Monday 30th August,200411659العددالأثنين 14 ,رجب 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

6-2-1392هـ الموافق 21-3-1972م العدد (383) 6-2-1392هـ الموافق 21-3-1972م العدد (383)
هل يزول الشعر؟

هل يزول الشعر؟
سؤال بحجم العصر يطرحه الشعراء على أنفسهم اليوم ويترددون في الإجابة عنه بعد ما دخل الإنسان مداره الكوني وغزا القمر والكواكب الأخرى بالمركبات المأهولة وأنشأ أول محطة فضائية له تستقبل عليها بشرا وتدور آلاف المرات حول الأرض وأنجز إلى ذلك اكتشافات علمية حققت مجده وسيطرته على قوى الطبيعة وأشيائها الهائلة.
لكن هل الشاعر ظاهرة كونية في سبيل الانقراض؟؟
من هو هذا الشاعر الذي أعنيه؟؟ هل الشاعر - النظام الذي بلغ حداً من الثقافة المعجمية تمكنه من الحذلقة اللغوية واللعب بالأشكال والصور يمدح ويفخر ويهجو في المناسبات، أم الشاعر - المبدع الذي ينمو في ارض محروقة ليطل من رمادها على اللا محدود، ويقبض بمغامراته على وحدة الكشف والانخطاف ويتخطى العادي إلى الجوهري من العالم. قبل أن نصل الى النتيجة نرى أن انتفاضة الشاعر اليوم تكمن في الأساطير في الفلسفة في الحياة اليومية في الشاعر، بعد ما كان الشعر لعدة أسباب - كلام الذاكرة - اصبح الآن (فن الكلام)، ومن المستحيل إلصاق هذا التحول المفاجىء للشعر بزمن تاريخي معين، انما من الممكن تحديد مظاهره الأساسية بوضوح قبل وضعه في استقلاليته وإطاره العام:
* فقد الشعر - خلافا للنثر - مجالات النثر التي هي الفلسفة والتاريخ.
* فقد الشعر مروراً بالتعبير الشفوي إلى التعبير الكلامي- الكثير من مميزاته القديمة لكنه يبحث اليوم عن أشكال أكثر خصوصية لنضجه. ففي هذا الاعتبار سجل ابداع المطابع، في الزمن القريب، مرحلة مهمة لهذا التطور لأن عدد الذين كانوا يقرأون الشعر في الماضي كان ضئيلا وضيئلا جدا، رغم المحاولات التي بذلها الشعراء قديما لربح الجمهور القارىء والمستمع على السواء.
فالكلمة الشعرية، لم تعد في هذا العصر بالذات وقفاً على المطابع وحدها بل اتسعت مجالاتها بواسطة الراديو والتلفزيون والاسطوانة.
وبواسطة هذا المجال الإعلامي الجديد للشعر، يمكن الشاعر أن يربح جمهورا جديداً غير جمهور المطابع ولا يكون ظاهرة كونية في سبيل الانقراض، انما الشاعر - المبدع لا الشاعر - النظام المحمل بثقافات المعاجم وقواميس اللغة ومشتقاتها.
وبحكم هذا التطور الإعلامي الذي يلحق بالشاعر - المبدع (إذا توافر له هذا الإعلام) يجعله يسعى الى خلق لغة شعرية جديدة مغايرة للماضي، لأنها ستكون - حسب تعبير رامبو - (لغة النفس للنفس). تحرك كل شيء العطور، الأصوات، الألوان والفكرة التي سوف تربط بين الفكرة واختها). يكون الحس الى جانبها حقيقة أخرى مستقلة لعالم القصيدة الحديثة وتكوينها الانفعالي العام.
وإذ يضاعف الشاعر الحديث سلطانه مجدداً على الكلمات يوسع مخيلته ويدمن الجنون، لأن الجنون في هذه الحالة يساعد الأحاسيس على أن تنفعل وتظهر بدقة أمامنا، والاذن على ان تخترق الاصوات الأكثر خفاء في الضجيج على أن تنحبس الهواجس والاوهام، على أن تلبس الاشياء الخارجية مظاهر المسوخ، على أن تبدو الاشكال غير معروفة تماما فتنحل وتتحول وتدخل كينونتنا. هكذا تزداد قدرة الشاعر الجديد على الابداع والمعرفة حتى في ظلال العلم ومنجزاته العلمية الكبرى. وليس الشعر عواطف فحسب، بل فعل كذلك، فعل يصدر عن حياتنا الواعية لكن ليحولها مباشرة بعد الابداع فيبرز أجواءها الشعرية الصحيحة. ويتفاعل من ثم مع لا وعينا في اتمام القصيدة - التجربة، ولكي يتم هذا الفعل الشعري وينعكس خارجا علينا يحتم ثلاثة أشياء: التخيل والبديهة واللغة، ودون ذلك لا يتم التعبير الشعري الصحيح، ولا يحيط بالتجربة الشعرية ككل، والا فهناك شعر بلا لغة فهو كما يقول (تريستان تزارا) بأنه يمكننا أن نكون شعراء دون أن نكتب قصيدة واحدة، لأن الشعر موجود في الشاعر، في محل تجاري. ويسانده الرأي شاعر فرنسي معاصر هو هنري ميشو لكن بكلام آخر فيقول: (لكي يكون الشعر حقيقيا مبدعا ومموسقا لا يقاس مطلقا بمقياس لانه موجود بديهياً أينما كان وبحرية في العالم تتجلى كثافته اكثر فأكثر على لوح خشبي، في صورة شمسية، في كوخ حقير. أما الطفل الذي يلعب، والمؤمن الذي يتعبد والمتجول في الريف أو في المدينة فهم دون أن يكتبوا كلمة واحدة شعراء لان الصمت في الشعر هو أكثر صحة من الكلمات المكتوبة). لكن للفعل الشعري رقصة الفراغ، لا توجد أعجوبة في هذا المجال، انما الشاعر الأكثر جنونا.. الأكثر هذيانا يصنع جنونه وهذيانه مع (حجارة الطريق) مع (العشب) مع (وجوه البشر) حتى ولو حاول اخفاء ذلك عن ذاكرته وحياته ليصل إلى (المدهش) حسب تعبير السورياليين.

رياض


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved