الأحوال فيها من خلال مبادرة السيستاني، ومع ذلك فقد ظلت الفلوجة طوال تلك المدة نقطة توتر وإن بدرجات أقل..
الزخم السياسي الذي أحاط بالنجف طوال المواجهات الحامية بين عناصر جيش المهدي من جانب، والشرطة العراقية والقوات الأمريكية من جانب آخر تجاوز مجرد المحيط العراقي إلى الخارج من جهة التعاطي مع الأزمة، ومن جهة المناشدات التي انطلقت من أكثر من دولة مطالبة بالتسوية والتهدئة، كما أن هناك التلميحات بل والاتهامات الصريحة بتدخلات أجنبية في المشكلة، إلى جانب أن الزعامات المرتبطة بالنجف ذات امتدادات خارجية.
وفي كل من الفلوجة والنجف فإن الأحداث العسكرية تبلغ حدا بالغا من العنف على الرغم من أنها تجري وسط سكان مدنيين، لكن مسرحي الأحداث تحولا إلى ميادين معارك كبرى مع تدخل الطيران والدبابات فضلا عن نيران القناصة..
وفي الفلوجة يتكرر في كل حين وآخر قصف المنازل بمن فيها بصواريخ الطائرات الامريكية بدعوى أنها مواقع لعناصر المقاومة لكن الجثث التي تخرج من تلك المنازل بعد القصف، هي لنساء وأطفال لا علاقة لهم بأي عمل مسلح..
وما يجري في الفلوجة وما جرى في النجف يستلزم إيجاد ضمانات لحماية المدنيين من هذه الحمم التي تنزل عليهم صباح مساء، كما ينبغي أن تكون هناك قواعد وإرشادات لقتال المدن من شأنها إبعاد المدنيين من الأخطار كأولوية قصوى..
غير أن وقائع الحرب تكون في كل الأحوال غير منطقية وغير إنسانية، لكن حتى الحروب لها قواعد وأدبيات عندما تتجاوزها فإن الناس يتحدثون عن الإبادة والمجازر، وما إلى ذلك خصوصا عندما يتم الزج بالمدنيين وسط الصراعات بين الجيوش أو بين الجماعات النظامية.. وتبدو الحاجة أكثر إلحاحا لتسوية كامل الوضع العراقي، لأن هذه الحروب اليومية والاشتباكات تشكل وقودا مستمرا لصراعات قادمة، فهناك السعي المستمر للانتقام، ومن ينتقم اليوم سيتم الانتقام منه غدا، وهكذا فإن دائرة العنف لن تتوقف إلا بعمل سياسي حازم يضع مصلحة الشعب العراقي فوق أي مصلحة أخرى..